مصر وباكستان.. قواسم مشتركة وتعاون مطلوب د. حسن أبوطالب الترحاب والابتسامة الدافئة الفطرية هي الاستجابة المباشرة التي يجدها المصري حين يقابل نظيرا باكستانيا, وتزداد درجة الترحاب والضيافة حين يكون المصري في رحاب باكستان, ويزداد التقدير في كلمات كبار العسكريين الباكستانيين لإنجاز العبور المصري التاريخي في6 أكتوبر73, لما حمله من تحول في النظريات العسكرية مازال مؤثرا حتي اللحظة الجارية, سواء في أساليب التدريب, أو التخطيط العسكري, أو الصناعات الدفاعية, وعدد من مبادئ الحروب التقليدية. لكن الأمر لا يخلو أحيانا من عتاب صامت أو مكشوف, وسبب العتاب أن العلاقات السياسية بين البلدين في قمة التألق, والروح الإيجابية بين القيادتين السياسيتين في البلدين هي القاسم المشترك, والسمة الغالبة منذ أكثر من ثلاثة عقود, برغم تغير الحكومات والقيادات السياسية في باكستان. ومع ذلك فإن باقي أوجه العلاقات بين البلدين لا تتوافق مع حرارتها السياسية العالية, ولا يخفي باكستانيون كثيرون, برغم اختلاف مشاربهم السياسية, أن البلدين لا يقومان بما عليهما من عبء ومسئولية لدفع العلاقات الثنائية بصورة شاملة, سواء لخدمة العالم الإسلامي الذي ينتميان إليه ويعدان من دوله القائدة, أو لخدمة التنمية فيهما معا. المطالبون بتطوير العلاقات الثنائية وتعميق جوانبها الاستراتيجية ينطلقون من عدة مقومات لاجدال عليها, منها أن كلا منهما يقع في موقع استراتيجي يحتاجه العالم بأسره, الآن وفي المستقبل, موقع يجعل تهميش أي منهما مسألة تدخل في باب المستحيلات للقرن الحادي والعشرين كله, لكنه في الوقت نفسه لا يخلو من تحديات دائمة ومتجددة تتطلب بدورها حكمة في التعامل, ويقظة في المواجهة, وقدرا كبيرا ومتناميا من التعاون الخلاق مع الدول التي تواجه التحدي نفسه. فموقع باكستان والمحاط بدول كبري متنافسة مع بعضها البعض كالهند والصين وروسيا وجمهوريات وسط آسيا, فضلا عن أفغانستان بكل مشكلاتها وحروبها التي لم تنقطع منذ أكثر من ربع قرن, وإطلالتها علي المحيط الهندي, والقرب من بحر العرب ومضيق هرمز, يجعل منها هدفا دائما للاستراتيجيات الدولية المتعارضة بهدف الوجود والتأثير في السياسة الباكستانية من ناحية, ومنع المنافسين والخصوم من الحصول علي امتيازات من ناحية أخري, لذلك ينظر لباكستان الآن, كبلد أكبر من مجرد عضو نشيط وفاعل في المواجهة الدولية التي تقودها الولاياتالمتحدة ضد الإرهاب الدولي وتنظيم القاعدة وحركة طالبان, فامتلاكها السلاح النووي قبل عقد ونصف العقد, وعلاقاتها التاريخية مع الصين والولاياتالمتحدة, ونزاعها الدائم مع الهند بشأن كشمير, وطموحها في توظيف موقعها الجغرافي في نطاق سياسات الطاقة الدولية يجعلها مؤهلة للعب دور أكبر في شئون جنوب آسيا اقتصاديا, وسياسيا, وأمنيا. موقع مصر بدوره يفرض أعباء عديدة علي الصعيد العربي والإقليمي والدولي, وكحال باكستان, تتعرض مصر بدورها لتيارات استراتيجية مختلفة المشارب والأهداف, وبعض منها يتحدي المصالح الوطنية الكبري في الاستقرار, والأمن, والتنمية, والدور الإقليمي. إلي جانب تحديات الموقع هناك امتيازاته النسبية والفرص التي يوفرها, والوجه الأبرز حاليا أن البلدين, كل في منطقته وإقليمه, بات يمثل مركزا إقليميا في مجال نقل الغاز والنفط والكهرباء, وهي العناصر التي سوف تشكل في العقود القليلة المقبلة قلب الصراع والتنافس العالميين, وسوف يصبح لمن يسيطر أو يؤثر عليها, إنتاجا أو نقلا, دور كبير في تحديد خريطة النزاعات الدولية من جهة, وتشكيل المصالح الدولية من جهة أخري, ومصر التي أصبحت عنصرا مهما في إنتاج الكهرباء والغاز ونقلهما في شبكة إقليمية تضم دولا عربية وأوروبية وإفريقية مؤهلة لأن تكون فاعلا مؤثرا في سياسات الطاقة الدولية في السنوات المقبلة. الأمر نفسه ينتظر باكستان قريبا, حيث تنشئ الآن خطا لنقل النفط من جمهوريات وسط آسيا إلي المحيط الهندي علي بحر العرب, وميناء كبيرا يسمي جوادر, يقيمه الصينيون باستثمار يفوق1.2 بليون دولار, ومتوقع أن يقوم الميناء بدور مؤثر في التبادل التجاري بما في ذلك نقل النفط بين جمهوريات وسط آسيا والعالم الخارجي, كما سيؤدي ذلك لأن تكون