خطوة في طريق التفكيك هل نووي باكستان في حاجة لحماية أمريكية؟!
* سمير حسين
سمير حسين كنا نسمع ونحن صغارًا حكاية تسليم القط مفتاح الكرار ، وكلمة "كرار" تعني - في لهجات بعض القرى المصرية - المكان الذي يتم فيه حفظ المأكولات التي يُخشى عليها أن تلتهمها القطط ، تذكرت هذه الحكاية عندما قرأت ما صرح به الصحفي الأمريكي الأشهر سيمور هيرش حول قيام الولاياتالمتحدة بإجراء مفاوضات على تفاهمات عالية الحساسية مع الجيش الباكستاني بشأن توفير الأمن للترسانة النووية الباكستانية.
ونقلت مجلة "ذي نيويوركر" الأمريكية عن رئيس تحريرها هيرش أنه علم من خلال لقاءات أجراها مع مسئولين سابقين وحاليين في الولاياتالمتحدةوباكستان أن الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين تسمح للقوات الأمريكية المدربة بتوفير الأمن للترسانة النووية إذا ما طرأت أي أزمة في المستقبل.
واشار الصحفي الامريكي إلي أن الجيش الباكستاني يحصل على أموال لتجهيز وتدريب الجنود الباكستانيين وتحسين ثكنانهم وتوفير المرافق العامة لهم.لافتا إلي أن الخشية نابعة من قيام "المتطرفين داخل باكستان بانقلاب وبسط السيطرة على مواد نووية أو حتى تحويل مسار الرؤوس النووية".
وتهدف هذه الترتيبات إلى توفير الحماية للترسانة النووية إذا تصاعدت مواجهات سريعة مع الهند، غير أنها قد تجعل الأسلحة معرضة للاستهداف خلال عملية شحنها أو إعادة تجميعها.
وفي لقاء مع هيرش، قال الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري "إننا نحاول أن نريح بعضنا بعضا، ومستوى الارتياح جيد، لأن الجميع يحترم سلامة الآخر".
وقال زرداري إن "ضباط جيشنا ليسوا مجانين مثل طالبان، فالعصيان لا يحدث في باكستان، بل إن الخوف يتفشى من قبل البعض الذين يسعون إلى إخافة الآخرين".
ومن جانبه أقر الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف - حسب هيرش- بأن حكومته كانت قد أطلعت خبراء منع انتشار الأسلحة النووية بوزارة الخارجية الأمريكية على القيادة والسيطرة على الترسانة الباكستانية وكذلك الإجراءات الأمنية في الموقع. هنا انتهى كلام مجلة "ذي نيويوركر" .
والكلام السابق عن حماية أمريكا للسلاح النووي الباكستاني يثير الضحك، فدولة مثل باكستان هي الأقدر على حماية سلاحها النووي ، وليست أمريكا التي تسعى إلى تفكيك باكستان، ولولا انهيارأمريكا في أفغانستان أمام طالبان، ما كانت لجأت إلى باكستان بحال من الأحوال .
فكيف تحمي أمريكا باكستان وهي التي اتهمها وزير في الحكومة الباكستانية - في وقت سابق - بالسعي إلى تفكيك باكستان عبر تدمير جيشها وأجهزتها الاستخباراتية، حيث قال وزير العلوم والتكنولوجيا محمد عزام خان سواتي إن كل شخص في الحكومة لديه هذا الاعتقاد ، وليس عزام وحده.
وفي إطار تفكيك باكستان ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" في صيف العام الماضي أنّه تم توزيع خريطة لباكستان ، كتمرين نظري في أوساط المحافظين الجدد في واشنطن تظهر باكستان مبتورة ومصغرة ، وصلت إلى أيدي مسئولين في الجيش الباكستاني ، وأثارت لديهم اعتقادا أنّ ما تريده الولاياتالمتحدة هو تفكيك وتدمير باكستان الدولة المسلمة الوحيدة التي تملك أسلحة نووية؛ تحت ذريعة تنافي الواقع تماما وهي أنها المطبخ الرئيس للجهاد الإسلامي في العالم الإسلامي بأسره ، وأنها قلب (المفاعل) الجهادي العالمي .
وقد أحسنت حكومة باكستان صنعًا عندما أكدت قدرتها الكاملة على تأمين ترسانتها النووية، ونفت بشدة ما تردد عن وجود تفاهمات مع الولاياتالمتحدة لتأمين أسلحتها تلك. ووصفت تلك الأنباء بأنها "محض هراء".
ورفض رئيس لجنة هيئة الأركان المشتركة الباكستانية الجنرال طارق ماجد ذلك، ووصفه بأنها "محض هراء ومغرض".
وقال ماجد في بيان أصدره إنه "لا وجود على الإطلاق لمسألة المشاركة أو السماح لأي فرد أجنبي أو كيان أو دولة بالوصول إلى معلومات حساسة عن ممتلكاتنا النووية".
