سباق بين العملية الاستيطانية والعملية التفاوضية!! هاني حبيب قبل وبعد مؤتمر أنابوليس، عمدت الحكومة الاسرائيلية إلى الاعلان عن استدراج عروض جديدة لبناء وحدات سكنية اضافية في جبل ابو غنيم "هارحوما"، وكانت الرسالة واضحة ازاء اختيار زمان مثل هذا الاعلان، وهو ببساطة لا تقبل التأويل وضع عراقيل أمام العملية التفاوضية على المسار الفلسطيني - الاسرائيلي التي قيل ان مؤتمر انابوليس وبعده مؤتمر باريس، هدفا إلى انطلاق العملية التفاوضية بشكل حثيث، ولامتصاص قوة الضغط الفلسطينية والاميركية. أكد رئيس الحكومة الاسرائيلية، ايهود اولمرت في حينه، انه أبلغ المسؤولين عن هذه العروض، بضرورة ابلاغه قبل أي اعلان من هذا القبيل، الامر الذي سمح بتراجع الضغوط، وباستئناف اللقاءات الفلسطينية الاسرائيلية على اساس ان هناك تراجعاً اسرائيلياً عن هذه العروض، في ذلك الوقت أشرنا إلى ضرورة اعادة قراءة ما قاله اولمرت بدقة، اذ انه لم يعلق بناء وتوسيع المستوطنات القائمة. بل امر المسؤولين بضرورة اطلاعه المسبق "في المستقبل" على مثل هذه العروض، ونعتقد ان الجانبين، الاميركي كما الفلسطيني، كانا يدركان ان اولمرت هدف إلى امتصاص ردود الفعل من دون ان يقدم على مراجعة أو تراجع فاعل عن القرارات المتعلقة باستدراج عروض جديدة لبناء وحدات سكنية اضافية شرق العاصمة الفلسطينية، القدسالمحتلة، الا ان الجانبين تجاهلا مثل هذا الادراك، لتبرير الاندفاع نحو استئناف اللقاءات، بهدف تفعيل توصيات مؤتمر أنابوليس، وبالفعل جرت مثل هذه الاجتماعات، مع ان قرار "مديرية ارض اسرائىل" لبناء 307 وحدة استيطانية جديدة في جبل ابو غنيم ظل ساري المفعول، وكأن شيئاً لم يكن، لانه بالفعل لم يكن هناك اي قرار حكومي بوقف هذا الاعلان باستدراج عروض البناء. وقبل يومين، نشرت "مديرية ارض اسرائىل" اسماء الشركات التي تقدمت بعروض اولية لتنفيذ المشروع، والتي ستتقدم بعروضها النهائية خلال شهرين على ان يتم انجاز بناء هذه الوحدات في غضون سنوات ثلاث. وهذا يعني بوضوح كامل ان "العملية الاستيطانية" في حالة سباق مع "العملية التفاوضية" الاولى تشق طريقها تحت بصر كافة الاطراف المتحمسة الى انعاش العملية الثانية، بينما هذه الاخيرة تظل في نقطة انطلاقها الاولى، من دون ان تتقدم، بل على العكس. تسير العملية الاستيطانية، جنباً الى جنب مع عمليات عسكرية اسرائيلية، تشكل اضافة حقيقية لجملة المعيقات التي تعترض سبيل انطلاق العملية التفاوضية، خاصة وان وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني، استثمرت الاعلان الاستيطاني، لتضيف عناصر جديدة لانطلاق العملية التفاوضية، بشروط تعتقد اسرائىل ان رفضها المؤكد من قبل الجانب الفلسطيني، سيساعدها في صياغة تبريرات اضافية لجمود العملية التفاوضية، ويتحملها بالتأكيد الجانب الفلسطيني، كما تهدف اسرائيل. الشروط الجديدة التي طرحتها ليفني، لاستئناف ونجاح العملية التفاوضية تتمثل في ايجاد حل لمشكلة حركة حماس في قطاع غزة، ووقف تام لقذائف القسام على جنوب اسرائيل، هذان الشرطان قامت وزيرة الخارجية الاسرائيلية بابلاغهما الى نظيرتها الاميركية كوندوليزا رايس لدى لقائها مؤخراً في واشنطن، هذان الشرطان الاسرائيليان، على الغالب تمت صياغتهما للرد على ضغط اميركي محتمل بشأن استمرار وتواصل العملية الاستيطانية، بحيث تبدو العقد والصعوبات امام العملية التفاوضية تنجم عن الوضع الفلسطيني وليس نتيجة لاجراءات اسرائيلية في طليعتها العملية الاستيطانية. رئيس هيئة الاركان الاسرائيلية السابق الجنرال دان حلوتس، وجد "حلاً" لاحد وربما لكلا شرطي ليفني، عندما قال لصحيفة "يديعوت احرونوت"، انه "في ظل الفوضى العارمة في قطاع غزة، والاسئلة العديدة التي ترافق العملية البرية المحتملة، يجب دراسة خيار آخر يتمثل في الحوار مع من يدير القطاع عملياً"، الحل الذي تقدم به حلوتس، لا يختلف في جوهره مع شرطي ليفني الا من حيث الشكل، اذ ان كليهما يعيد الكرة الى الجانب الفلسطيني باعتباره المشكلة الاساسية التي تعيق العملية التفاوضية، مع ان حالوتس اراد التراجع عن التفكير بعملية عسكرية اسرائيلية برية، من خلال اقتراحه بفتح باب الحوار مع حركة حماس التي تدير وتسيطر على قطاع غزة، مع انه - حلوتس معروف بمواقفه اليمينية المتشددة وصاحب نظرية: ان ما لا ينفع بالقوة يمكن ان ينفع بقوة أكبر وأكبر، وهذا ما يشير، كما نعتقد، الى ان عدم قيام اسرائيل بحملة برية واسعة لاجتياح قطاع غزة، يعود في بعض اسبابه، الى الابقاء على الوضع القائم الآن الذي يمد اسرائيل بالاسباب والمبررات لعدم المضي قدماً في العملية التفاوضية، ومواجهة الضغوط الاميركية والدولية، بذرائع يتحملها الجانب الفلسطيني العاجز عن تلبية اشتراطات ليفني المعلنة. التصريحات الفلسطينية المنتقدة والمنددة بالاشتراطات الاسرائيلية، والتي تتكرر باستمرار، لا يبدو انها صالحة لمواجهة اجراءات تتخذها اسرائىل على الارض، خاصة وان الدولة العبرية تعلم ان لا خيارات محددة أمام الجانب الفلسطيني سوى الاستمرار في عملية تفاوضية لم تفلح الجلسات والحوارات السابقة في انطلاقها، وفي نهاية الأمر، تعلم اسرائىل ان الفلسطينيين الذين لا يملكون اوراقاً حقيقية بيدهم، سيعودون دائماً للامتثال لاستمرار اللقاءات والحوارات على استمرار الشروط وتواصل العملية التفاوضية. من دون ان تشكل مرجعية مؤتمر أنابوليس أي ضغط حقيقي في مواجهة الاجراءات الاسرائيلية على اختلاف اشكالها، بينما تستثمر هذه المرجعية للضغط على الجانب الفلسطيني الذي بات ممولاً من مؤتمر باريس، والذي بدوره شكل أداة ضغط تهدف إلى تسهيل عبور الفلسطينيين إلى مفاوضات يتحمسون لها كثيراً من دون ان يجدوا اذناً صاغية في الشريك الآخر، الموغل في عمليته الاستيطانية بشكل حثيث!! عن صحيفة الايام الفلسطينية 17/2/2008