باكستان مركزا تجاريا مهما في آسيا. ومن السمات المشتركة أن البلدين لديهما علاقات ذات طابع خاص مع الولاياتالمتحدة, ولكل منهما جالية كبيرة تعمل في بلدان الخليج, ولديهما أيضا جاليات كبيرة مهاجرة في العديد من الدول, وهي جاليات تؤثر من خلال عائداتها المالية علي الموازنات العامة المصرية والباكستانية, وفي هذه الجاليات عقول كبيرة, وخبرات ذات وزن في مجالات علمية وتطبيقية تحتاجها جهود التنمية الوطنية, ولاشك في أن البحث عن آليات وسياسات طويلة المدي لجذب هذه الخبرات الكبري يعد تحديا مشتركا لكل من مصر وباكستان, والتعاون في تبادل الخبرات في هذا الإطار يعد مجالا رحبا لم يجد من يستفيد منه بعد. وفي مجال مواجهة متطلبات التنمية وتحسين أحوال المعيشة للمواطنين, يواجه البلدان التحديات نفسها تقريبا. فعلي الصعيد الاقتصادي يواجهان مشكلة ارتفاع الأسعار للسلع الضرورية لغالبية الشعب والحاجة إلي تشغيل الشباب وجذب الاستثمارات من الخارج وتحسين متطلبات الاستثمار الوطني, وإقليميا يواجهان مشكلة انتشار الإرهاب والتطرف الديني ووجود نزاعات تاريخية ملتهبة في الدول المجاورة لهما, فباكستان تواجه مشكلة استعادة طالبان حيويتها بما لذلك من تأثير سلبي علي الاستقرار السياسي المنشود في أفغانستان وفي الإقليم الشمالي الغربي المعروف بإقليم القبائل ذات الامتدادات علي حدود البلدين, كما تواجه إسلام أباد مشكلة كشمير منذ ستة عقود, التي تعوق تطور علاقاتها مع الهند الجارة الكبري في الشرق, ومصر بدورها تواجه تحديات القضية الفلسطينية بكل تعرجاتها السياسية والأمنية, وتتأثر بما يجري في العراق ولبنان والسودان والصومال من صراعات وانقسامات, وضغوط دولية. وتضم القواسم المشتركة عددا آخر من السمات, كالشعور السائد في البلدين بأنهما عضوان كبيران في العالم الإسلامي وعليهما عبء خاص في المساهمة في حل النزاعات التي تثور في إطاره, وكذلك الدفاع عن الإسلام والمسلمين من الهجمات التي توجه لهما من الغرب ويرفضان معا وبقوة كل إساءة متعمدة للمقدسات الإسلامية, ومقولات صراع الحضارات التي تسود الغرب, وتؤثر علي مواقفه واستراتيجيته بوجه عام ضد الإسلام والمسلمين. ويبقي السؤال الذي يطرح دائما: لماذا لا يوظف البلدان قواسمهما المشتركة في بناء علاقة استراتيجية شاملة يجلبان من ورائها مزيدا من الفرص, ومزيدا من القوة لمواجهة الضغوط المختلفة؟ وتبدو الإجابات مرهونة إلي حد كبير بالطريقة التي تدير بها الدبلوماسية المصرية علاقاتها الآسيوية, خاصة العلاقة مع كل من الهند وباكستان. فمنذ الخمسينيات هناك مبدأ لم يتغير قام علي أساس ربط علاقات مصر بالهند بالعلاقات مع باكستان, ومن هنا يجيء الموقف الحيادي المصري تجاه مشكلة كشمير مراعاة لمشاعر الهند, وليس بخاف أن كشمير مشكلة تهم باكستان كثيرا, وفي الوقت الذي غيرت فيه الولاياتالمتحدة نفس سياسة الربط بين الهند وباكستان قبل ثلاثة أعوام, وفصلت في توجهاتها وتفاعلاتها بين البلدين, مازال الموقف المصري علي حاله برغم التغير الجذري في العوامل التي كانت تفرض مثل هذا الربط في خمسينيات القرن الماضي وما بعدها. وثمة حاجة وضرورة كبري لأن تعيد الدبلوماسية المصرية تقويم سياسة الربط التي لم يعد لها أي معني, تقويم ينطلق من حقيقة أن الهند بلد كبير يجب تطوير كل أوجه العلاقات معه, لكن في الوقت نفسه الانطلاق من حقيقة أن باكستان التي تقع في الصف الأمامي في مواجهة التطرف الديني والإرهاب باسم الإسلام, وهو منه براء تعد ذات أهمية خاصة بالنسبة للأمن القومي المصري. وفي مجال التوقعات المحسوبة فإن عدد سكانها سيصل إلي400 مليون نسمة في عام2050, وإلي أكثر من300 مليون نسمة في عام2025, وهو ما يعني مساحة أوسع في التأثير علي التوجهات والأفكار الدينية والسياسية في إطار العالم الإسلامي كله, منها ما سيصل حتما إلي بر مصر, ومن المبادئ الاستراتيجية الحكيمة العمل علي احتواء الخطر ودفع الضرر قبل قدومه, وبما يقتضي بناء علاقة استراتيجية بكل ما تعنيه الكلمة مع باكستان, والأهم التخلي عن مبدأ الربط بين نيودلهي وإسلام أباد, فهما أيضا تجاوزا مثل هذا المبدأ منذ عقد علي الأقل. عن صحيفة الاهرام المصرية 12/3/2008