كارتر .. ان حكى!! هاني حبيب ربما كانت هي "أهم شهادة اميركية منصفة" للقضية الفلسطينية على الاطلاق، تلك التي جاءت ضمن دفتي كتاب الرئيس الاميركي الاسبق جيمي كارتر بعنوان "فلسطين.. السلام لا الفصل العنصري"، وذلك قبل حوالي عام، حينها تصدت له الادارتان الاميركية والاسرائيلية وهاجمتاه وقامت وكالات العلاقات العامة الخبيرة لديهما في تنظيم حملة واسعة النطاق للرد على ما جاء في الكتاب من حقائق توصل اليها الرئيس الاميركي الاسبق من خلال فترته الرئاسية وانطباعاته المباشرة عن الاوضاع السياسية في المنطقة عموماً والملف الفلسطيني - الاسرائيلي على وجه التحديد، رغم ذلك لم يتردد كارتر في الرد على هذه الحملة، مستفيداً منها لتوضيح وترسيخ وجهات نظره التي جاءت في الكتاب، وقالت صحيفة الاوبزرفر البريطانية ان كارتر رفض الاعتذار او التراجع عن اي شيء ورد في كتابه، مشيراً الى ان قناعته بما كتب يجعله اكثر قدرة على مواجهة الحملات ضده. والأهم انه اصر اكثر من مرة على التركيز على عنوان كتابه فيما يختص بالفصل العنصري في فلسطين، وقال للاوبزرفر في ذلك الحين انه كان واعياً بأن استعمال كلمة ابارتهايد (الفصل العنصري) في كتابه سيثير جدلاً، لكن هذه الكلمة هي الاكثر ملاءمة والأكثر دقة لوصف ما يقع في فلسطين، فعندما يعيش شخصان على ارض واحدة، يتم الفصل بينهما قسراً ويسيطر احدهما على الآخر.. هذا ما يقع الآن في فلسطين وليس هناك من وصف له سوى الفصل العنصري. كارتر يخضع بعد قرابة عام من صدور كتابه هذا، الى حملة جديدة ومن الدوائر ذاتها في الادارتين الاميركية والاسرائيلية، هذه المرة بسبب اصراره على الاجتماع برئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل في دمشق خلال زيارته الحالية للمنطقة، ونعتقد ان هذه الحملة المستمرة والواسعة، لم تكن تنطلق بسبب اللقاء المشار اليه، بقدر ما هي استمرار للحملة المسعورة ضد كارتر، وكتابه بالتحديد. وتلقفت الادارتان في الولاياتالمتحدة واسرائيل مسألة اللقاء بين كارتر ومشعل لتجديد الحملة عليه، التي اعتبرها البعض انها كانت الاخطر والأهم في دحض آراء ومواقف مختلف وسائل الاعلام الاميركية عن القضية الفلسطينية، وكان يمكن لاخبار اللقاء بين كارتر ومشعل ان تنال شيئاً من ردود الفعل، لكن المبالغة في هذه الردود يعكس ميلاً واضحاً الى الثأر والانتقام من كارتر وما كتبه بالدرجة الاولى. رد الفعل الاسرائيلي، كان ثأرياً وانتقادياً بامتياز، اذ امتنعت وكالات المخابرات لديها عن تقديم الدعم والمساندة والتنسيق لفريق حراسات الرئيس الاميركي كارتر اثناء زيارته لها، واثناء تنقله بين بيت الاسير الاسرائيلي شاليت، ومستوطنة سديروت في الجنوب لم يحظ الرئيس كارتر بأي اهتمام امني من قبل المؤسسات الامنية الاسرائيلية، وهي حادثة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الاميركية الاسرائيلية. الرئيس كارتر التقى الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريس الذي اقتصر حديثه على العتاب والنصح كي يتعظ كارتر من الانتقادات