إيران بين مقاومتين جهاد فاضل لا يقاس ما تُلحقه حماس بإسرائيل من ضرر (قصف سديروت وعسقلان) بالضرر الذي تلحقه إسرائيل بقطاع غزة. فلا يمكن أن يقارن أثر القسام بأثر الضربات والخسائر التي تحدثها إسرائيل في كل مجال من مجالات الحياة اليومية في القطاع. ولكن هناك ضرراً أبلغ يصيب قضية فلسطين علي يدي حماس بالذات هو سياسة هذه الأخيرة تجاه التسوية الجاري العمل عليها الآن بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل والتي تقف منها حماس موقفاً سلبياً للغاية. لأول مرة في تاريخ القضية الفلسطينية، أي منذ نشوء إسرائيل عام 1948 إلي اليوم، تظهر في الأفق بوادر تسوية حقيقية بين الجانبين لابد أن تؤدي إلي قيام دولة فلسطينية. فالمجتمع الدولي بقواه الفاعلة وبلا استثناء مُجمع علي قيام هذه الدولة التي ينظر إليها الاسرائيليون بحذر شديد خوفاً من تداعياتها علي دولتهم في المستقبل. ولكن بدلاً من أن يتحد الفلسطينيون جميعاً وراء هذا المطلب، علي أمل تحقيق جميع طموحاتهم في المستقبل، نجد حماس أسيرة سياسة لا يمليها عقل أو منطق. فالعقل والمنطق يقولان بالتسوية لأنه لابديل عن التسوية سوي المشهد الحالي في غزة، وهو مشهد مرشح للمزيد من الكوارث التي تصيب لا فلسطينييغزة وحدهم، بل قضية فلسطين نفسها في الصميم. ولو بحثنا بموضوعية ونزاهة عمن يملي علي حماس هذه السياسة لما وجدناه إلا خارج غزةوفلسطين فالخارج ممثلاً بهذه العاصمة العربية أو الإقليمية، أو بكليهما معاً، هو وراء هذه السياسة الحمساوية المضرة أبلغ الضرر بقضية فلسطين، ولكن المفيدة أعظم أنواع الفوائد لمصالح هاتين العاصمتين. وما يحمل من ضرر لقضية فلسطين علي يدي حماس، يحصل مثله عندنا في لبنان علي يدي حركة مقاومة شقيقة لحماس، هي مثل حماس في الاذعان لتعليمات هذا الخارج. فبسبب الوقوع في أسر الشعارات التي لم تعد تُغني ولا تُسمن من جوع، وبسبب التشبث بمواقف مصطنعة لا تخدع أحداً من نوع الثلث الضامن والسلة المتكاملة، يموت لبنان في اليوم الواحد الف مرة. فحركة نزوح اللبنانيين إلي الخارج مستمرة بلا توقف والاقتصاد اللبناني علي الأرض. وكل يوم يمضي بلا حرب أهلية بين الشيعة والسنة، يوم سعيد يأمل اللبنانيون ان يتكرر صبيحة اليوم التالي ولكن من يضمن انه سيتكرر؟ ومن يضمن ان الحرب بين حزب اللَّه وإسرائيل لن تتكرر مرة أخري إذا ما نشبت الحرب في الخليج بين أمريكا وإيران؟ ولنفترض ان إسرائيل تدخلت في هذه الحرب، فهل ستبقي صواريخ حزب اللَّه في مخابئها أم ستنصب منصاتها من جديد؟ وأي واقع سيجد اللبنانيون انفسهم عليه عندها؟ وما الفائدة إذا اطلقنا آلاف الصواريخ علي إسرائيل، ودمرت إسرائيل كل مدننا وقرانا وسائر مرافقنا الاقتصادية؟ وأي ربح سنجنيه إذا أعلنا علي الملأ اننا انتصرنا في حين اننا نكون الواقع في غرفة العناية الفائقة، والضمادات تلف كل موضع من مواضع جسمنا؟ إذا كان العقل السياسي ينصح حماس بقبول التسوية، فالعقل السياسي ينصح حزب اللَّه بأن يقول وداعاً للصواريخ وبأن ينخرط انخراطا حقيقياً في مشروع الدولة اللبنانية. وهذا العقل السياسي ينصح حزب اللَّه بالطبع بتغليب مصالح لبنان علي مصالح أية دولة أخري سواء كان اسمها سوريا أو كان اسمها إيران. والعقل السياسي ينصح كل دولة وكل مؤسسة سياسية، بأن تقذف الحرب وويلاتها خارج حدودها، لا ان تستدعي هذه الحرب إلي أراضيها. سوريا أو إيران لا تخطئ عندما تحارب في لبنان بواسطة حزب اللَّه، ولكن حزب اللَّه يخطئ عندما يجعل من نفسه فرقة متقدمة للحرس الثوري الإيراني أو لسواه. ولا يستطيع هذا الحزب ان يُقنع أحداً بأنه مستمر في المقاومة من أجل تحرير مزارع شبعا. فمزارع شبعا، وهي أراض جرداء أو غير جرداء متنازع عليها، ومساحتها لا تتجاوز العشرة كيلومترات مربعة، لا تستحق ما نوقعه بلبنان من ضربات موجعة تكاد تلغي الدولة فيه وتجعل منه أرضا سائبة لا يسود فيها سوي الخراب والجنون. وسوريا أو إيران لا تخطئ عندما تحارب في فلسطين بواسطة حماس، فحماس بالنسبة لهما ورقة أو أداة. وحماس ستظل هذه الورقة وهذه الأداة طالما ان قيادتها في الخارج مرتبطة بإرادة خارجية لا تملك أية مقاومة لأوامرها وتعليماتها. كل هذا معروف ومشهور ولا ريب فيه. ولكن ما لا ريب فيه، وما يحرق القلب أيضاً هو الأذي الذي تلحقه حماس بالنضال الوطني الفلسطيني وبمستقبل قضية فلسطين. لا يوجد علي الاطلاق ما يسمح بالقول إن شعارات المغفور له الشيخ أحمد ياسين لها أفق في المدي المنظور، أو ان هناك شروطاً موضوعية لمقاومة يمكن ان تحقق حداً معقولا من النتائج. الأمر علي العكس تماما. لا شروط لمثل هذه المقاومة ولا إنجازات ذات شأن متوقعة منها، وأقصي ما يمكن أن تضطلع به حماس، لو ان إرادتها بيدها، هو توزيع الادوار مع سلطة أبو مازن لتحسين شروط التسوية، هذا إذا أمكن هذا التحسين، لأن الحل في النهاية لن يكون حسب مشتهانا بل حسب مشتهي سوانا، إنما هذا لن يكون خاتمة المطاف، ولكنه أفضل من مشهد غزة وهي تحترق، ومن مشهد المؤتمر الصحفي للأخ خالد مشعل في دمشق بعد ذلك ومن تعليقات الاخ الآخر سامي أبو زهري في غزة. لا يمكن لأية حركة مقاومة وطنية فلسطينية ان تنجح، وظروفها هي ظروف غزة، وإرادتها خاضعة لإرادات أجنبية أعلي منها تسيرها وفق هواها ومصالحها. وعلي الرغم من كل ما يمكن ان يوجه للفريق الفلسطيني الآخر من ملاحظات أو انتقادات (سلطة أبو مازن وفتح) فلا شك ان توجه هذا الفريق نحو التسوية هو توجه سليم ولا مفر منه ونحن لو استشرنا كل كتب العلوم السياسية وكل تجارب حركات التحرير السابقة وكل اصدقاء فلسطين وكل الاحرار في العالم، لما نصحوا بسواه!. عن صحيفة الراية القطرية 10/3/2008