حزب الله ومعاركه.. في مرحلة جديدة! د. وحيد عبدالمجيد كانت المقاومة اللبنانية المدربة والمسلحة جيدا هي الشوكة الأهم في حلق إسرائيل خلال السنوات الأخيرة, بعد أن ضعفت المقاومة الفلسطينية وانقسمت وتهافتت. ولما كانت قوات حزب الله هي العمود الفقري للمقاومة اللبنانية, فمن الطبيعي ان يكون انغماسها في الصراع الداخلي علي نحو ماحدث اخيرا هو أكبر هدية لإسرائيل في الذكري الستين لقيامها. وتزداد أهمية هذه الهدية بالنظر إلي الارتباط الوثيق بين دور حزب الله في مواجهة إسرائيل ومأزقها ازاء البرنامج النووي الايراني. فالاستراتيجيون الإسرائيليون المعنيون بهذا الملف يعرفون الآن ان الولاياتالمتحدة ليست جاهزة لاجهاض ما يعتبرونه مشروعا نوويا عسكريا إيرانيا في طور التشكيل عبر ضربة عسكرية, وان الشروط اللازمة لمثل هذه الضربة قد لاتتوافر في عهد الإدارة المقبلة ايضا. وهم يدركون ايضا ان أهم مصادر صعوبة خيار ان تأخذ إسرائيل هذا الامر بيديها وتهاجم المنشآت النووية الايرانية هو القصف الصاروخي الذي يرجح ان تتعرض له علي نحو قد يظهر رخاوتها المجتمعية اكثر من اي وقت مضي. وإذا كانت الصواريخ التي اطلقها مقاتلو حزب الله خلال حرب صيف2006 احدثت من الآثار ما يحاول الإسرائيليون استيعابه حتي الآن, فالأرجح ان لدي هذا الحزب الآن صواريخ اشد اثرا, كما تفيد معلومات متطابقة بعضها إسرائيلي المصدر, إلي امتلاكه صواريخ مضادة للطائرات للمرة الأولي, وثمة اعتقاد واسع في أن هذه هي المفاجأة التي تحدث عنها زعيمه السيد حسن نصر الله في إحدي خطبه التعبوية الأخيرة. ولكي تكون ضربة عسكرية إسرائيلية ضد المنشآت النووية الايرانية خيارا عمليا ممكنا, لابد من خفض تكلفتها علي صعيد التهديد الصاروخي بصفة خاصة. وقد لايمكن خفض تكلفة ضرب تلك المنشآت بدون الحد من التهديد الصاروخي من جانب قوات حزب الله, التي تواصل استعدادها لحرب أخري مثلما تسعي إسرائيل إلي استيعاب دروس حرب2006 إلي تجنب تكرار الفشل الذي حدث فيها, ومن بين ما تحاول إسرائيل تجنبه, أو الحد منه, الهجوم الصاروخي الذي تعرضت له اجزاؤها الشمالية. ولذلك يبدو أن هذه الجبهة تظل هي موضع التركيز الرئيسي, في الوقت الذي يسعي الإسرائيليون إلي استئناف المفاوضات مع سوريا عبر وساطة تركية. فالميل الغالب في أوساط الاستراتيجيين الإسرائيليين هو إلي محاولة تحييد سوريا وليس نحو السعي إلي الحاق هزيمة بها, وهذا هو ما تستدعيه ايضا موجبات التركيز علي خفض التهديد الناجم عن ازدياد قوة حزب الله, وخصوصا اذا اصبحت ضربة إسرائيلية ضد المنشآت النووية الايرانية خيارا لابديل له. ويراهن الإسرائيليون الذين يرون حزب الله مصدر التهديد الأخطر من هذه الزاوية علي انغماسه في حرب اهلية لبنانية, ويعتبرون تورطه فيها بداية مرحلة جديدة في المنطقة وليس فقط في الصراع بينهما, وهذا الرهان الذي انتعش في الايام الماضية, يدعم