بعد انتهاء أعمال مؤتمر الحزب الحاكم ساد الفساد وعمّ البلاد..!
* مصطفى نجيب
وانفض مولد مؤتمر الحزب الوطنى الحاكم. وعندما يقول أحد كبار مسئوليه »لا نقبل فاسداً فى صفوفنا ونطالب بملاحقة الفساد والفاسدين ولا أحد فوق القانون«.. هل يمكن أن يصدقه أحد وهو واحد من كبار الفاسدين الذين ساهموا فى ممارسة وتكريس الفساد فى مصر.
وعندما يقول مسئول كبير آخر " حزناً ضد أى انحراف ولا يقف مع مخطئ«.. هل يمكن أن يصدقه أحد، بينما يرى الناس كبار المنحرفسي يعيشون حياتهم الطبيعية دون أن يحاسبهم أحد أو يقول للمخطئ منهم قف من أنت وعليك أن تدفع الحساب؟!..
وعندما يعد الحزب الحاكم بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية بنزاهة وشفافية.. هل يمكن أن يصدق أحد وعود النزاهة والشفافية، بينما التجارب السابقة مازالت ماثلة أمامنا.. ثم أين هى النزاهة والشفافية عندما يرفض جمال مبارك نجل الرئيس الإفصاح عن نواياه ويرفض الإجابة عن السؤال الملح على لسان رجل الشارع المصرى حول نيته فى خلافة والده إذا لم يقرر الوالد الترشح لفترة ولاية جديدة قائلاً: " لا أرد على افتراضات" !.
أما قوله " نحن غير مطالبين بتحديد اسم مرشح الحزب الوطنى للرئاسة من الآن.. هل يعبر هذا القول عن الشفافية التى يدعونها أم يؤكد اتباع سياسة الغموض وعدم الإفصاح عن الحقيقة؟..
وعندما يعلن جمال مبارك أن الحزب الوطنى الحاكم لا يحتكر السلطة ويطالب بالدخول فى حوار جاد مع أحزاب المعارضة والمستقلين.. ثم من هو الذى يرفع الشعارات البراقة الكاذبة ولايطبقها.. ألي س هو الحزب الحاكم نفسه قبل سواه؟..
وعندما يقول أمين لجنة سياسات الحزب الحاكم " لسنا حزب رجال أعمال ولكننا حزب ينحاز إلى الفقراء.. هل يمكن أن يصدقه أحد؟.. إن سيطرة رجال الأعمال على الحزب وعلى الحكومة أمر ظاهر وبين لكل ذى عقل وبصيرة. أما القول بأنه حزب يرعى الفقراء، فهو شعار يرددونه لكسب تعاطف رجل الشارع، بينما الفعل الحقيقى يشير إلى أنهم لايرعون الا الأغنياء على حساب الفقراء فيزداد الأغنياء غنى فى كنف الحزب وتحت سمعه وبصره، بينما يزداد المواطنين فقراً على فقر.. ثم يدعون بعد ذلك أنهم يعرفون مطالب الناس ولا يتاجرون بالشعارات!..
ألا يعرفون أن هناك 2 مليون مواطن لا يجدون سكناً أو مأوى سوى فى المقابر مع الموتى وهم أحياء.. ألا يشاهدون ما نراه من معدمين يبحثون عن لقمة عيش فى الفضلات بين أكوام الزبالة.. ألا يرون المعدمين وأطفال الشوارع الذين لا مأوى لهم وهم يفترشون أرصفة الشوارع وينامون الليل فى العراء؟.. وعندما يقول أحد رؤساء تحرير الصحف الحكومية إن التزام الرئيس بنزاهة وحيادية التصويت فى الانتخابات هو رد بليغ على المطالبين بإشراف دولى عليها.. هل يمكن أن يصدق أحد أن النزاهة والحياد يمكن تحقيقهما بمعرفة الحزب الحاكم المتسلط والمنفرد بالسلطة والذى لا يرفض فقط الإشراف الدولى وإنما يرفض أيضاً إشراف القضاء المصرى المعروف بنزاهته؟..
إن ممارسة الكذب على المواطنين وتضليلهم أصبح سمة من سمات الحزب الحاكم وهو الأمر الذى أفقده المصداقية وجعل المواطنين لا يصدقون ما يرفعه من شعارات.
لقد اختار الحزب لمؤتمره السنوى هذا العام شعاراً يقول: " من أجلك أنت" لكنه لم يحدد صراحة من هو هذا ال " أنت " الذى يعنيه.. غير أن إصرار الصحف الحكومية على نشر صورة جمال مبارك مع هذا الشعار بادياً فى خلفية الصورة قد جعل رجل الشارع يعرف من هو المعنى بكلمة" أنت" التى جعلوها شعاراً لمؤتمر الحزب وأن هذا هو الهدف المنشود!..
