الهوية الخليجية احمد عمرابي لن يتوقف الجدل حول مسألة خلل التركيبة السكانية في الخليج، لأنها ظاهرة مرئية نعيشها على صعيد الواقع اليومي. وهذا الجدل لم ينطلق الآن على نحو فجائي، وإنما نشأ منذ منتصف سبعينات القرن الماضي، عندما بدأت فورة الإعمار الكاسحة التي أنتجتها الطفرة النفطية. كانت طفرة متصاعدة ومتسارعة الإيقاع ومتجددة القوة، الأمر الذي تطلب بالضرورة استيراد دفعات متتالية ومتعاظمة من العمالة الأجنبية لكافة القطاعات، وخاصة من بلدان غرب وشرق آسيا فيما يتعلق بمهن معينة.
آنذاك كما الآن تكاثر الجدل عن الهوية الخليجية والآثار الثقافية والاجتماعية المترتبة على الوجود البشري المتنامي لهذه العمالة، خاصة أنها باتت تشكل أغلبية سكانها في بعض المجتمعات الخليجية، مما أدى إلى طرح التساؤل الطبيعي: كيف يمكن التصدي للظاهرة من أجل تحجيم آثارها السالبة؟
بغض النظر عما يطرح من أفكار وآراء فإن نقطة الانطلاق لأي معالجة تستهدف الظاهرة ينبغي أن تستوعب أن هناك عنصرين أساسيين للهوية الخليجية هما العروبة والإسلام.
مما اجتذب الانتباه بصورة خاصة اقتراح طرح على «ملتقى الهوية الوطنية» المنعقد مؤخراً في أبوظبي بإنشاء اتحاد خليجي يمنح جنسية موحدة للخليجيين وتجنيس الخليجيين الذين يطلبون ذلك، ووضع سقف لأعداد الجاليات على ألا تتعدى كل منها نسبة 25%من المواطنين، هذا الاقتراح قد يكون ملائماً كحل جزئي على المدى القريب، لكن لن يضمن حلاً شاملاً وحاسماً على المدى البعيد، مثل هذا الحل الشامل والحاسم لن يتوفر إلا عن طريق تدابير لتعريب العمالة الأجنبية إلى الحد الأقصى الممكن.
لكن ينبغي أن ننتبه أولاً إلى أن الحديث في هذا السياق ليس عن وضع سياسات تمييزية عنصرية ضد شعوب آسيوية غير عربية وإنما هو عن إجراءات لضمان الانسجام الاجتماعي والمحافظة على هوية ثقافية، ولن تأتي البلدان الخليجية ببدعة إذا وضعت سياسات كهذه، تنبثق عنها شروط معينة لاستيراد عمالة أجنبية.
فالحكومة في كندا واستراليا مثلاً تشترط على طالب الهجرة إليها والعمل على أرضها إتقان اللغة الوطنية السائدة وهي الانجليزية، بل يمكن القول: إن الحكومات الخليجية نفسها كانت حتى وقت قريب تشترط في الإعلانات الوظيفية الموجهة إلى الأجانب تفضيل من ينتمون إلى جنسيات عربية، إذن فالمطلوب تجديد الحياة لهذا الشرط وتعميمه على كافة المهن، على أن يكون إلزامياً ليس فقط على القطاع الحكومي بل أيضاً على مؤسسات وشركات القطاع الخاص.
ومن المعلوم أن شركات القطاع الخاص تلتف بشتى الحيل حول هذا الشرط من منطلقات ربحية استناداً إلى أن العمالة غير العربية أرخص.
في مقدمة الأسباب التي تؤدي إلى الآثار الثقافية السالبة استخدام عمالة غير عربية، وغير مسلمة في المهن المطلوبة للأسرة الخليجية، كمهن الخدم والسائقين والطباخين. وبالطبع فإن تلاشي هذه الظاهرة يتطلب عقوداً زمنية طويلة، لكن إذا كان لابد للأسرة الخليجية من استخدام مثل هذه العمالة فلتكن عمالة عربية ومسلمة أو عمالة غير عربية تتقن اللغة العربية.
خلل التركيبة السكانية في بلدان الخليج معضلة عظمى لا يمكن التغلب عليها في مدى زمني قصير، حتى لو ابتدعت وطبقت سياسات حازمة، لكن الشرط الأساسي لأي معالجة ينبغي أن ينبثق من حقيقة الانتماء العربي والإسلامي للشعوب الخليجية. عن صحيفة البيان الاماراتية 21/4/2008