لبنان أمام احتمالات مصيرية بعيدة المدى وليد السمور ما إن انتهى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله من إلقاء كلمته في حفل تشييع القائد العسكري للمقاومة الوطنية اللبنانية عماد مغنية في الضاحية الجنوبية لبيروت وتهديده إسرائيل بحرب مفتوحة إذا أرادت ذلك، حتى أثار هذا الخطاب تساؤلات كثيرة لدى أوساط سياسية ورسمية وشعبية لبنانية وعربية ودولية مفادها: هل تأكد الأمين العام للحزب أن إسرائيل هي التي اغتالت المسؤول العسكري عماد مغنية في العاصمة السورية دمشق كي يرد؟ وزير الخارجية السوري وليد المعلم أعلن للملأ أن التحقيق الذي تجريه الأجهزة المختصة، سوف يكشف قريبا الجهة المسؤولة عن ارتكاب جريمة الاغتيال وعندها يكون لكل حادث حديث، فلا يجوز إذن استباق التحقيق بتوجيه أصابع الاتهام إلى إسرائيل أو غيرها قبل انتهاء التحقيق كي يكون لرد حزب الله على الجريمة مبرر. ولهذا هل يرد حزب الله على إسرائيل إذا ثبت أنها هي التي قامت بعملية الاغتيال وذلك باستهداف مسؤولين فيها، أو باستهداف مسؤولين خارج أراضيها مثل الدبلوماسيين؟ وهل الحزب وتالياً لبنان الرسمي مستعد لمواجهة حرب جديدة وهو لم ينته بعد من تعويض المتضررين من حرب يوليو. هنا سوف يعود لبنان إلى العصر الحجري باعتبار أن الصدمة التي خلفها الطيران الإسرائيلي وصواريخه التي استخدمت في الأراضي اللبنانية للمرة الأولى، لم يستفق منها البلد والبشر والحجر حتى نعود إلى ما قام بإصلاحه الأشقاء العرب وفي مقدمتهم دولة قطر التي رفعت قيمة المساعدة بأضعاف ما كان مقررا لها تقديمه. نحن مع المقاومة ومع حزب الله على وجه الخصوص، لكن الحكمة والتعقل اللتين يمتلكهما سيد المقاومة حسن نصر الله يجب أن تجعلاه يعيد قراءة الخطاب مرة أخرى، وربما عشرات المرات، قبل أن نقدم على خطوة قد تكون النهاية الحتمية للبنان، الذي هو الآن في حال من الفراغ السياسي والتفكك هو سيد الموقف، ونذر الحرب فيما لو اندلعت ستأكل الأخضر واليابس وسيكون الحزب وجماهيره أكثر المتضررين باعتبار أن الذين استقبلوا المهجرين من الاخوة الجنوبيين لن يفتحوا الأبواب هذه المرة. ولهذا ننصح قيادة الحزب بعدم جر البلاد إلى معركة أخرى بعدما تبدل الحال كما في حرب يوليو الماضية، وهنا يتوجب على قيادة الحزب العودة إلى السلطة اللبنانية وإلى ما تبقى من مؤسساتها التي لاتزال تعمل ليتشاور معها حول كيفية مواجهة إسرائيل، عسكريا وسياسيا وحتى دبلوماسيا، وأن يعمل بسرعة فائقة لانتخاب العماد ميشيل سليمان لرئاسة الجمهورية باعتبار أن الجيش اللبناني وقيادته شاركا في صنع الانتصار للمقاومة وهم من شارك في العديد من صولات وجولات المقاومة إبان حرب التحرير، وهو ما يجعل التلاحم بين الجيش ورئاسة الجمهورية مع المقاومة حتميا تحسبا لكل مجهول. وهنا يطرح السؤال نفسه: هل يكتفي حزب الله وإسرائيل بتبادل أعمال الاغتيالات تجنبا لمواجهة عسكرية قد تشعل حربا في المنطقة، وتكون الحرب العالمية الثالثة التي كان الرئيس الأميركي جورج بوش قد حذر من احتمال نشوبها في المنطقة، فتنطلق من لبنان كما انطلقت الحرب العالمية الثانية من البلقان، وعندئذ لا تكون المواجهة بين حزب الله وإسرائيل فقط، بل بين المحور الأميركي ومن معه، والمحور الإيراني السوري ومن معه، ويتقرر في ضوء نتائجها مصير المشاريع المطروحة في المنطقة ومعها مصير الأنظمة؟ وهل في الإمكان حصول مواجهة بين حزب الله وإسرائيل مع وجود قوات دولية وجيش لبناني في منطقة الجنوب، بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1701، وأي مصير سيلقاه هذا القرار وأي موقف سيكون لمجلس الأمن في حال حصول هذه المواجهة، هل يقرر إرسال قوات دولية متعددة الجنسيات إلى المنطقة لخوض حرب قد تغير خريطة دول المنطقة، ويقوم عندئذ «الشرق الأوسط الجديد» الذي دعت الولاياتالمتحدة الأميركية إلى قيامه. وترى أوساط سياسية مراقبة أنه ينبغي انتظار نتائج التحقيق الذي تجريه الأجهزة السورية المختصة لمعرفة الجهة المسؤولة عن ارتكاب جريمة اغتيال القيادي عماد مغنية، فإذا كانت إسرائيل، فإن هذا يشكل عندئذ خرقا خطيرا لأمن سوريا من شأنه أن يجعل خطر الاغتيال يستهدف كثيرين مما يتطلب اتخاذ اجراءات لتحصين هذا الأمن لمنع خرقه، وإذا كانت غير إسرائيل، فإن صورة الوضع تصبح مختلفة والحسابات تصبح مختلفة أيضا. ولا تتوقع الأوساط نفسها أن تشعل جريمة اغتيال القيادي مغنية حربا بين إسرائيل وحزب الله، لأن لا حزب الله يريد أن يكون هو البادئ بها ويتحمل مسؤولية إشعالها، ولا إسرائيل كذلك، وقد يقتصر الأمر على الرد على الاغتيال باغتيال. ويتطلب الأمر معاودة البحث في تنفيذ بنود القرار 1701 وعدم الاكتفاء بنشر القوات الدولية مع الجيش اللبناني في المنطقة الحدودية مع إسرائيل لتصبح هذه الحدود وحدها هادئة، وهو هدوء لن يدوم إذا كانت المناطق الأخرى معرضة للاضطراب في أي وقت ولأي سبب، وأنه لا يكفي أن تنعم الحدود اللبنانية مع إسرائيل بالهدوء فيما لا تنعم به المناطق الأخرى، لأنه تعذر حتى الآن تمكين الدولة اللبنانية من بسط سلطتها على كامل أراضيها. وهكذا يتوجب على عقلاء المقاومة الوطنية اللبنانية، وما أكثرهم أخذ الحيطة والحذر في كل خطوة يقدمون عليها ويدرسون تبعاتها باعتبار أن الوضع اللبناني الأمني والاجتماعي والسياسي الهش لا يسمح بخطوات كاسحة في القريب العاجل، مع الأخذ بعين الاعتبار أن لبنان بسلطته التشريعية والتنفيذية يجب أن يساهم بقوة في اتخاذ قرار الرد. عن صحيفة الوطن القطرية 19/2/2008