طبول الحرب وشبح التسوية الذي يبتعد محمود الريماوي اغتيال القائد عماد مغنية بالصورة التي تم بها، يكشف أن حرب تموز لم تنته بعد كما قال أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله. هذه الحرب التي أبلى فيها مقاتلو حرب عصابات بلاء حسناً في مواجهة جيش متفوق في العتاد والتقنيات، يراد لها أن تستمر في جانب أساس منها باغتيالات القادة، وهو أسلوب دأبت عليه استخبارات الموساد في سجالها الطويل مع المقاومة الفلسطينية منذ أربعة عقود، حيث اغتيل عدد كبير من القادة داخل الأراضي المحتلة وخارجها ومعظمهم في الخارج. اغتيال مغنية يأتي في هذا السياق، مع الأخذ في الاعتبار أنه كان مطلوباً لتل أبيب ولسواها (42 دولة كما ذكرت مصادر إعلامية متطابقة)، ما يدل على تعاون عالي المستوى قد تم لإنجاز هذا الهدف. وقد لا يكون هناك من جديد نوعي في هذا الأمر، الذي يشكل لا شك اختراقاً أمنياً للأراضي السورية، كما لحلقة ما من حلقات المقاومة الإسلامية. الجديد أن هذا الاستهداف بات ينذر بتوسيع نطاق حرب تموز، إذا ما تجددت على نطاق واسع لتشمل هذه المرة أطرافاً إقليمية، هي سوريا بصفة مباشرة وإيران بصورة غير مباشرة، إضافة الى لبنان بالطبع. مع العلم أن تبادلاً للأسرى لم يتم بين حزب الله وتل أبيب، كما كان يتم بعد مواجهات سابقة. أما تحذير أمين عام حزب الله من حرب مفتوحة، فلا بد من أخذه بما يستحقه من جدية. وسوف تجد الدوائر الأمريكية ومعها دوائر أوروبية وغربية عدة في مثل هذا التطور في حال حدوثه، أنه موجة جديدة من موجات “الإرهاب العالمي". غير أن الأمر هذه المرة لن يتعلق باستهداف مدنيين “من صليبيين وكفار" حسب خطاب بن لادن، بل أهداف سياسية وأمنية. وهو ما يعيد إلى الأذهان أجواء السبعينات، أيام كان ينشط يسار عالمي متعدد الحلقات ويجد أصداء، وحتى قبولاً في بعض المجتمعات الغربية. ربما تغير الحال وتغير معه المزاج السياسي للشعوب، غير أن الدولة العبرية لم تكن جذرية في مطامحها العدوانية والتوسعية كما هي عليه هذه الأيام، بما يجعلها في طليعة دول العالم التي تمارس إرهاب الدولة المنظم والمعلن، وبما يجعلها تثير سخطاً متفجراً عليها، فيما تحتل إيران موقع الدولة الأكثر عداء وتهديداً للغرب في الوعي الغربي السائد، بما يستعيد صورة الاتحاد السوفييتي القديم. “الإسرائيليون" الذين لا يزالون يقرأون تقرير لجنة فينوغراد، عن الفشل في حربهم الأخيرة مع حزب الله، والثمن الباهظ الذي دفعه، ولا يزال يدفعه الأمريكيون في العراق وفي أفغانستان، قد يفترض أن يدفع هذه الأطراف للتحسب من إشعال حرب جديدة، لن تكون محدودة هذه المرة. غير أن الجموح “الإسرائيلي" لا حدود له ويعد دائماً بالمزيد منه. استهداف مغنية في قلب دمشق هو مثال أخير، فيما يتواصل في الأثناء خنق قطاع غزة، ورفض عودة السلطة لا حركة حماس إلى معبر رفح، مع إسكات المجتمع الدولي عن التدخل. يأتي هذا التطور قبل أسابيع من قمة عربية، قد تعقد أو لا تعقد في دمشق، وفي جميع الأحوال، فلا أجندة مسبقة ومعلومة لها تطمئن الرأي العربي العام على المستقبل. أما الوضع الداخلي في لبنان فيشهد، ويا للمفارقة، حرباً سياسية باردة بين الفرقاء، علماً أن الاستعداد لمواجهة أي خطر خارجي يتطلب حُكماً تماسكاً وطنياً وتسوية داخلية، وهو ما دأب العدو عليه حيث تتقارب الأحزاب المتنافسة مع تردد أول صدى لأول قرع لطبول الحرب. أما في لبنان فهناك ما يشبه الحرب بين الأطراف المتنازعة، بصرف النظر والتغاضي عما إذا كانت ستقوم حرب على الحدود وتستهدف الداخل أم لا، وكأنه يمكن لمجتمع سياسي متفكك ومنقسم على ذاته خوض الحرب بنجاعة. وبالنظر مجدداً في البعد الإقليمي لمواجهة مرتقبة ومحتملة، فالخلاف بين محور إيراني سوري وبقية المجموعة العربية، سوف يلقي بظلاله على أية تطورات دراماتيكية مقبلة، مما يهدد بانشطار أفقي وعمودي في العالمين العربي والإسلامي. فهناك التخوفات العربية، وبالذات الخليجية، من الملف النووي الإيراني. وهناك التحفظات العربية من تقويض المؤسسات الدستورية وبالذات مؤسسة الرئاسة اللبنانية، بما يباعد موقف دمشق عن سائر المجموعة العربية. كل ذلك ولبنان هو المهدد بعقابيل وتبعات أية مواجهة محتملة، علاوة على سوريا وبدرجة أقل إيران. وهو ما ينذر بانقسامات بنيوية تهدد تماسك وتجانس الكتلة العربية، إضافة إلى مخاطر المواجهات، وابتعاد طيف التسوية، أليس من اللافت أن هذه التطورات تأتي في غمرة البدء بمفاوضات أقرها محفل أنابولس، لكن الطرف الفلسطيني يقول وبصوت غير مسموع إن الطرف الآخر لا يريدها أن تبدأ بالفعل، فما يتم هو مجرد نقاش حول المفاهيم؟ وهو ما يدل على إمعان دولة الاحتلال في لعبة تكريس الأمر الواقع والإيهام المنهجي، بأن أموراً تتحرك إلى الأمام، فيما ينبىء واقع الحال أن الزحف الاستيطاني هو وحده من يتحرك تحت أنظار الجميع وتحت أقدام بعضهم. “هي فوضى" كما سماها يوسف شاهين في فيلمه الأخير. غير أن المسرح هذه المرة ليس سينمائياً متخيلاً، بل هو صراع مفتوح عبر الحدود وفي الأجواء وفي الدهاليز السرية لصانعي قرارات. عن صحيفة الخليج الاماراتية 18/2/2008