إيران ومحو إسرائيل عن وجه الكون جهاد فاضل مصير إسرائيل بنظر المسؤولين الإيرانيين واحد وإن اختلف أسلوب التعبير عنه. فالرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد تحدث مراراً عن هذا المصير فوصفه بالغبار أو بالهباء . أي أن اسرائيل ستتحول، علي يد ايران طبعاً، الي غبار أو الي هباء. أما نائب القائد العام للجيش الإيراني محمد رضا اشتياني فقد استخدم قبل أيام عبارة محو اسرائيل عن وجه الكون . والعبارات تتفق بالطبع حول هذا المصير، وهو أن اسرائيل ستزول من الوجود في أقرب وقت إذا اعتدت علي ايران، أو علي حزب الله، وهي معتدية لا محالة لأن العدوان طبيعة فيها. هذا التهديد الدائم من ايران لإسرائيل لا يزعج العرب ولكنهم يشكّون في قدرة ايران علي النيل من اسرائيل. وهناك من العرب من يعتبر ان المستهدف من ايران ليس اسرائيل بل العرب أنفسهم وذلك لإثبات عجز حكامهم وتخاذلهم ولكسب شعوبهم. عبر التاريخ لم يشكل اليهود عدواً لإيران، بل كان العدو هم العرب. ويمكن التحقق من ذلك عند قراءة التاريخ، وكذلك عند قراءة الأدب الفارسي قديمه وحديثه. عند الفرس القدماء بلغت العلاقة الحميمية مع اليهود ذروتها. وفي التاريخ الحديث كان شاه ايران محمد رضا بهلوي صديقاً حميماً للحركة الصهيونية. وحتي عندما دالت دولة الشاه، وحلّت محلها الجمهورية الاسلامية، انتعشت أواصر الود القديم، أو الدائم تقريباً، بين اليهود والإيرانيين، عندما استنجدت ايران بإسرائيل طالبة منها السلاح لمحاربة عراق صدام حسين. ومن كل ذلك نستنتج ان العدو في الوجدان الايراني ليس اليهود بل العرب. وعندما تهدد ايران الحالية اسرائيل بنهاية مأساوية، فلن تقتصر الضربة - إذا نجحت - علي اسرائيل وحدها، بل سيكون العرب أهل ذمة. سينال العرب ما سينال الاسرائيليون حتماً، ولن تكون صورتهم مختلفة عن صورة العراق حالياً، بخاصة البصرة، أو عن صورة لبنان، وبخاصة جنوبه والضاحية الجنوبية من عاصمته. ولكن بصرف النظر عما إذا كانت هذه الرؤية المستقبلية السوداء للمشرق العربي في عصر سيادة ايران بعد إزالتها لإسرائيل، رؤية صحيحة أو واقعية، فإن المراقب يصاب بالدهشة عندما يستمع الي قادة ايران السياسيين والعسكريين يهددون جهاراً نهاراً اسرائيل بتحويلها الي هباء أو الي غبار وبالتالي إزالتها عن وجه الكون . ذلك ان الناس اعتادوا علي سماع مثل هذه التهديدات من منظمات غير مسؤولة من نوع الجبهة الشعبية/ القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل. أو من أي نوع آخر. ولكن ان تصدر هذه التهديدات من قادة دول وجيوش نظامية، فأمر مستغرب وهو في أية حال أمر يلحق الضرر، أول ما يلحق، بالدول أو بالدولة التي تطلقها. ذلك أنها ستكون أولاً مؤشراً علي عدم استحقاقها لاحتضان الأسرة الدولية لها، أو لأن تكون عضواً في نادي هذه الأسرة. ذلك أن هناك فرقاً جوهرياً بين الدولة وبين الثورة ، وبين منطق كل منهما. فما يجوز للأولي لا يجوز للثانية. والعكس بالعكس. وعندما تقرر الدولة أن تكون علي الدوام ثورة ، وأن تتصرف بدون أدني ضوابط تحكم عمل الدولة عادة، فعليها ألا