بدأوا يتقنون اللعبة جهاد الخازن سجلت دائماً وجود حلقة مفقودة بين المثقفين والمفكرين والخبراء العرب وبين صانعي القرار، غير أنني لاحظت أخيراً أن منظمي المؤتمرات العرب بدأوا يتقنون اللعبة، فهم يدعون المسؤولين أصحاب العلاقة الى مؤتمراتهم، ويسمع هؤلاء أفكاراً جديدة مفيدة، ويعودون ببعض الدراسات التي توضع موضع التنفيذ كلها، أو جزء منها. وفي حين أن جهد إصلاح التعليم وزيادة القراءة، والترجمة الى العربية ومنها، جهد سنوات وأجيال، فإنني أستطيع أن أقول إننا نخطو في الاتجاه الصحيح على أساس ما تابعت في الشهرين الماضيين. آخر مؤتمر من هذا النوع شاركت فيه كان المنتدى الخامس للتربية والتعليم، وشعاره «التعليم في الوطن العربي والعولمة»، وقد نظمته مؤسسة الفكر العربي واستضافته المملكة المغربية في مركز محمد السادس الدولي للمؤتمرات في الصخيرات الأسبوع الماضي. حضرت مؤتمرات كثيرة عن التعليم والترجمة في السنتين الأخيرتين، غير أن مؤتمر الصخيرات تميز بحضور أصحاب العلاقة، فقد كان هناك وزراء تربية وتعليم من بلدان عربية عدة مثل البلد المضيف، وتونس ولبنان والكويت والبحرين، ورؤساء منظمات عربية وإسلامية ودولية تعنى بهذه القضايا، وشارك في المؤتمر المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (ايسيسكو) ومكتب اليونسكو الإقليمي للتربية في الدول العربية، ومكتب التربية العربي لدول الخليج، والمنتدى العربي للتربية والتعليم والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو). باختصار، على مدى ثلاثة أيام تحدث 25 مشاركاً، بينهم مسؤولون معنيون مباشرة بمواضيع البحث، كما كانت هناك 12 حلقة نقاش لمتخصصين ستقدم تقارير عن نتائجها الى صنّاع القرار. كانت الضيافة المغربية كريمة والوزير الأول عباس الفاسي افتتح المؤتمر بكلمة راقية، فيما ركز الأمير خالد الفيصل، رئيس مؤسسة الفكر العربي على اتفاق حماية تنوع أشكال التعبير الثقافي، وكان رأيه أن على العرب التعامل مع العولمة كأمر واقع وأخذ نصيبهم منها بدل البقاء على الهامش. هذا أيضاً رأيي المكتوب والمتلفز، غير أننا في مؤسسة ديموقراطية جداً، لذلك فالدكتور محمد العثيمين هجا العولمة في قصيدة ظريفة بقدر ما هي لاذعة أذكر من قوافيها المجرمة والمشأمة والملأمة. أستطيع أن أقول بثقة إن هناك وعياً للمشاكل، وإن الحلول التي اقترحت معقولة، وقد سمعها من يحتاج إليها، وأرجو أن نرى نتائج عملية للجهد النظري في جلسات الحوار. كنت وصلت الى المغرب من الكويت حيث فاتتني رؤية الدكتورة نورية الصبيح، وزيرة التربية والتعليم، إلا أنني وجدتها معنا في الصخيرات، وهي ذكية قوية الحجة كما يعرف أعضاء البرلمان الكويتي الذين واجهوها وواجهتهم. أيضاً وجدت معنا الدكتور ماجد بن علي النعيمي، وزير التربية والتعليم في البحرين الذي لم يكن موجوداً في المنامة عندما زرتها. كنت حضرت في الكويت مؤتمراً لمؤسسة البابطين شعاره «دور الإعلام في حوار العرب والغرب». والأخ عبدالعزيز البابطين عضو في مجلس أمناء مؤسسة الفكر العربي أيضاً، ويعرف كيف يوصل الرسالة الى أصحابها، فقد كان بين المشاركين صحافيون عرب وأوروبيون من المهتمين بالحوار بين الإسلام والغرب ويكتبون عنه بانتظام. ولاحظت أن سعود عبدالعزيز البابطين وأخاه عبدالرحمن يشاركان في المؤتمر ونصحتهما بأن يتبعا أباهما في «البزنس» وأن يتركا له الاهتمامات الأدبية والثقافية، خصوصاً الشعر لأنه طريق الفقر. وسرني أن أخانا عبدالعزيز البابطين تصدّى لمشكلة في مثل جهده هي الاستمرار، فالعادة أن تنتهي المؤسسة في البلد العربي مع غياب مؤسسها، أو تقاعده، ويبدو أن الأخ عبدالعزيز أدرك ذلك ووجد له حلاً ناجعاً، فهو قرر أنه يستطيع أن يضمن استمرار مؤسسته الرائدة مع أبنائه، إلا أنه لا يضمن اهتمام أبناء الأبناء بها، لذلك فقد جعل لمؤسسة البابطين وقفاً هو مبنى من 41 طابقاً في أحد أرقى أحياء العاصمة الكويت، ينفق دخله على المشاريع العزيزة على قلب المؤسس مثل المكتبة وجائزة الشعر وتعليم الطلاب. سأكمل بمؤتمرين كبيرين في قطر ودبي هذا الشهر أصبحا من معالم المفكرة السنوية للمؤتمرات العربية، ولكن قبل أن يشفق القارئ عليّ أقول له إن المؤتمرات ليست كلها فكراً، ففي الكويت كانت هناك حفلة عشاء ضمت فرقة العميري الشعبية للفنون البحرية، وفي المغرب استضاف المشاركين الصديق محمد القبّاج، والي جهة الدارالبيضاء الكبرى، على عشاء تخللته موسيقى وغناء مغربي تقليدي، كما كانت هناك حفلة أندلسية في مركز المؤتمرات في الصخيرات استضافها الصديق عبدالمقصود خوجة الذي يترك للاهتمامات الفنية ركناً وسط اهتماماته الثقافية المعروفة. عن صحيفة الحياة 8/4/2008