العراق بين امريكا والبصيره ام حمد عبد العزيز حسين الصاوي الاجماع علي فشل السياسة الامريكية في العراق بمن في ذلك المحللون الغربيون، رغم التحسن الامني النسبي، يقابله اجماع علي التوقف عند هذا الحد بمعني عدم التطرق الي نصيب الطرف الاخر من المسؤولية عن هذا الفشل.. الطرف العراقي والعربي، المسلم خاصة. المقصود تحديدا بنصيب الطرف الاخر من المسؤولية تنبئ عنه الاسئلة التالية: الحركات الوطنية سواء كانت قطرية الطابع (السودان ومصر) او قوميته (الشام والعراق) نشأت كتعبير عن وحدة وقوة الكيان الوطني تجاه الاحتلال الاجنبي بريطانيا كان او فرنسيا او تركيا، فلماذا يحدث العكس في العراق؟ والاجابة البديهية هي: توفر القابلية لذلك قبل اقتحام الاحتلال الاجنبي للمعادلة العراقيه. عندها ينشأ سؤال استطرادي: ما هي حدود وطبيعة مسؤولية نظام الحكم السابق بالذات عن تهيأة الكيان المجتمعي العراقي للتذرر طائفيا وعرقيا، كرديا وعربيا وشيعيا وسنيا، تحت وطأة الاحتلال بدلا من العكس؟.. ثم سؤال اخر: بعد وقوع الاحتلال، ما هي حدود وطبيعة مسؤولية الايديولوجيات والقوي التكفيرية في حالة الفوضي غير الخلاقة التي انتهت اليها المقاومة؟ هذا النوع من (المقاومة) الذي ينسب نفسه الي السنة ويساوي ايديولوجيا وتطبيقيا بين الشيعة وجنود الاحتلال نجح في اشعال نار الحرب الاهلية مع جهات تنسب نفسها الي الشيعة لا سيما بعد تفجير مراقدهم في سامراء. هذه الاسئلة مؤشرات علي الاسهام العربي المسلم المباشر في الدمار اليومي للعراق نتيجة تحالف بين جهة تقدم الانتحاريين وممارسي العنف البربري الاعمي نسفا وذبحا هي القاعدة، واخري تقدم الدعم اللوجيستي من خبرات ومعدات جيش ومخابرات عهد صدام هي البعث العراقي، تحالف مسخ المقاومة المشروعة الي حرب مليشيات سنيه شيعية يقتل الجنود الامريكيون علي هامشها. اما مسؤولية العرب والمسلمين عموما عن الدمار فتتصاعد من السكوت علي دور هذا التحالف الي دعمه ايجابيا باضفاء صفة المقاومة عليه من قبل تحالف عالي الصوت بين الاسلاميين والقوميين التقليديين او الاسلامويين والقومويين العرب. تنتاب العرب والمسلمين حالة انكار لاي قدر من المسؤولية الذاتية في تسبيب الخراب العراقي يتخذ شكل ترحيلها الي الشيطان الامريكي بقضها وقضيضها. انه لمن قبيل الاحتقار للشعب العراقي واللاانسانية المطلقة عدم الاعتراف بحقه في التخلص من نظام استبدادي (وطني) تجاوز تقويضه لحياة العراق والعراقيين كل الحدود التي تتسبب فيها هذه النوعية من الانظمة، بكل الوسائل المتاحة. ثلاث حروب وحصار استمر 13 عاما وارض محتلة بالحظر الجوي الكامل في الشمال الكردي والجزئي في الجنوب، هي التركة المثقلة لقيادة صدام للدولة والحزب التي حولته الي نقيض لمرحلته السابقة كمشروع نهوض واستنارة. والمأساة الحقيقية هي ان الاوضاع التي تبعت زوال النظام لا فرق بينها وبين الاوضاع السابقة في نظر اغلبية العراقيين ان لم تكن اسوأ. غير ان الخروج من هذا المأزق لن يتأتي الا بتقدير عقلاني لمصادر الفشل الامريكي وعلاقته بمصادر الفشل العربية والعراقية، الاسلامية خاصة. اذا اخذنا نموذجا واحدا للشق الثاني من هذه المقولة سنجد انفسنا امام السؤال التالي: هل يمكن صياغة وتنفيذ استراتيجية لانهاء الاحتلال وبنائه وطنيا في الان نفسة، يلعب فيها العنصران البعثي العراقي والاصولي الاسلامي دورا رئيسيا كما يحدث الان؟ واقع الامر ان غاية ما يمكن لهذين الطرفين تحقيقه هو القيام بدورالبصيرة ام حمد: تدمير البلد والمجتمع لحل المشكلة، اخراج رأس الثور من الجرة بكسرها. فالبعثيون العراقيون تحت قيادة الدوري ونظراؤهم في الاقطار الاخري لم تصدر عنهم حتي الان كلمة نقد واحدة لعهد حكمهم المطلق والطويل تدل علي استعداد لاعادة النظر في السياسات والقيادات التي جعلت مواجهة الغزو الاجنبي عنصر تصدع للمجتمع العراقي بدلا من عنصر تعميق للوحدة الوطنية. واسألوا في هذا البعثيين السودانيين اذ تصدروا محاولة دفع قيادة صدام باتجاه اعادة النظر في اسلوب الحكم وتسيير الحزب منذ عام 95 فووجهوا بتصلب ما بعده تصلب اختاروا بعده ترك بعث صدام العربي الاشتراكي للذين سمحت لهم عقليتهم بالبقاء فيه. اما الاصوليون الاسلاميون فيكفي ان نستعيد للاذهان ان الاسم