فلسطين بين النكبة وسياسة التمييز العنصري محسن أبو رمضان تنتمي نكبة فلسطين العام 48 التي أدت إلى قيام دولة إسرائيل على أنقاض الشعب الفلسطيني الذي تم تشريده من دياره إلى حالة غير تقليدية من الاستعمار، بل لحالة استثنائية تجمع بين الاستعمار التقليدي المباشر وبين التوجه الاقلاعي والتشريدي الرامي إلى تفتيت مقومات الشعب ووحدة هويته وصولاً إلى دمجه في تجمعات اخرى بهدف إلغاء تواصله وترابطه التي تعبر عنها الهوية الوطنية . وعليه، فإن الاستعمار الاقلاعي والاستيطاني والتشريدي لم يأت لخلق التعايش والمصالحة مع الشعب الفلسطيني بل أتى ضمن تصوره الاستراتيجي القائم على الإحلال وإلغاء الآخر وتكوين بنية اجتماعية اقتصادية بديلاً عنه وعلى انقاضه. وإذا استندنا إلى المقولة المشهورة لأحد المفكرين العالميين الذي كان يردد أن شعباً يضطهد شعباً آخر لا يمكن ان يكون حراً، فإن اسرائيل وتواجدها السكاني على جزء من أرض فلسطين عبر القوة العسكرية المدعومة من القوى الرأسمالية العالمية، تنتمى إلى حالات الاضطهاد والاستعمار والاستغلال، الأمر الذي ينفي الطابع التحرري أو القومي وراء تأسيس دولة إسرائيل كما كان يدعي قادة الحركة الصهيونية، خاصة ان مشكلة أقلية ما لا يمكن ان تحل على حساب شعب آخر وعبر إلغائه وإقصائه وقمعه وتشريده. وإذا واكبنا الاستراتيجية الاسرائيلية الراهنة، فإننا نجد وبما لا يدع مجالاً للشك بأنها تأتي امتداداً لنهج وعقلية النكبة التي مورست بحق شعبنا، فما زال المخطط الاحتلالي الاسرائيلي يرمي إلى تفتيت مكونات الشعب الفلسطيني وتحويله إلى تجمعات سكانية متناثرة فاقدة إلى الناظم التجميعي لها والمجسد بالهوية الوطنية والتي يمكن التعبير عنا بالدولة والاستقلال الوطني. فالاحتلال الإسرائيلي ومنذ العام 67 ينشط باتجاه بناء المستوطنات، وقد توجه مؤخراً الى بناء جدار الفصل العنصري بالضفة الغربية، ويعمل على تهويد القدس ويقوم بحصار وعزل قطاع غزة في ممارسات تشير تقارير منظمات حقوق الإنسان إلى أنها تخرق وثيقة جنيف الرابعة الرامية إلى حماية المدنيين في زمن الحرب والقانون الدولي الإنساني بما انها ممارسات يشكل العقاب الجماعي أحد محاورها المهمة وترمي إلى تغيير معالم الشعب والأرض والقضية الوطنية لشعبنا. لقد اعتبر شارون أن الانسحاب الأحادي من قطاع غزة الذي تبناه بعده اولمرت على قاعدة خطة الانطواء بالضفة الغربية أنها تأتي استكمالاً لحرب 48، ذلك أنها تنشد إلى تقطيع أوصال الأرض والوطن والشعب وزجه في تجمعات سكانية صغيرة مقابل ضم مساحات واسعة من الأرض في سياسة احتلالية اقلاعية وفي ممارسة وصفها الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر بأنها تنتمي إلى سياسة التمييز العنصري. إن أحد الدروس المستخلصة من ذكرى ستين عاماً على النكبة تكمن في ضرورة بلورة الأداة السياسية المعبرة عن حقوق شعبنا، الأمر الذي يستلزم إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وتفعليها وتطويرها على أسس من المشاركة والديمقراطية بحيث تتم إعادة اعتبارها عنواناً للحركة الوطنية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال والاستيطان خاصة مع ضرورة التأكيد على أهمية تمثيل الشعب الفلسطيني بالوطن والشتات، خاصة إذا لمسنا أن الاحتلال الإسرائيلي يسير بمخططاته غير عابئ بالمفاوضات وبالونات اختبار التسوية، وهو يرمي إلى تشتيت شعبنا وتجزئته وتقسيمه بهدف تفتيته وتقويض وحدة هويته الوطنية. ولعل المدخل الأنسب من اجل العمل على إعادة بناء وتفعيل البيت المعنوي لشعبنا وعنوانه الكفاحي تطبيقاً لإعلان القاهرة العام 2005 والمجسد بمنظمة التحرير الفلسطينية يكمن بالشروع الفوري لاستعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام السياسي والجغرافي على طريق العمل على انتزاع المبادرة من جديد عبر الاتفاق على رؤية وأهداف وأدوات تساعد على تحقيق طموحات شعبنا وانجاز حقه بالحرية والاستقلال أسوة بباقي شعوب الأرض . عن صحيفة الايام الفلسطينية 25/5/2008