سوريا وكوريا والرابط اليهودي سعد محيو سوريا عطست فأصيبت كوريا (الشمالية) بالزكام، أجل، وبالزكام الشديد أيضاً. فبعد أن بدا لوهلة أن “الاتفاق العظيم" بين واشنطن وبيونغ يانغ حول إنهاء البرنامج النووي الكوري مقابل وضع حد للبرنامج الأمريكي لإنهاء النظام الكوري، كان على قاب قوسين أو أدنى، توقف فجأة كل شيء وعاد إلى نقطة التجمد. لماذا؟ لأن الأمريكيين صدقوا رواية “الإسرائيليين" أن دمشق كانت تبني مفاعلاً نووياً عسكرياً صغيراً بمساعدة سرية من كوريا الشمالية، وأن الغارة الجوية “الإسرائيلية" على سوريا في 6 أيلول/سبتمبر الماضي أدت إلى وقف أو تأجيل هذا المشروع. الكوريون أكدوا وكرروا التأكيد لواشنطن أنهم لم ولن يساهموا في انتشار الأسلحة النووية لا في الشرق الأوسط ولا في غيره. غير أن هذه الأخيرة لم تقتنع وواصلت قصف بيونغ يانغ بالطلبات ل “تقديم تفسيرات مقنعة" حول ما حدث. وهكذا، أدلى مدير الاستخبارات القومية مايك ماكونيل بشهادة في 7 شباط/فبراير أمام مجلس النواب الأمريكي قال فيها: “في حين أن بيونغ يانغ تنفي أن لديها برنامجاً لتخصيب اليورانيوم أو أنها تقوم بنشاطات لنشر الأسلحة النووية، إلا أننا نعرف أنها تقوم بالعمليتين معاً". كما نسب الكاتب الأمريكي ديفيد أغناتيوس إلى مسؤول استخباري أمريكي كبير تأكيده وجود رابط سوري في الأزمة الأمريكية المتجددة مع كوريا. واشنطن، إذاً، حانقة للغاية. لكن، هل حنقها في محله؟ فلنفرض، مثلاً، أنه كان هناك حقاً مشروع سوري- كوري لبناء مفاعل نووي صغير، فهل يجب أن يعني ذلك بالضرورة أن هذا البرنامج عسكري؟ كلا، البتة. وواشنطن وتل أبيب تعترفان بأن بيونغ يانغ كانت تزود دمشق بالمعلومات التقنية لا بالمواد الانشطارية النووية. وهذه المعلومات، بالمناسبة، أو قسم كبير منها، موجود بكثافة على الإنترنت. فلنفرض أكثر أن سوريا تهدف حقاً إلى امتلاك المعرفة النووية، فما الضرر من ذلك فيما عدوها القابع على بعد خطوات منها يمتلك 140 قنبلة ذرية قادرة على تدميرها بلداً 140 مرة خلال 20 دقيقة؟ بالنسبة لواشنطن، التسلح السوري خبيث ويكرس انتشار الأسلحة النووية في العالم، فيما التسلح “الإسرائيلي" حميد ويعلي من شأن السلام كون “إسرائيل" ديمقراطية. وهذا بالطبع منطق زائف. فأي مقارنة بين الحروب التي تسببت بها كل من “إسرائيل" وسوريا خلال السنوات الستين الماضية، تكشف سريعاً عن أن الأولى كانت (ولا تزال) وراء 99 في المائة من المجابهات الساخنة في الشرق الأوسط. لا بل أكثر: الأوراق السرية التي ظهرت بعد حرب تشرين/أكتوبر 1973 تكشف عن أن الدولة العبرية كانت تستعد لاستخدام أسلحتها النووية لو أن دفاعاتها العسكرية التقليدية واصلت الانهيار. واشنطن تصاب بعمى الألوان حين تعرض عليها كل هذه الحقائق. والسبب معروف: ليس هناك سياسة خارجية أمريكية مستقلة في الشرق الاوسط (عدا تلك الخاصة بانفراد أمريكا بالسيطرة على النفط). هناك فقط سياسة أمريكية بقلنسوة “إسرائيلية" بإشراف مشترك من يهود الدولة العبرية والرأسمالية اليهودية العالمية. كوريا الشمالية لم تدرك ذلك وظنت أن مشاكلها مع الولاياتالمتحدة يمكن أن تحل داخل منطقة شمال شرق آسيا في إطار اللجنة السداسية الدولية. لكنها، وبعد حادث ما يفترض أنه موقع نووي سوري، ستعي بأنها يجب أن تضع “إسرائيل" في كل معادلاتها الاستراتيجية والإقليمية والدولية. ... ويقولون بعد ذلك إن “إسرائيل" مجرد قوة محلية، تحتل أرضاً محلية في فلسطين! عن صحيفة الخليج الاماراتية 25/3/2008