معضلة النظام العربي محمد صلاح سواء حظيت القمة العربية التي ستلتئم في العاصمة السورية السبت والأحد المقبلين بتمثيل عالي المستوى من جانب الزعماء العرب أو لا, فإن الحقيقة الدامغة التي كشفت عنها الاتصالات واللقاءات العربية قبل القمة أن النظام العربي كله بات في خطر كبير, سواء حضر زعماء الدول التي تحفظت عن السلوك السوري في الأزمة اللبنانية أو غابوا واكتفوا بإرسال ممثلين عنهم, فإن ما سيجري في القمة من نقاش سيعكس كيف سيدير العرب أمورهم خلال سنة كاملة ستقود خلالها سورية النظام العربي كله حتى موعد القمة التالية. لم يكن الإعلان الرسمي المصري عن غياب الرئيس حسني مبارك عن القمة خبراً جديداً، بل إن مفاجأة القمة التي لن تحدث هي حضور مبارك بعد ذلك الزخم من الخلافات العلنية والمستترة بين القاهرة ودمشق في شأن الأزمة اللبنانية. وكل التوقعات تشير إلى أن الوفد المصري سيترأسه وزير الخارجية أحمد أبو الغيط, أما مبارك الذي طار أمس إلى العاصمة الروسية حاملاً ملفات مهمة تتعلق بالعلاقات المصرية - الروسية خصوصاً الملف النووي المصري، فإنه لم يخفِ طوال الأسابيع الماضية مخاوفه من فشل القمة إذا لم تسبقها حلحلة للأزمة اللبنانية. عموماً لم يعد من الوقت مجال للرسائل غير المباشرة بين عواصم عربية عدة ظلت تتبع ذلك الأسلوب تفادياً لصدامات سياسية علنية, وبات على الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى أن يبذل جهداً مضاعفاً للحفاظ على الحد الأدنى من الاتفاق العربي حول قضايا أخرى مهمة بينها بالطبع القضية الفلسطينية والعراق والأوضاع في السودان والصومال والسوق العربية المشتركة والأمن القومي العربي وغيرها من الملفات المعروضة على القمة. لكن يبدو أن جهود موسى لجمع الفرقاء اللبنانيين وحل الأزمة هناك ستتطور بعد القمة الى حل تناقضات عربية جديدة لم تنفجر بين فريقين داخل دولة واحدة كلاهما يتهم الآخر باستقواء بقوى خارجية (دولة أو أكثر) وإنما تناقضات بين دول عربية تكون في مجملها نظاماً عربياً بدا السرطان وكأنه يزحف إلى جسده المترهل، فزادته ضعفاً ووهناً وتصدعاً. ومهما كان مستوى التمثيل في القمة فإن الموضوع اللبناني، الذي ظل ضاغطاً على النقاش والاتصالات والتحركات التي سبقت وستستمر أثناءها طالما أن المقعد الرئاسي في لبنان مازال خالياً، ينبئ بأن حال الاستقطاب العربي بعد القمة سيظل على حاله وسيتحول المقعد الخالي وقضيتا الحكومة والانتخابات إلى عناصر ضاغطة أخرى تضاف إلى المعضلات العربية التي ستنفجر بحسب مستوى التمثيل في القمة والمبررات التي يطرحها كل زعيم لغيابه, وكذلك ما ستناله هذه الدولة أو تلك من اتهامات بالتقاعس أو التخاذل كرد فعل من جانب السوريين. وتبدو الصورة قبل القمة وكأن كل طرف استعد بالفعل للمرحلة التي ستعقب القمة، لكن المشاكل العربية لم تتوقف حتى منذ تأسيس الجامعة العربية ذاتها, كما أن العرب يجيدون دائماً الوصول إلى حلول توافقية وصياغات عمومية يرضون بها, وعلى ذلك فإن النظام العربي الذي قد يواجه أزمة قد تستمر نحو سنة كاملة يملك من الخبرات السابقة ما يعينه على تخطي هذه الأزمة ولو بعد سنة. لكن تحدياًَ آخر قد يسهم في تعقيد المعضلة العربية أو إطلاق رصاصة الرحمة عليها, فقبل أن تنتهي السنة سيكون القرار الدولي الخاص بالمحكمة الدولية قد صار واقعاً وبحسب لائحة الاتهام فيها سيعرف العرب إلى أي منقلب سينقلبون. عن صحيفة الحياة 25/3/2008