قضية حزب العدالة في تركيا خالد السرجاني يبدو أن النخبة السياسية التركية تريد أن تعيش بلادها في الدائرة المفرغة من عدم الاستقرار السياسي الذي ظلت تعاني منه فترة تقترب من السنوات العشر، والدليل على ذلك التطورات الأخيرة التي تنذر بحظر حزب العدالة والتنمية بناءً على الطلب الذي تقدم به المدعي العام التركي إلى المحكمة الدستورية من أجل حظر حزب العدالة والتنمية الحاكم من ممارسة العمل السياسي، متهماً إياه بالقيام بنشاطات تناقض مبدأ علمانية الدولة التركية.
وقال المدعي العام إنه مقتنع بأن ثمة دلائل كافية تثبت أن الحزب الذي يتزعمه رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان قد انتهك بممارساته دستور تركيا العلماني. وأضاف ان الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لرفع الحظر عن الحجاب في الجامعات التركية تناقض علمانية الدولة.
وفى نفس الوقت تقوم المحكمة الدستورية التركية في الوقت الراهن بدراسة طلب استئناف تقدم به أحد الأحزاب العلمانية الرئيسية يطعن فيه بقانونية التعديلات التي أدخلها البرلمان التركي على الدستور في شهر فبراير الماضي فيما يخص السماح للطالبات بارتداء الحجاب الإسلامي في الحرم الجامعي.
وبالطبع لا يستطيع أحد أن يتكهن بموقف المحكمة الدستورية فيما يتعلق بحظر حزب العدالة والتنمية، ولكن لابد من النظر لهذا الموضوع من زاوية سياسية بعيداً عن الجدل القانوني المثار حالياً حول نفس الموضوع، وهذه النظرة السياسية لابد وان تنطلق من نقطة جوهرية وهى، ما هي النتائج السياسية التي ستترتب على التحركات الرامية لحظر حزب العدالة والتنمية؟
فهذه التحركات يمكن أن تخلص النخبة العلمانية من الحزب الذي يؤرق مضاجعها لكن التأثيرات السلبية على تركيا ومحيطها الإقليمي وتحركاتها الدولية ستجب هذه النقطة الإيجابية بما يجعل السلبيات أكثر من الإيجابيات وبما يمكن أن يعيد تركيا سنوات إلى الوراء أي إلى الفترة التي شهدت فيها أزمة سياسية مستعصية لم تنته إلا بعد وصول حزب العدالة والتنمية وهو ما يعني أن حظر الحزب قد يعيد تركيا مرة أخرى إلى أجواء نفس الأزمة.
والحاصل أن ما يحدث في تركيا يؤكد أنها عادت مرة أخرى إلى أجواء الاستقطاب الثقافي الذي كان واحداً من سماتها السياسية في تسعينات القرن الماضي وإذا ما عطفنا عليه الصراع الإثني المتمثل في الحرب الحالية التي تخوضها ضد حزب العمال الكردستاني نستطيع أن نرجح أن التوتر يمكن أن يعود إلى الساحة السياسية التركية مرة أخرى وهو ما كان يتطلب من النخبة التركية البحث عن التهدئة وليس زيادة معدلات التوتر كما هو حاصل الآن.
وعلى الرغم من عدم ديمقراطية ولا واقعية مطلب حظر حزب العدالة، فإننا لا نستطيع أن نعفي حزب العدالة والتنمية نفسه من مسؤولية ما يحدث له حالياً، فالحزب لجأ إلى سياسة الهيمنة والاستئثار، حيث انه استند إلى الشعبية التي يتمتع بها في الوقت الراهن من أجل الهيمنة على مجمل المؤسسات السياسية التركية ولم يترك متنفذاً لأي قوة سياسية أخرى، ولم يعد أمام النخبة العلمانية سوى السلطة القضائية التي لجأت إليها ليس من أجل إعادة التوازن مرة أخرى إلى السياسة التركية ولكن من أجل إخراج التيار الإسلامي الأصولي ممثلاً في حزب العدالة والتنمية منها تماماً.
وبالطبع علينا أن ندرك أن حزب العدالة والتنمية لا يدخل هذه المعركة وهو مجرد من الأسلحة المطلوبة لخوضها فلديه دعم كبير من الرأي العام التركي ولديه أيضاً الموقف الدولي الداعم له الذي يمكن أن نضعه في خانتين الأولى هي القوى التي تريد أن تجعل منه نموذجاً على الدول الإسلامية الأخرى أن تحتذي به وهنا تقف الولاياتالمتحدة بسياستها المعلنة أكثر من مرة وعلى ألسنة مسؤولين كبار، وهناك الخطوات التي قطعتها تركيا على طريق الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والتي يمكن أن تجهض تماماً على خلفية حظر الحزب، لأن الاتحاد الأوروبي سيعتبر ذلك عودة إلى الممارسات الاستبدادية وخروج عن الممارسات الديمقراطية.
ولا نستطيع أن نتجاهل عدالة المحكمة الدستورية التي سبق وان لجأت إليها النخبة العلمانية أكثر من مرة في مواجهة حزب العدالة والتنمية لكن قراراتها كانت في صالح الحزب.
ومن السهل جداً التكهن بأن ما تشهده تركيا حالياً ليس في صالح تجربتها الديمقراطية حتى وان كانت ممارسات القوى التي تتصارع تخرج عن القواعد الديمقراطية، ومن السهل جداً التكهن بأن تركيا سوف تشهد أجواء أزمة سواء في حالة الموافقة على حظر الحزب أم في حال رفض الطلب المقدم من المدعي العام، ففي حال الموافقة على الحظر سوف تدخل تركيا في أزمة سياسية بسبب وجود فراغ لن تستطيع أي قوة سياسية أخرى أن تسده، وهو الأمر الذي قد يفتح الباب للعنف السياسي من قبل الكوادر الغاضبة داخل التيار الإسلامي بعد خروجهم تماماً من العملية السياسية.
أما في رفض الطلب المقدم من المدعى العام التركي فسيعطي المزيد من الشرعية لحزب العدالة والتنمية، الأمر الذي قد يفتح الباب أمامه لكي يمارس المزيد من الهيمنة والاستقواء، وهو ما يعني المزيد من الخلل في التوازن السياسي التركي.
الصراع بين الجانبين العلماني الإسلامي في تركيا يدخله كل من الطرفين باعتباره مباراة صفرية لابد من أن يربح كل طرف كل جائزة الصراع، وهو الأمر الذي يعني أن كلاً من الطرفين يتجاهل أن في مباراة غير صفرية يستطيع أن يحقق فيها مكاسب ولكن بشرط أن يقدم تنازلات للطرف الآخر. والصراع الذي تشهده تركيا حالياً وفقاً لمعطيات الواقع المعقدة والمركبة تعني أن كلاً من الطرفين سوف يخرج منه خاسراً إذا تعامل بمنطق المباراة الصفرية، وفى المحصلة النهائية فإن تركيا سوف تكون هي الخاسر الأكبر في هذا الصراع. عن صحيفة البيان الاماراتية 1/4/2008