الحكومة والنقابة: مشادّة على حقوق أم صراع على الشرعية؟ د. عبد المجيد سويلم "المعركة" التي تدور رحاها بين الحكومة والنقابة ليست معركة حقوق لأسباب كثيرة لعل اهمها هو ان الاموال حسب رئيس الوزراء ليست متوفرة لتلبية هذه الحقوق وليست النقابة من جماعة "عنزة ولو طارت" حتى تدخل معركة كسر عظم على حقوق لا يمكن تلبيتها. وليس هناك ما يبرر هذا التصعيد المتبادل الا سبب واحد وهو شعور النقابة بأن الحكومة لا تريد ان تعترف بشرعية نهائية بها وشعور الحكومة بأن النقابة تريد ان تثبت هذه الشرعية حتى تتحول الى سلطة "خامسة" في البلاد قد تقف عائقاً أمام برامج الحكومة في "تجديد" الكادر الوظيفي للسلطة وفي اعادة هيكلة السلطة برمتها على مدى عدة سنوات قادمة وربما على مدى زمني اقل من ذلك إن توفر لها ذلك. ومن وراء هذا المظهر العام "للمعركة" القائمة اليوم بين النقابة والحكومة توجد معارك اكثر اهمية وأكثر عمقاً من معركة الشرعية. انها معركة الحكومة على البرنامج ومعركة الفصائل مع الحكومة على هذا البرنامج ومعركة المجلس التشريعي حول دوره وحول كونه مرجعية وحول رؤساء الكتل في المجلس ومدى تأثير هذا الدور وحول دور منظمة التحرير ازاء ذلك ومدى صلاحيتها في التدخل المباشر بما يتصل بنهج هذه الحكومة وبأدواتها والوسائل التي من خلالها تمارس دورها. "معركة" النقابة مع الحكومة ليست سوى الغطاء الشرعي لأزمة النظام السياسي في البلاد وهي احد المعايير وأحد اكبر المؤشرات على أزمة القرار في فلسطين، أزمة من يتخذ القرار وكيف يتخذ القرار ومتى يتخذ القرار وإلى اين سيؤدي القرار. انها أزمة المرجعية وأزمة الأدوار وأزمة الصلاحيات وأزمة التداخل بين السلطات. النقابة ليست لديها شروط تعجيزية وليس لدى الحكومة ما تخسره لو شاورت واستشارت وليس لدى النقابة اي تمترس على مواقف بعينها وليس هناك ما يعيب الحكومة لو انها تروت او تدارست وبحثت قبل ان تحسم أمرها لهذا الاتجاه او ذاك. النقابة تدرك ان الحكومة "معذورة" ولكنها لا تتفهم لماذا لا يتم الجلوس معها والحوار معها و"الاتفاق" على كل ما هو ممكن ومريح لكافة الاطراف خصوصا ان مطالبها (النقابة) ليست متطيرة وليست تعجيزية ولا يوجد من الناحية العملية والواقعية ما يمنع الاتفاق على الدفعات والتواريخ واللجان التي تدرس جداول غلاء المعيشة وتقديم الاقتراحات التي من شأنها إنصاف الموظف على مدى زمني ممكن وواقعي ووفق شروط مالية مريحة للحكومة، ما الذي يمنع اعادة النظر في قضية المواصلات واعادة تصويب الاوضاع وفق المنطق السليم ووفق الامكانيات المتاحة ووفق المصلحة العليا والعامة للحكومة والنقابة والبلاد؟! لو خلصت النوايا (نوايا الحكومة ونوايا النقابة) ما الذي يمنع النقابة من طرح مطالبها للتفاوض تحت طائلة المسؤولية وليس تحت طائلة الإضراب وما الذي يمنع النقابة من استشارة القوى السياسية والرئاسة والمجلس التشريعي والكتل النيابية قبل الشروع بالإضراب؟ ما الذي يمنع الحكومة من الاعتراف بشرعية النقابة؟ ولماذا يجب خوض معارك القضاء قبل استنفاد معارك الجلوس الى الطاولة والحوار المباشر والمكاشفة العلنية بحضور ومشاركة كافة الاطراف المعنية؟! الحكومة ترى في النقابة أداة سياسية في يد حركة فتح وترى في مطالب النقابة الاسم الحركي لمعركة بقاء هذه الحكومة وبهذا النهج وبهذا البرنامج. والنقابة ترى في الحكومة أداة البنك الدولي والمؤسسات الغربية في "ترويض" المجتمع وفي "التكيف" مع شروط المجتمع الدولي دون المرور بحلقة القوى السياسية وحلقة المجلس التشريعي ودون الاحتكام الى حاجات المجتمع السياسية والاجتماعية والاقتصادية. معركة النقابة مع الحكومة هي معركة رجوع فتح ورجوع الفصائل الى ممارسة ما يمكن ممارسته من "ضبط" سياسي للحكومة ومعركة فتح ومعركة الفصائل في "ضبط" الاتفاق حسب التوجه السياسي لهذه الفصائل وليس حسب برنامج ونهج الحكومة. فتح والفصائل والمجلس التشريعي وجدوا انفسهم خارج سلطة القرار وخارج دائرة المشاركة المباشرة في الحكم والحكومة ترى ان العودة الى عالم الفصائل وكوتات الفصائل وبرامج الفصائل ومحاصصات الفصائل تعطيل للحكم. الفصائل لا تحكم ولا تتحكم والمجلس موجود ومعطل ورؤساء الكتل لا تتم استشارتهم الا في المناسبات والرئاسة ليست بوارد الصدام مع الحكومة وليست بوارد التخلي عن دور القوى ولا حتى عن دور المجلس ورؤساء الكتل وهي تؤيد علناً نهج الحكومة وبرنامجها ولكنها تخشى من ردة فعل "فتح" ومن ردة فعل الفصائل ومن تهميش الأطر والمؤسسات المؤثرة والفاعلة في البلاد. القضاء لن يحل المشكلة لأن النقابة بدورها تستطيع اللجوء الى القضاء، ولديها ما تقوله بهذا الشأن، ورؤساء الكتل النيابية والمجلس التشريعي يستطيعون المساعدة في ايجاد الحل واللجنة المركزية لحركة فتح تستطيع التدخل بثقل اكبر ولكن الرئاسة هي الجهة الوحيدة التي تستطيع اعادة الامور الى نصابها وفق منطق سلامة الحكم ووفق منطق سلاسة الحكم ووفق منطق توازن المصالح وتوازن الادوار. وعلى الحكومة ان تعترف بالنقابة وأن تكف عن اعتبار النقابة جسماً ثقيلاً على مؤسسة الحكم لأن المنطق الديمقراطي يقتضي وجود النقابة وتعزيز دورها وشرعيتها وعلى النقابة ان تكف عن اعتبار سلاح الإضراب سيفاً مسلطاً على مؤسسة الحكم حتى ولو كان هذا "السلاح" حقاً يكفله القانون الاساسي وتكفله الشرعيات الدستورية لأن الإضراب في الجوهر هو آخر الخيارات بدليل انه لا توجد بعده أية خيارات عقلانية. والحل المنتظر من مؤسسة الرئاسة حل بسيط ولكنه ضروري وهو ممكن ويحفظ لكل طرف حقوقه وصلاحياته وحدود دوره. شرعية النقابة ليست للمقايضة بأية حقوق وبأية مطالب ومعركة الفصائل مع الحكومة وخصوصاً حركة فتح او بعض حركة فتح ليس ميدانها ولا أدواتها النقابة العامة للموظفين واذا كان لدى الفصائل ولدى "فتح" وحتى لدى رؤساء الكتل من معركة "ما" مع هذه الحكومة، فلماذا لا تخوضها وفق اصول اللعبة السياسية بل ووفق اصول اللعبة الديمقراطية؟ وماذا يضير البلاد ان تكون حركة فتح في معارضة الحكومة او ان تكون الفصائل كلها في معارضة الحكومة؟ او حتى ان تكون الحكومة في موقع الاعتراض او المعارضة لنهج الفصائل ورؤيتها وحتى التحفظ على مشاركتها او تحكمها في قرار الحكومة او في سوية الحكم كما تراها؟ لا ضير في كل ذلك ولا عيب في أن تكون الامور على هذه الشاكلة او على اية شاكلة اخرى طالما ان الادوات شرعية والصراع مشروع وطالما ان النقابة هي نقابة للبلد والحكومة هي حكومة البلد والموظفون هم ابناء البلد والرئاسة هي رئاسة البلد. لماذا لا يتم وضع الامور في نصابها ولماذا لا توضع العجلات على السكة التي يمكن ان تسير عليها؟ لماذا المواربة ولماذا اللجوء الى الساحات الجانبية للصراع؟ مطالب النقابة ليست مستحيلة ومطالب الحكومة يمكن الاتفاق على ضوابطها وليخض كل من يرغب في خوض معاركه كل باسمه وعنوانه وحينها تتحول المعارك من حالة سلبية الى صراع ايجابي ليس فيه ما يعيبنا او يقلل من شأننا بل ويمكن ان يقوينا ايضاً. عن صحيفة الايام الفلسطينية 10/4/2008