الموجهة له ولافكاره ومواقفه، ولم يتمكن الرئيس كارتر من اللقاء مع اي وزير او مسؤول في حكومة اولمرت، وهي ايضاً حادثة غير مسبوقة، فوق ذلك، امتنعت اسرائيل عن السماح لكارتر وفريقه المرافق بزيارة قطاع غزة، رغم الحاح شديد من قبله، ذلك لا يشير فقط الى امتعاض اسرائيل من لقاء كارتر بمشعل، بل ثأر معلن لما كتبه قبل عام عن الفصل العنصري في فلسطينالمحتلة، اذ ان الدولة العبرية لم تتخذ أي موقف من الزعماء والقادة الذين التقوا مشعل خاصة اثر فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية. كارتر لا يعتبر نفسه وسيطاً او محاوراً، انما مجرد محاولة لاجراء اتصالات بين اطراف لا تقيم حواراً فيما بينها، وهو على مقربة شديدة من مختلف الاطراف في الساحة الفلسطينية خصوصاً، فقد اشرف مع فريقه على الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية، وهنأ حركة حماس على فوزها في انتخابات نزيهة، وقال فيما بعد انه اعتقد ان انتصار حركة حماس في هذه الانتخابات سيشجعها على تشكيل حكومة وحدة وطنية او ائتلاف وزاري وتسهيل مهمة ابو مازن في سعية للتوصل الى حل دائم وشامل مع اسرائيل، هذا لم يحدث لكن كارتر يعلم كما يعلم بعض القادة في اسرائيل من ان اية تسوية مع الجانب الفلسطيني، لن تتكلل بالنجاح دون موافقة حركة حماس وهذا يتطلب في البداية الحديث معها، وربما انطلق كارتر من هذه الفكرة عندما عزم على تنظيم لقاء مع خالد مشعل. يراهن الرئيس كارتر - على ما نعتقد على ان الحملة المسعورة ضد هذا اللقاء ستسهل له الطلب من مشعل اطلاق سراح الاسير الاسرائيلي شاليت، وفي حال نجاحه فان ذلك ضربة قاسمة للحملات المتواصلة ضده، والايمان اكثر بما سبق وكتب، وسيضع قادة اسرائيل خاصة حكومة اولمرت في الزاوية، الا ان فشله في هذه المهمة، سيشجع الحملات كي تتواصل ضده، من هنا فان المطلوب من حركة حماس وخالد مشعل تحديداً انجاح مسعى الرئيس كارتر اذا اريد لكلمات كارتر ان تصل الى اعماق كل اميركي واسرائيلي فيما يخص القضية الفلسطينية. اكثر من ذلك، فان كارتر يرسم خارطة طريق جديدة للمنطقة تأخذ بها القيادة الجديدة في البيت الابيض في حال فوز الحزب الديمقراطي بالرئاسة، تتسم بالحديث مع كل الاطراف بدون هواجس او ممنوعات او حساسيات، ولكارتر تجربة فريدة في هذا الصدد، عندما كانت الولاياتالمتحدة تصنف الحركة الماوية في نيبال كحركة ارهابية، لكن كارتر تحدث معها، وها هي اليوم تخوض انتخابات تشريعية، ربما يتم بمقتضاها تحويل البلاد من ملكية الى جمهورية اي ان مساعي الرئيس الاميركي الاسبق، اسهمت في وقف نزيف الدم في النيبال، وادخلت "الحركة الارهابية" في معمعان العمل السياسي بحيث باتت شريكة مهمة، ان لم تكن الاهم في صياغة سياسة بلادها الداخلية والخارجية. وبالتأكيد، فان اوضاعنا اكثر تعقيداً ربما مما هو الامر عليه في نيبال، كارتر ربما لا يرى اي فرق، سوى بمستوى الجهد، لذلك فهو يسعى ان يغير شيئاً، سوى محبة الحاقدين عليه في ادارة بوش وادارة اولمرت!!. عن صحيفة الايام الفلسطينية 16/4/2008