أين مرشحنا الرئاسي الذي نحتاجه؟ ترودي ربين عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية الأميركية، أتمنى لو أننا كان يمكنا أن يكون لدينا مرشح رئاسي يدعى " ماك باما ". ففيما يتعلق بالمسائل الحساسة، مثل التعامل مع العراق وإيران، يُعد باراك أوباما غضا جدا، ويُعد جون ماكين جامدا متصلبا جدا. وليس هناك شئ فيه حاجة للتصريح والمكاشفة بشكل واضح جدا مثل مسألة التفاوض مع إيران. لقد أصبحت المسألة الحساسة مدفونةً تحت سيل مضحك من الخطابة يتبادله المرشحان. وكانت سياسة إدارة بوش حيال إيران إخفاقا خطيرا وستحتاج بشدة إلى مراجعة من قبل الرئيس الأميركي القادم. غير أنه بدلا من إثارة مناقشة جدية عن الأمن، أصبحت المسألة الإيرانية غارقة في التفاهة والسذاجة. فجون ماكين، الذي وافق في السنوات الماضية على محادثات مع سوريا و" حماس "، يقدم نفسه الآن على أنه " الدكتور لا ". فماكين الذي يعرض جاذبيته بوصفه بطلا عسكريا يردد التهم التي يرددها بوش بأن التفاوض مع " الإرهابيين والرجعيين " ( ويمكنكم أن تقرأوا إيران بين السطور ) يساوي استرضاء العدو على حساب المبادىء الأخلاقية. ويرتئي ماكين أن " الرئيس محق تماما ". أما أوباما، على الجانب الآخر، فقد ترك نفسه منساقا جدا وراء البساطة والسذاجة. فخلال المناظرة الرئاسية في شبكة " سي إن إن " في شهر يناير الماضي، سأل سائل عما إذا كان سيقلد الرئيس المصري الرحل أنور السادات، الذي سافر إلى إسرائيل في خطوة أدت في نهاية المطاف إلى معاهدة سلام. وسأل السائل سؤالا آخر عما إذا كان أوباما سيتقابل بدون شروط مسبقة مع قادة إيران وسوريا وفنزويلا وكوبا وكوريا الشمالية، فرد أوباما قائلا " سأفعل ". وهذا الرد أبعد المناقشة عن النقطة الرئيسة- وهي هل يجب أن تفتح الولاياتالمتحدة المجال لمحادثات غير مشروطة مع إيران حول سلسلة واسعة من المسائل الأمنية. وبدلا من ذلك ترتكز الحجة والجدل الآن على استعراض جانبي أو مسالة ثانوية : هل يجب أن يتحدث الرئيس الأميركي القادم مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد؟ لو كان أوباما قد اتخذ نفسا عميقا، لكان قد أدرك أن السائل من شبكة " سي إن إن " قد ألقى له حبل السلامة وإنقاذ الحياة. فقد سافر السادات إلى إسرائيل فقط بعد أن كان المبعوثون الإسرائيليون والمصريون قد عقدوا اجتماعات سرية اثمرت عن اتفاق. إن أوباما يمكنه أن يقول إنه سيحاكي اتجاه السادات لا اجتماعات قمة قبل حدوث تقدم على المستويات الأدنى. وفي الأسابيع الأخيرة، شدد أوباما حقا على أنه لن يتحدث قبل استعدادات وتحضيرات مكثفة. ولكن الصورة تبقى لرئيس غير ذي خبرة يجلس إلى جوار أحمدي نجاد بينما يثرثر نجاد عن تدمير إسرائيل. كان خطأ أوباما هو رسم صورة لسياسة جديدة خاصة بإيران من ناحية شخصية وليس استراتيجية . وهذه المسألة لا ينبغي أن تكون حول ما إذا كان يتم " الانخراط في دبلوماسية شخصية جريئة " ( بكلمات أوباما ) مع قادة دول صعبة. ولكن بالأحرى، يكون السؤال حول ما إذا كانت استراتيجية أميركية مختلفة يمكن أن تمنع إيران من تطوير أسلحة نووية وتجعل سياستها في الشرق الأوسط معتدلة. يجب أن نجد ونكتشف. ولكن ماكين يتمسك بسياسة فاشلة للإدارة الأميركية لا محادثات موسعة قبل أن تجمد إيران تخصيبها لليورانيوم. لقد تجاهلت إيران وهي المنتفخة والمنتشية بأموال النفط تجاهلت ضغط البيت الأبيض والعقوبات الاقتصادية من الأممالمتحدة. كما أنه ليس هناك أي علامة على أن سياسة طهران ستتغير طالما بقي بوش في الحكم. ويبدو ماكين كثير النسيان غافلا عن الخيارات السيئة التي تؤدي إليها سياسته: قبول إيران نووية أو ضرب مواقع إيران النووية. والخيار الأخير لن يُنهي النظام الإيراني أو برنامجه النووي. ولكنه سيجذب الولاياتالمتحدة إلى حرب أخرى ستدعم الإرهاب وتقضي على جهودنا في العراق. وبدلا من مواجهة تلك الحقيقة، يندد ويشجب ماكين جلوس أوباما المفترض مع أحمدي نجاد. واتجاه أوباما سيتمسك بأن المفاوضات ليست دواء عاما ناجعا لجميع الأمراض. ولكنه سيعترف بأن المحادثات بدون شروط مسبقة لازمة لاستكشاف ما إذا كانت إيران يمكن إعادتها مرة أخرى إلى حظيرة المجتمع الدولي. نحن لا نعرف كما أشار إلى ذلك وزير الدفاع الأميركي روبرت جيتس مؤخرا ما إذا كانت الولاياتالمتحدة تحتفظ بثقل دبلوماسي واقتصادي وعسكري كافٍ للتأثير في السلوك الإيراني. ومع ذلك، فأحمدي نجاد ليس هو أكبر قائد في إيران، ولا يسطير على السياسة الخارجية. وعلاوة على ذلك، فهو قائد ينتعش في المواجهة مع الغرب، ومن المحتمل أن يتم إضعافه إذا تم الحد من التوترات الأميركية الإيرانية. هناك علامات على أن بعض القادة الإيرانيين مازالوا مهتمين بإنفراجة في العلاقات من شأنها رفع العقوبات والسماح بتطوير احتياطي النفط والغاز الإيراني تطويرا كاملا. ولكي يحدث هذا، سيتعين على إيران أن تراجع سياساتها في الشرق الأوسط، بما في ذلك موقفها تجاه إسرائيل. ومثل تلك التساؤلات الحاسمة يمكن استكشافها بعيدا عن مستوى الرؤساء عن طريق دبلوماسيين متوسطي المستوى أو مبعوث خاص. والمرشح " ماك باما " سيوضح كل ذلك للجماهير الأميركية بدءا من سياسة بوش الفاشلة إلى الفوائد الأمنية الممكنة من المحادثات غير المشروطة. وهو سيخرج الحديث عن دائرة " الدبلوماسية الشخصية " ويركز على الفوائد الاستراتيجية لأميركا. ولن يكون ساذجا في المحادثات ولا متصلبا في رفضها. فهل أي من المرشحينِ ( ماكين وأوباما ) قادر على القيام بدور " ماك باما"؟! صحيفة " الوطن العمانية " 3/6/2008