من اين يأتي الرئيس عباس بالتفاؤل؟ عريب الرنتاوي وحده الرئيس الفلسطيني محمود عباس يثق بالولايات المتحدة ورئيسها جورج بوش ويؤمن بان حلا نهائيا يمكن التوصل اليه قبل نهاية ولاية الرئيس الامريكي جورج بوش ، اي بعد اقل من عام واحد فقط ، تقوم بموجبه الدولة الفلسطينية العتيدة ، وتجسد حقوق شعب فلسطين في الحرية والسيادة والاستقلال. لا ندري من اين يأتي الرئيس «ابو مازن» بتفاؤله هذا ، فلا شبر ارض تحرر ، ولا حاجز واحدا رفع ولا سجناء افرج عنهم ، بل على العكس من كل هذا وذاك ، فقد كانت الاشهر الثلاث الفائتة ، عجافا بكل معنى الكلمة ، استمر فيها التضييق على الارض والسكان ، واخضعت الضفة ، وليس القطاع وحده ، لاجتياحات متلاحقة ، ودخل السجون اضعاف المفرج عنهم ، ناهيك عن الوضع الكارثي في القطاع المحاصر. لا ندري من اين يأتي الرئيس عباس بتفاؤله هذا ، اذ حتى زملاؤه من قادة «معسكر الاحتلال العربي» بات الشك يساورهم في امكانية احراز اختراق على دروب السلام والتسوية النهائية ، وباتت تجتاحهم التساؤلات حول سر تفاؤل عباس ، وما اذا كان نابعا من «صفقات يجري اعدادها تحت الطاولة» او مسارات تفاوضية خلفية على طريقة مسار اوسلو ، لا يعرف بها احد ، ناهيك بالطبع ، عن حالة اليأس والاحباط التي تساور الفلسطينيين ، سلطة ومعارضة ، فتح وحماس ، غزة والضفة ، وصولا الى بعض افراد الاطقم التفاوضية. ايهود اولمرت ، شريك عباس في «رقصة التانغو» اعاد الاعتبار لنظرية «نزع القداسة عن المواعيد والتواريخ والاستحقاقات» وقال ان عام 2008 قد لا يشهد ميلاد الحل النهائي ، اما ايهود باراك ، شريك اولمرت في الحرب على غزة والزحف الاستيطاني على الضفة والقدس ، فيرى ان خمس سنوات بالكاد تكون كافية لتشكيل اجهزة امنية فلسطينية كفؤة وموثوقة لاستلام مهمة الامن في مدن الضفة الغربية ، اما متى ستنبلج شمس الحل النهائي ، فهذا ما لا يكلف باراك نفسه عناء التفكير فيه. خلال الايام القليلة الفائتة ، ردد رئيس الوزراء الاسرائيلي اكثر من مرة قوله انه اتفق مع الرئيس عباس على ارجاء التفاوض حول القدس الى نهاية المفاوضات نظرا لحساسية الملف ، لكن هذا الارجاء لم يتزامن مع ارجاء العمليات الاستيطانية والتهويدية التوسعية ، بل على العكس من ذلك ، فقد كرر اولمرت المرة تلو الاخرى ، بان الاستيطان في القدس ومستوطناتها لن يتوقف ابدا ، بل سيشهد تكثيفا في وتيرته ومعدلاته خلال الفترة المقبلة ، وبصورة سيتغير معها وجه القدس تماما ، وهذا ما تكشفت عنه ايضا المعلومات عن مشاريع التوسعة الاستيطانية للكتل الكبرى في القدس ومشروع «تغيير واجهة الشطر الشرقي من المدينة». كل هذه التطورات ، التي تتخطى الاقوال الى الافعال على الارض ، لم تغضب المفاوض الفلسطيني حتى الان ، ولم تدفعه الى تعليق المفاوضات جلسة واحدة فقط احتجاجا عليها ، او تأجيل موعد اجتماع مع اولمرت ، الامر الذي بات يشكل شاء المفاوض الفلسطيني ام ابى ، رغب في ذلك ام لم يرغب ، تغطية سياسية للهجمة الاستيطانية المنفلتة من كل عقال ، وتمكينا لاولمرت من شراء الوقت الذي يحتاجه لاستكمال مشروعه «الاحادي في المنطقة» تحت غطاء من دخان المفاوضات العبثية الكثيف. ان استمرار مسلسل المفاوضات جنبا الى جنب مع استمرار الحرب المجنونة على قطاع غزة ، وما يصاحبها من جرائم يندى لها جبين الانسانية ، وارتفاع حمى الاستيطان في الضفة وتهويد القدس ، امر لا معنى له ابدا ، وهو خيار سيضعف القيادة الفلسطينية ويظهرها عاجزة امام شعبها ، عارية من اي خيار ومجردة من اي ورقة ، من دون ان يكون لهذا «الهوس التفاوضي» او لهذا «التفاؤل المجاني» اية نتيجة من اي نوع وعلى اي مستوى. لكأننا امام عملية تقطيع فلسطينية للوقت كذلك ، بانتظار استحقاقات قادمة ، بعضها مرتبط بالصراع على السلطة وخلافة عباس ، وبعضها مرتبط بالصراع بين فتح وحماس. فيما الاسرائيليون يذهبون حتى نهاية الشوط في سرقة الارض ونهب الحقوق وقتل المواطنين وتدمير الحياة في مختلف المناطق الفلسطينية. عن صحيفة الدستور الاردنية 19/2/2008