وقد تم تسليط الأضواء على قضية أمن الأسلحة النووية الباكستانية ومنشآتها مع تصاعد عمليات العنف التي تقوم بها حركة طالبان باكستان ضد الجيش الباكستاني، وذلك رغم أن الولاياتالمتحدة أكدت مرارا ثقتها في قدرة باكستان على حماية ترسانتها النووية.
لكن الجنرال طارق ماجد -الذي وصف نفسه بأنه "القيم بشكل شامل على تطوير برنامجنا الإستراتيجي"- قال إن الولاياتالمتحدة لا تعرف عن البرنامج النووي لبلاده إلا "ما يمكنها أن تخمنه لا أكثر".
وأمام هذا الموقف الباكستاني، تحول كلام الأمريكان في وجهة أخرى فبعد أن كان هناك تفاهمات لتوفير الحماية للسلاح النووي الباكستاني نفى أيان كيلى، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، أن يكون هناك نية لدى الولاياتالمتحدة لمصادرة الأسلحة النووية الباكستانية ، و ليس لحمايتها كما جاء في تقرير مجلة "ذي نيويوركر".
والواضح أن التقرير الذي نشرته مجلة "النيويوركر" الأمريكية هو بمثابة بالون اختبار لمعرفة رد إسلام أباد ، والذي جاء صادمًا لواشنطن ، وبالتالي على الولاياتالمتحدة إغلاق هذا الملف الذى أضحى لعبة أمريكية مكشوفة القصد من وراءها بث الرعب في أوساط المجتمع الدولي بخطورة وقوع السلاح النووي الباكستاني في يد من تسميهم واشنطن ب"الإرهابيين"!! بهدف مصادرته في مرحلة لاحقة خدمة لاهدافها ومصالحها وللحفاظ علي امن اسرائيل .
وهذا ما اكده تقرير اخباري نشرته جريدة ( الاهرام ) المصرية بتاريخ 12/11/2009 لمراسلها في اسلام آباد سامح عبد الله جاء بعنوان ( "القنبلة النووية في خطر" الخبراء: الولاياتالمتحدة تخطط لتدمير السلاح النووي الباكستاني ) يقول التقريرالخطير :
القانون الذي وافق عليه الكونجرس الأمريكي أخيرا لمنح باكستان مساعدات اقتصادية تبلغ 7.5 مليار دولار علي مدي 5 سنوات, يهدف ظاهريا لدعم جهود مواجهة حركات التطرف الباكستانية, أما في باطنه, وكما يقول الباكستانيون, فيحمل نيات خبيثة لتدمير السلاح النووي الذي تملكه باكستان وتفكيك قدراتها النووية.
هذه النيات تبدو واضحة في فقرة تضمنها القانون, تفتح الباب لتطبيق برنامج الحد من المخاطر علي باكستان, وهو برنامج استخدمته الولاياتالمتحدة في بداية التسعينيات لنزع السلاح النووي لبعض دول الاتحاد السوفيتي السابق, بحجة أن هذه الدول لا تملك القدرات اللازمة لتأمينه وهو ما يشكل خطرا علي الأمن الدولي.
ووفقا لما يقوله الخبراء الباكستانيون في هذا الشأن فإن الاشارة ولو من بعيد لهذا البرنامج في قرار الكونجرس الأخير تعني أن المنشآت النووية الباكستانية أصبحت عرضة لهجمات منظمة سيتم تنفيذها مستقبلا بواسطة عملاء لهيئات أمنية أمريكية, لإقناع الرأي العام العالمي بضعف الإجراءات الأمنية الخاصة بتلك المنشآت تمهيدا لتطبيق برنامج الحد من المخاطر.وهو السيناريو ذاته الذي تم بنجاح مع الدول التي خرجت من عباءة الاتحاد السوفيتي السابق.
هذه المخاوف بدت واضحة في اجتماع غير معتاد عقده الجنرال إشفاق كياني, رئيس أركان الجيش الباكستاني, مع قادة الجيش منذ أسابيع, وصدر عنه بيان يؤكد قلق الجيش من قانون المساعدات الأمريكية المعروف بقانون كيري/ لوجر, داعيا البرلمان لمناقشته قبل القبول به.
البيان الصادر عن قادة الجيش لم يربط القلق بمستقبل السلاح النووي, ولكن ذلك بدا واضحا في مقالات عديدة نشرتها الصحف الباكستانية في الأيام اللاحقة لصحفيين تربطهم علاقات وثيقة بدوائر صنع القرار في إسلام اباد من بينهم شيرين مزاري.
وملخص رؤية مزاري كما شرحتها لي في مكتبها حيث تعمل رئيسا لتحرير جريدة الامة هو أن الولاياتالمتحدة ستسعي لإيجاد أوضاع علي الأرض تظهر باكستان وكأنها لا تملك القدرة لتأمين ترسانتها النووية, وأنها عرضة للوقوع في أيدي الجماعات الإرهابية, ومن ثم ستلجأ للأمم المتحدة مطالبة بفرض الوصاية علي هذه الترسانة وتفكيكها حرصا علي السلم والأمن الدوليين .انتهي الاقتباس من تقرير "الاهرام" .