رهانا اخر ظهر في الشهور الأخيرة عقب اغتيال عماد مغنية الذي لم يكن مجرد رئيس اركان لقوات حزب الله, وانما كان العقل الاستراتيجي والتكتيكي الذي رفع القدرة القتالية لهذا الحزب إلي المستوي الذي جعلها تمثل كل هذا التهديد لإسرائيل, وهم اذ يعرفون أكثر من غيرهم ان دور مغنية قد يتجاوز الاساطير التي نسجت حوله, فهم يأملون ان يكون اغتياله نقطة تحول في صراعهم ضد حزب الله. ولايخفي ان نجاح إسرائيل في التخلص من مغنية رفع معنويات قيادتها العسكرية علي نحو قد لايقدره إلا من يعرفون حقيقة دوره في المعركة المتواصلة بينها وبين حزب الله وصولا إلي حرب2006. ولذلك كان بعض قادة هذا الحزب يفضلون انكار اغتيال مغنية واعلان ان الذي قضي في العملية التي استهدفته هو شخص آخر, وكان من شأن هذا الانكار ارباك حسابات إسرائيل والولاياتالمتحدة, لانه يصعب التوصل إلي يقين بأن مغنية هو الذي اغتيل فعلا بدون اقرار قيادة حزب الله بذلك, فقد استهدفته المخابرات الإسرائيلية والأمريكية مرات, وفشلت في قتله أو أسره, ولم يكن احد يستطيع ان يميزه بين عدد من الصور التي تنكر فيها علي مدي سنوات طويلة. غير ان السيد حسن نصر الله اتخذ موقفا اخلاقيا وعاطفيا عندما اصر علي اعلان استشهاده, وقال لمن نصحوه بالا يفعل حتي يبقي شبح مغنية مؤرقا لإسرائيل, لقد ادي واجبه علي أكمل وجه, وبات علينا ان نؤدي واجبنا تجاهه في دفنه شهيدا. وقد سمعت من احد اركان حزب الله ان السيد نصر الله لم يهتز ولم يذرف من الدمع مثلما هزه وابكاه رحيل مغنية, بعكس ما انتجه خيال بعض المحللين الذين ذهبوا إلي انه ارتاح من منافس محتمل له! لقد عاش نصر الله اصعب ساعات في حياته, من اللحظة التي أبلغه فيها مرافقو مغنية ما حدث لحظة حدوثه في دمشق, إلي ان استقبل جثمانه في دمشق, فقد امر مرافق مغنية بوضع جثمانه في السيارة التي كانوا يستقلونها واحضاره إلي بيروت بأقصي سرعة ممكنة, ونجحوا في ذلك, إلي حد ان السلطات السورية لم تتأكد من أن مغنية هو الذي اغتيل إلا عندما اعلنت قيادة حزب الله ذلك بعد أن اصبح جثمانه بين يديها. فالاتفاق المبرم بين دمشق وحزب الله يقضي بأن يدخل مغنية وغيره من قادة الحزب سوريا ويخرجون منها بطريقة كودية متعارف عليها بدون كشف هوياتهم حتي لاجهزة الأمن السورية نفسها, ولذلك كان في امكان قيادة حزب الله, وبالتالي ان تعلن اغتيال شخص آخر اقل أهمية. ولكن الاعتراف باغتياله فتح امام إسرائيل بابا للرهان علي تجاوز مأزقها عبر الرهان علي صعوبة سد الفراغ الذي تركه, وبالتالي التطلع إلي خفض تهديد حزب الله إلي مستوي ادني, ومن شأن هذا الرهان ان يزداد عندما ينغمس حزب الله في حرب لبنانية داخلية كنا نفترض انها أكثر صعوبة علي زعيمه من اغتيال مغنية, فهل يدرك السيد نصر الله ذلك, ام انه مكتوب علي العرب الذين يبدأون عملا إيجابيا ألا يكملوه. عن صحيفة الاهرام المصرية 20/5/2008