تدهش اذا تعاملت الاسرة الدولية مع هذه الدولة علي أنها مجرد عصابة أو ميليشيا استولت بالقوة أو بالغصب علي مقدرات السلطة في بلادها. ثم ان هذه التهديدات التي تطلقها إيران يومياً ضد إسرائيل تفيد في الواقع اسرائيل ولا تضرها. فهي تظهرها بمظهر الدولة المستضعفة المعتدي عليها، والجديرة بتضامن العالم كله معها. وفي غمار هذا التعاطف الدولي، تتابع اسرائيل سراً وعلناً مسلسل جرائمها المعروفة ومنها تهويد القدس والضفة الغربية ومتابعة سياسة الاستيطان في كل مكان دون أن يتمكن صوت الشرفاء في العالم من اختراق هذه السياسة. فمن باستطاعته ان يرفع صوته ضد ممارسات اسرائيل، واسرائيل بنظر العالم مهددة بالهباء أو بالغبار أو بالمحق أو بالمحو عن وجه الكون ؟ ومَن يتجرأ علي إعلان تضامنه مع ايران في سياستها هذه تجاه اسرائيل؟ حتي كوريا الشمالية زميلتها في محور الشر، لا يمكنها ان تقدم لها حتي نجدة لفظية. ولا هوغو تشافيز يمكنه أن ينطق ولو بجملة واحدة تؤيدها في أي مؤتمر صحفي له في كاراكاس. ثم ان اسرائيل التي تهددها ايران بصميم وجودها علي هذا النحو، لم تعد عصابة الهاغاناة أو الأرغون التي كانت قبل عام ،1948 وإنما هي الآن دولة ذات شأن في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم. هي أولاً دولة عضو في هيئة الأممالمتحدة. وهي ثانياً دولة مدلّلة في هذه الهيئة، تنفذ أو لا تنفذ ما تشاء من القرارات الدولية. ولا تردّ علي أحد، إذا سألها أحد. وهي ثالثاً - وواقعياً - إحدي ولايات أمريكا، بل أعز ولاية علي قلوب الأمريكيين، وأمنع ولاية أمريكية. بل انها القلعة المتقدمة للولايات المتحدةالأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. وأخيراً هي دولة نووية عريقة في النوويات والمفاعلات منذ اكثر من ثلث قرن. ولديها من القنابل الذرية ما يؤهلها لتحويل عدوها الي هباء وغبار، فتمحقه وتمحوه عن وجه الكون.. ولا ننسي حرص العالم كله علي حماية الظواهر الانقراضية واسرائيل واحدة منها.. فهل تهديد ايران لاسرائيل علي النحو الذي تقدم في محله؟ هل حسبت ايران حسبتها جيداً، أم أن هذه الحسبة غلط أصلاً وفصلاً؟. كثيراً ما قيل إن قضايا الحرب والسلم، نظراً لخطورتها، أعظم من أن تُوكل الي عسكريين. ويبدو أن هذه القضايا استناداً الي ما تقدم، أعظم من أن توكل الي ملالي يُفترض ان ينصرفوا الي الصلاة، أو الي حكّام لا يقّدرون نتائج الحروب، وينعتون جيش بلدهم بالجيش الإلهي الذي لا يُغلب!. فلسطين قضية عربية أولاً وأخيراً لا قضية أي شعب آخر. وعندما يسير العرب جميعاً بسياسة التسوية مع اسرائيل، فلا شك ان لهم ظروفهم وأسبابهم. ومن الصعب اتهام عرب المشرق والمغرب وما بينهما عرب مصر والخليج، ومعهم العمود الفقري للحركة الفلسطينية بالتفريط والتواطؤ إذا تبنّوا شعار التسوية، كما أنه من السذاجة انتظار الترياق من ايران انطلاقاً من شعارات الهباء والغبار والمحو عن وجه الكون. فهذه الشعارات لا تضرّ في الواقع إسرائيل، ولعلها تقدم لها الأسباب الموجبة لما تلحقه كل يوم بالفلسطينيين وقضيتهم!. عن صحيفة الراية القطرية 21/4/2008