الرسمي للقاعدة هو الجبهة العالمية لمحاربة اليهود والصليبيين لندرك ان اهدافها في العراق لا صلة لها بالتحرير الوطني اصلا وانما استخدامه كنقطة انطلاق لحرب حضارات واديان ضد الغرب محققة بذلك نبوءة صامويل هنتنغتون الشهيرة حول صراع الحضارات. التقدير العقلاني والمنتج لمقاومة بناءة وطنيا للاحتلال يشخص المسؤولية، الرئيسية فعلا ولكن ليست الكلية، للادارة الامريكية عن فشل سياساتها في العراق بكونها نابعة من طبيعة دوافعها المرتبطة باستراتيجية السيطرة علي الاحتياطيات النفطية وتأمين الوجود الاسرائيلي. هذة، كما اضحي معروفا، بؤرة افكار كتلة المحافظين الجدد في الادارة الامريكية القائمة اساسا علي اسقاط مجموعة من الانظمة الشرق اوسطية دون تحرج من استخدام القوة والتي تحولت الي سياسات يومية بعد انفرادها بالامر اثر تراجع وزن وزارة الخارجيه. وكما الاصوليات بخاصيتها المميزة في ضيق مجال الرؤية والفعل، دينية كانت اوعلمانية، فان المحافظين الامريكيين الجدد ضربوا عرض الحائط بأي امكانية لتوسيع هذا المجال بداية بتجاهل الاممالمتحدة وحتي نصائح حلفائهم الغربيين مثل توني بلير. وبعد اسقاط النظام شرعوا في تطبيق اعمي للتجربة الغربية بعد هزيمة المانيا في الحرب العالمية الثانية المسماة ب DENAZIFICATION علي العراق دون مراعاة للاختلاف الكبير في تركيبة البلدين من جميع النواحي. وكانت النتيجة ان قانون اجتثاث البعث DEBAATHIFICATION الذي يحاولون تعديله الان أدي الي الغاء اجهزة الدولة المدنية والعسكرية بدلا من تطهيرها فقط مما اوجد فراغا جاذبا للفوضي والتخريب، والادهي من ذلك ادي الي استعداء اغلبية الاوساط السنية بحيث باتت بيئة حاضنة للتطرف الديني والعنف التكفيري الاعمي والي اضعاف العملية الديمقراطية بجعلها مرتعا للانقسامات اللاسياسية المذهبية والقومية. بيد ان التفكير الوطني العقلاني يدرك ايضا ان اليمين الامريكي المحافظ جديدا كان او قديما مهما بلغ من اصوليته وعدائه للاسلام والعروبة، عاجز عن تجاوز حدود معينة في ممارساته الفعلية لانه يتحرك في فضاء ديمقراطي يقيده ليس فقط كقوانين ومؤسسات رسمية وتشريعية وقضائية مستقلة وانما بالاساس كمجتمع مدني حي وضاغط. هذه حقيقة لا ينبغي ان تحجبها عن الانظار ردود الفعل العاطفية تجاه سياسات الولاياتالمتحدة في دعم اسرائيل التي تحركها وتعتاش عليها الاطراف الاسلاموية والقوموية بدلا من ردود الفعل المدروسة والفعاله. والواقع ان فرصة الانفلات الواسع نسبيا التي وجدها المحافظون الجدد في العراق جاءت نتيجة الانفلات الكامل لليمين العربي الاسلامي المحافظ ممثلا في القاعدة حيث تنعدم لدينا الديمقراطية كضوابط ومناخ عام. فالمعروف ان رئاسة جورج بوش كانت عند انتخابها عام2001 تعاني من انشقاق داخلي بين وزارة الدفاع ووزارة الخارجية حسم لصالح الاولي بعد غزوة نيويوركواشنطن البنلادنية في ايلول (سبتمبر) العام نفسه. في نفس السياق تأتي حقيقة ان التضحية بأبرز رموز اليمين المحافظ، رمسفيلد وزير الدفاع الاسبق، كانت محاولة فاشلة للتخفيف من الضغوط المتصاعدة ضد الادارة الجمهورية من المعارضة الرسمية ممثلة في الحزب الديمقراطي وغير الرسمية ممثلة في الصحافة وقوي السلام. والخلاصة هي ان المصدر الرئيسي للفشل في العراق امريكي ولكن تولي شؤون المقاومة وبُعدها العربي من قبل قوي ديمقراطية التكوين هو شرط الانقاذ لانها قادرة بهذه الصفة علي فهم كيفية اشتغال النظام السياسي الامريكي ورسم استراتيجية مواجهة ناجعة لافشال خطط الادارة الحالية تستثمر، ضمن اسلحة اخري، مكامن الضغط الداخلي في امريكا نفسها. اما في الوضع الراهن حيث اختطفت قضية التحرير والمقاومة وامتدادها العربي من قبل قوي الهوس الديني والقومي الشوفيني التي لا تعرف ماهية الديمقراطية ولاتؤمن بها فان الخاتمة ستكون غريبة: الطرف الامريكي المهزوم عسكريا سيتمكن خلال بضع سنوات من امتصاص الصدمة بفضل الالية الديمقراطية التي تمكنه من مراجعة تجربته نقديا وتبديل السياسات الخاطئة والمسؤولين عنها بينما يؤدي (انتصارنا) الي تسييد قوي التخلف في العراق ومحيطه العربي المسلم بما يضمن تكرار ظهور نفس نوعية الانظمة والسياسات التي جعلت وقوع الاحتلال ممكنا اصلا. عن صحيفة القدس العربي 12/3/2008