سوريا وإسرائيل.. سلام صعب المنال شادي جابر مع بدء العد العكسي لموعد رحيل الرئيس الأمريكي جورج بوش عن البيت الأبيض يبدو أن الشرق الأوسط أمام منعطف سياسي جديد أقل قتامة، حتي الآن علي الأقل، مما عايشناه طوال السنوات السبع الماضية. وليس خافياً علي أحد أن سياسة الإدارة الأمريكية الحالية كانت إحدي أهم أسباب الأوضاع التي وصل إليها الشرق الأوسط والعالم خلال تلك الفترة. الآن تستعد سوريا لعقد جولة ثانية من المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل في "اسطنبول" التركية تمهيداً لإطلاق مفاوضات مباشرة بين الجانبين. يتزامن ذلك مع انفراج كبير ظهر في المشهد السياسي اللبناني بعد "اتفاق الدوحة" وما أفرزه من استقرار علي مستوي الداخل اللبناني. يضاف إلي ذلك التهدئة التي تسعي القاهرة إلي إنجازها بين إسرائيل وحماس في غزة.. الرهان علي نجاح مفاوضات السلام غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل رهان في غير محله وبعيد عن المنطق بالنظر لمعطيات الواقع السياسي في الشرق الأوسط، ذلك أن الرهان علي الجواد الخاسر يعني خسارة الرهان ككل.. يبدو ذلك بوضوح في صعوبة إن لم نقل استحالة نجاح رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت في إنجاز اتفاق سلام مع سوريا في ظل افتقاره للغطاء الشعبي اللازم لهكذا اتفاق فضلاً عن الأزمات التي يواجهها علي خلفية اتهامه بقضايا فساد مالي.. علماً أن الرجل أكد أنه سيستقيل من منصبه في حال قدمت النيابة لائحة اتهام ضده.. وبالتالي فإن بقاء أولمرت غير مضمون أصلاً، حتي يكون قادراً علي إنجاز اتفاق سلام مع السوريين!. أما العامل الآخر الذي لا يدعو للتفاؤل بنجاح المفاوضات السورية الإسرائيلية.. فهو غياب الدور الأمريكي عن هذه المفاوضات التي تتم حتي الآن برعاية تركيا.. بمعني أن أي اتفاق سلام محتمل لن يكون قابلاً للحياة دون رعاية دولية، وأمريكية بشكل خاص. وهذا غير متوفر مع وجود جورج بوش في البيت الأبيض والذي ما زال يضع فيتو علي أي انفتاح علي سوريا، وليس فقط علي مفاوضات سلام إسرائيلية معها.. وغالب الظن أن إسرائيل أبلغت بوش خلال زيارته الأخيرة لها بأن مفاوضاتها مع السوريين لن تذهب بعيداً لتتعارض مع سياسات الإدارة حيال سوريا. يمكن القول أيضاً إن عامل الجمود.. أو بالأحري التجميد الإسرائيلي لمسار السلام مع أبي مازن اقتضي إعادة إحياء المسار السوري لصرف الأنظار عن العرقلة الإسرائيلية لتفاهمات أنابوليس. وإذا افترضنا جدلاً أن إسرائيل جادة تماماً في التوصل إلي اتفاق سلام مع سوريا في المستقبل القريب.. فعلينا أن نفكر بثمن إعادة إسرائيل الجولان كاملاً إلي سوريا؟. لا يخفي علي المتابعين للمشهد السياسي في المنطقة أن إسرائيل تريد فك التحالف السوري الإيراني لما لهذا التحالف من مخاطر عليها سواء في لبنان أو غزة.. وهي ما زالت تعلن ذلك الهدف جهاراً.. لكن ماذا عن السوريين؟ هل سيقبلون التخلي عن حليفهم الاستراتيجي الأول بدون منازع مقابل الجولان؟. صحيفة "تشرين" التي تعبر عن الموقف الرسمي السوري أكدت قبل أيام أن هدف سوريا كان ولا يزال استعادة الجولان "حتي آخر شبر"، لكنها أشارت إلي أن دمشق ترفض شروط إسرائيل و"لا تساوم في علاقاتها مع الدول والشعوب". في إشارة واضحة إلي المطالب الإسرائيلية من سوريا لفكّ تحالفها مع إيران.. ولم تتردد "تشرين" بوصف هذه الشروط ب"التعجيزية". لا شك بأن التحالف السوري الإيراني قد ذهب بعيداً إلي درجة يصعب العودة عنها قبل التوصل إلي تسوية شاملة في المنطقة برمتها، بما في ذلك الملف النووي الإيراني. ولعل وجود وزير الدفاع السوري في طهران بعد أيام قليلة علي إعلان سوريا وإسرائيل عن مفاوضات سلام بينهما، يؤكد أن السوريين ليسوا بصدد التنازل عن تحالفهم الاستراتيجي مع إيران قبل أن يحقق هذا التحالف الأهداف التي قام من أجلها واستمر طوال ما يقرب من ثلاثة عقود. ولا يعني ذلك أن سوريا سترفض توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل مقابل استعادة الجولان كاملاً، إلا أنها لن تقبل أيضاً بالتأكيد أن يكون السلام مشروطاً بقطع أو تجميد علاقاتها مع طهران. أما فيما يتعلق بوضع حزب الله فإن الأمور تبدو أكثر تعقيداً، ذلك أن قدرة سوريا علي ضبط إيقاع الحزب تقلصت إلي حد ما بعد خروجها من لبنان.. كان يمكن لاتفاقية سلام بين إسرائيل وكل من سوريا ولبنان أن تسهم في ذلك الحين بإعادة النظر في استمرار المقاومة المسلحة ضد إسرائيل انطلاقاً من الجنوب اللبناني، لكن اليوم أصبح من الصعب أن تقول سوريا لحزب الله يجب أن تتوقف لأن إسرائيل أعادت لنا الجولان. حماس بدورها تخشي من أن يؤدي اتفاق سلام سوري إسرائيلي إلي إضعافها وحرمانها من الغطاء السياسي والدعم الذي توفره دمشق لها. وقد تضطر لإعادة النظر بقواعد اللعبة، وربما تنتقل قيادات الحركة إلي طهران.. كما تحدثت بعض الأنباء مؤخراً.. لكن كل ذلك يبقي في إطار التكهنات التي لا تستند إلي معطيات مؤكدة حتي الآن. وفي جميع الأحوال فإن السلام السوري الإسرائيلي أصبح أصعب منالاً من السابق، وتحديداً في الفترة التي قادت فيها إدارة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون مفاوضات سلام مباشرة بين الجانبين، شارك فيها كبار المسؤولين السوريين والإسرائيليين آنذاك، لكنها فشلت وضاعت الفرصة الذهبية التي أخفقت إسرائيل بانتهازها في ذلك الحين.. اليوم تغيرت الظروف والأوضاع وأصبحت أكثر تعقيداً والمسبب الأول هو بدون شك سياسات إدارة بوش الرعناء. إن مقومات السلام السوري الإسرائيلي غير متوفرة في هذه المرحلة، ولن تتعدي هذه المفاوضات غير المباشرة هامش التكتيك والمناورة واللعب علي عامل الوقت لتحقيق بعض المكاسب السياسية لكلا الطرفين بانتظار إدارة أمريكية جديدة تنظر بعين أكثر مقدرة علي الرؤية من جورج بوش وكوندوليزا رايس. عن صحيفة الراية القطرية 2/6/2008