وتركيز الإعلام الرسمى سواء المرئى أو المسموع أو المقروء على جمال مبارك طوال جلسات المؤتمر ولجانه بشكل يفوق التركيز على والده رئيس الحزب ورئيس الجمهورية يؤكد أنه هو المعنى والمقصود بالشعار وليس المواطن العادى والفقير كما يدعون.
أما إصرار أحمد عز أمين التنظيم على القول بأن جمال مبارك هو مفجر ثورة التغيير فى الحزب فهو دليل واضح على ما أقول لا يحتاج إلى برهان لأنه معروف عنه بأنه ذراعه اليمنى التى تسعى معه لكسب الصراع الداخلى بين ما يسمى بالحرس القديم وبيهما باعتبارهما الحرس الجديد الذى يتطلع إلى السيطرة على مقدرات الحزب لي فقط فى سياساته وإنما فى شخوص رموزه وقياداته أيضاً.
كما كشفت محافظة قنا المستور خلال زيارة جمال مبارك الأخيرة لها وذلك برفعها لافتات ترحيب ضخمة ملأت شوارع المدينة تحت شعار مؤتمر الحزب الحاكم" من أجلك أنت " ومعه صورته بين صورة والده وصورة المحافظ. وقد فهم المواطنون المعنى والمغزى لأن صورة والده والمحافظ تجىء فى إطار حملة النفاق المعتادة.
ثم استكمل المحافظ منظومة النفاق للوريث المنتظر فى كلمة الترحيب به عندما وصفه بأنه " أحد رجالات مصر العظام" ! ولقد كشف تقرير لوزارة التنمية الإدارية عن سلوك المصريين نشر مؤخراً عن شعورهم بالظلم والفساد وتأكيدهم علي أن النفاق والكذب والفهلوة والغموض وعدم الإفصاح عن الحقيقة، وهو ما يؤدى إلى عدم الثقة.
هل قرأ الحزب الحاكم هذا التقرىر أو اطلع علىه لىعلم حقىقة مشاعر المصريين الذين يعتبرون أن الرشوة تحتل مكان الصدارة فى رؤيتهم للفساد وأن المحسوبية تجىء فى المرتبة الثانية لمنظومة الفساد الذى تنفيه حكومة الحزب كما ينفيه حزب الحكومة.
وقد أكدت الدراسة أن 83? ممن شملهم استطلاع للرأى يرون أن الفساد زاد فى مصر، ويؤكد 43? منهم أن رجال الأعمال ذوى السلطة هم أكثر الناس فساداً.. ولم يوضح التقرير بالطبع ما يعرفه رجل الشارع من أن رجال الأعمال الذىن أشارت لهم الدراسة الرسمية لوزارة التنمية الإدارية هم أعضاء لجنة سياسات الحزب الحاكم الذى كرس عملية تزاوج المال بالسلطة.
كما ذكر التقرىر أن 63? يخافون من المستقبل وأن الإحساس بالظلم مرتفع داخل المجتمع المصرى، حىث أكد 49.7? أنهم مظلومون وحقهم مهضوم. إن الشارع المصرى لا يؤمن بسياسات الحزب الحاكم الرابض فوق أنفاس الشعب منذ أكثر من نصف قرن من الزمان رغم تكرار تغيير مسماه وشخوصه..
وإذا أراد الرئيس مبارك التأكد من ذلك بنفسه فليجرب أن يتخلى عن رئاسة الحزب وسيرى كيف ينفض من انضموا إليه من أجل التقرب من السلطة وتحقيق مصالحهم الشخصية وليس إيماناً بالحزب ومبادئه. وينصف الرئيس مبارك نفسه إذا قرر أن يقف محايداً بين الأحزاب باعتباره رئيساً لكل المصريين فلا يتحمل أخطاء الحزب وزبانيته الذين عليهم أن يحملوا وحدهم وزر ومسئولية ما ارتكبوا من أخطاء فى حق الشعب.
فهم يشكلون عبئاً عليه ولا يضيفون له شيئاً بل يسحبون من رصيده الذى سبق أن حققه باعتباره أحد أبطال معركتى الحرب والسلام.
ملاحظة: بعد أن انتهيت من كتابة هذا المقال حملت لنا الأنباء أن مصر رفضت اتفاقية دولية تسعى لها الأممالمتحدة تهدف لمكافحة الفساد وتسمح بمطاردة لصوص المال العام وتمنح حصانة للمبلغين عن الفساد والفاسدىن. وىجىء هذا الرفض أكبر دلىل على عدم صدق الحكومة والحزب الحاكم فى ادعائهم محاربة الفساد فى مصر!..
والاتفاقية التى رفضتها 4 دول من بينها مصر تلزم كل دولة بإنشاء أجهزة رقابية مستقلة وتفرض حرية تداول المعلومات وتسمح باستعادة اللصوص حتى لو حصلوا على جنسيات جديدة..