الدين والسياسة احمد عمرابي انتشار الاستيطان اليهودي على الأرض الفلسطينية ليس مجرد احتلال جغرافي ناتج عن انتصار في حرب تقليدية، إنه كما قال الزعيم الإسرائيلي مناحيم بيغن ذات مرة «تحرير» لأرض يهودية وفقاً للتوراة.
هذه هي العقيدة اليهودية الصهيونية الثابتة التي إذا أخذناها في الاعتبار فإننا ندرك مغزى العملية الاستشهادية التي استهدف من خلالها الشاب الفدائي الفلسطيني هشام أبو دهيم معهداً دينيا يهودياً في القدسالغربية. فهذا المعهد هو المعقل الايديولوجي الديني الأعظم الذي تتخرج منه أجيال تلو أجيال من الشباب اليهودي المتطرفين وقد تشبعوا بروح الاستيطان كعقيدة دينية أزلية، وبينما لا نعرف حتى هذه اللحظة من الجهة التي دبرت هذه العملية الاستشهادية وحددت هدفها فإن من الواضح أن هذه الجهة أيا تكون تدرك عن يقين موضوعي ماذا يعني هذا المعهد للإسرائيليين.
من خلال التحقيقات والمقالات التحليلية المنشورة في الصحافة الإسرائيلية في أعقاب الحادث نعرف أن معهد «هاراف» يعتبر لدى الإسرائيليين «قدس أقداس» وأنه «سفينة المقدمة» للصهيونية الدينية. وتقول إحدى الصحف انه (مهد المشروع الاستيطاني اليهودي) .
لقد أدت العملية الاستشهادية كما نعلم إلى مقتل ثمانية من أعضاء المعهد.. من طلاب وأساتذة. ومن الفوارق أنه بينما اعتبرتهم السلطة الفلسطينية «مدنيين أبرياء» فإن المعلق الإسرائيلي جدعون ليفي قال عنهم في سياق مقاله في صحيفة «هآرتس» إنهم ينتمون إلى أجيال «عتاة المستوطنين» ثم انتهز الكاتب هذه المناسبة ليقول انه ربما ساد السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين لولا المشروع الاستيطاني.
ويمضي الكاتب الإسرائيلي إلى القول إن غالبية القيادات الدينية المتطرفة في إسرائيل تخرجوا من هذا المعهد ليكونوا حاخامات يصدرون فتاوى من قبيل أن من الجائز دينيا للجيش الإسرائيلي قتل مدنيين عرب أبرياء وأنه مسموح للجنود الإسرائيليين رفض تنفيذ أوامر بإخلاء اليهود من المستوطنات.
أليس عجيباً إذن والحال كذلك أنه كلما وقعت عملية استشهادية نهض سياسيون وإعلاميون عرب لإدانتها؟ وأليس الأعجب أن يسعى هؤلاء لتبخيس نهج المقاومة المسلحة والإساءة إليها وخاصة الفصائل التي تتخذ من العقيدة الدينية مرتكزاً ومنطلقاً لعملها.. وعلى الأخص «حماس» و «حزب الله»؟.
إسرائيل لا تريد سلاماً شاملاً مع العرب.. ليس لأنها تحب الحرب من أجل الحرب وإنما لأنها لا تريد انطلاقاً من عقيدة دينية التخلي عن «أرض الميعاد» المقدسة. ولذا فإن من يريدون لنا أن نتجرد من عقيدتنا الدينية في سياق الصراع العربي الإسرائيلي بينما يتحفنا اليهود بعقيدتهم إنما يريدون لنا الهزيمة النهائية في معركة حياة أو موت.
هذا هو معنى ومغزى الدعوة المريبة إلى «فصل الدين عن السياسة».. ومعنى ومغزى كراهية حماس وحزب الله التي تمتد إلى كراهية كافة التنظيمات ذات التوجه الإسلامي. عن صحيفة البيان الاماراتية 13/3/2008