هل يتم انتخاب رئيس للبنان قبل قمة دمشق؟ مكرم محمد أحمد يبدو أن الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسي يملك هذه المرة بعض الأسباب التي تجعله أكثر تفاؤلا بإمكانية كسر حدة الأزمة اللبنانية في جولة مفاوضاته الثالثة في العاصمة اللبنانية التي تبدأ في الرابع والعشرين من هذا الشهر, وأن لديه من الشواهد ما يجعله يعتقد أن هناك فرصة ربما لاتكون مؤكدة في أن يجتمع مجلس النواب اللبناني أخيرا في السادس والعشرين من شهر فبراير لانتخاب العماد ميشيل سليمان قائد الجيش اللبناني الذي تتفق عليه الموالاة والمعارضة رئيسا للجمهورية بعد فشل المجلس في الانعقاد ثلاث عشرة مرة سابقة, بحيث يحضر الرئيس اللبناني المنتخب القمة العربية الدورية التي سوف تنعقد في دمشق في مارس القادم, ويلتئم شمل القمة بحضور عربي قوي تشارك فيه مصر والسعودية, حتي وإن اتفقت كل الأطراف علي إرجاء بحث تشكيل حكومة وحدة وطنية إلي مابعد إنتخاب رئيس الجمهورية وإنعقاد قمة دمشق. والواضح أن الامين العام عمرو موسي لايزال عازفا عن الإفصاح عن أسباب تفاؤله رغم الشرخ العميق الذي يفصل بين مواقف الموالاة والمعارضة وغياب الثقة بينهما الذي وصل إلي حد انعدام فرص الاتصال المباشر بين الفرقاء المختلفين, ورغم غموض الموقف السوري وإشاراته المتناقضة التي تؤكد مرة علي لسان وزير الخارجية السوري وليد المعلم, أن لبنان سوف يحظي برئيس جديد منتخب قبل انعقاد قمة دمشق وتؤكد مرة أخري أن مصالح سوريا الحيوية في لبنان ومصالح أصدقائها هناك ربما تفوق في أهميتها انعقاد القمة الدورية في دمشق, وان سوريا لن تستطيع أن تمارس ضغوطها علي أصدقائها في المعارضة اللبنانية كي تتنازل عن تمسكها بضرورة أن يكون لها ثلث مقاعد الحكومة الجديدة كي تتمكن من تعطيل القرارات المصيرية التي ترفضها, التي تشترط القواعد المرعية أن يتم الموافقة عليها بموافقة ثلثي أعضاء الحكومة, ورغم أن الزيارة غير المعلنة التي قام بها أخيرا وزير خارجية السعودية سعود الفيصل الي دمشق لم تحقق التقارب المنشود بين موقف الرياض التي لاتزال تصر علي ضرورة تعاون دمشق لتنفيذ المبادرة العربية بما يضمن انتخاب العماد ميشيل سليمان رئيسا للجمهورية وتشكيل حكومة وحدة وطنية تحفظ للأغلبية حقها في أن تكون أغلبية, وبين موقف دمشق الذي ينتصر لقسمة مقاعد حكومة الوحدة الوطنية بين الأغلبية والمعارضة والرئيس المنتخب بحيث يصبح لكل منهم ثلث مقاعد الحكومة, الأمر الذي ترفضه الأغلبية لأنه يعطل تسمية رئيس الوزراء ويعطل تعيين كبار المسئولين في الحكومة والقوات المسلحة الذين يدخل تعيينهم في اختصاص مجلس الوزراء. من أين إذن, يأتي تفاؤل الأمين العام عمرو موسي حتي وإن يكن هذا التفاؤل محدودا بإمكانية انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية قبل انعقاد قمة دمشق في ظل تباعد المواقف بين الأطراف المعنية خصوصا دمشقوالرياض, وانعدام الثقة بين الموالاة والمعارضة ؟! لعل الأمين العام, يراهن علي امكانية حدوث تغيير في مواقف الاطراف المختلفة في اللحظة الأخيرة, قبل أن يحل موعد انعقاد قمة دمشق بعد ستة اسابيع, يقرب بين الموالاة والمعارضة من خلال رسائل تطمينات يقترح تبادلها بين الجانبين لتهبط بنصيب الاغلبية في مقاعد حكومة الوحدة الوطنية مع الحفاظ علي أحقيتها في أن تكون أغلبية, وترفع نصيب المعارضة من مقاعد الحكومة دون تمكينها من الحصول علي الثلث المعطل لقرارات الحكومة, وتطمئن حزب الله علي عدم نزع سلاحه إلا في إطار وفاق لبناني كامل وسلام شامل في الشرق الاوسط, وتضمن عدم تسييس المحكمة الدولية اللبنانية التي تحاكم المتهمين السوريين واللبنانيين بإغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري, كما تضمن مشاورات مكثفة بين الموالاة والمعارضة لتسمية رئيس حكومة الوحدة الوطنية, ولعله يراهن أيضا علي أن القمة العربية سوف تنعقد بالضرورة في موعدها ومكانها مهما تكن تطورات الموقف اللبناني, لأن القمة الدورية أصبحت جزءا من ميثاق الجامعة العربية لايجوز التفريط في عقدها.. وربما تكون دمشق علي استعداد لتسهيل عملية انتخاب العماد ميشيل سليمان في اللحظة الأخيرة حفاظا علي نجاح القمة خصوصا أن انتخاب رئيس الجمهورية لن يحل كل المشاكل في غيبة تشكيل حكومة وحدة وطنية, وتعذر تعيين قائد جديد للجيش بدلا من العماد ميشيل سليمان, لأن تعيين قائد الجيش من صميم اختصاص مجلس الوزراء, الأمر الذي يبقي علي معظم أطراف الخيط في يد دمشق وأصدقائها في المعارضة اللبنانية. أغلب الظن أن هذه العناصر تدخل في حسبة الأمين العام لكن العنصر الأهم الذي ربما يدفع كل الفرقاء إلي الكف عن هذه المزايدات والمناورات علي حساب الوطن اللبناني هو إحساس غالبية اللبنانيين الذين ذاقوا مرارة الحرب الأهلية ويرفضون تكرارها بأنهم لايزالون يملكون إرادة جماعية قوية للتوصل الي حل سياسي يلجم شطط الأطراف المتصارعة علي الجانبين, وأنهم سئموا هذه اللعبة الخبيثة التي تجرهم الي حافة الحرب الأهلية لحساب قوي الخارج, والتي أضرت بصورة كل الفرقاء بلا استثناء, وأظهرت الجميع في صورة غير لائقة تمتهن كرامة لبنان لأنهم لايسعون جادين إلي استنقاذ وطنهم الصغير من لعبة صراعات الكبار. وثمة ما يؤكد أن غالبية اللبنانيين قد استاءت بالفعل من شطط تصريحات بعض ممثلي الأغلبية, الذين أرادوا أن يجمعوا حشدا بشريا غير مسبوق, ينزل إلي شوارع العاصمة اللبنانية في تظاهرات لاستعراض القوة, تساند الأغلبية في الذكري الثالثة لرحيل رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري وبالغوا في استخدام مفردات غاضبة, أخذت شكل التهديد الذي يقطع فرص تواصل الحوار الوطني, وينذر بتجدد الحرب الاهلية ويعد بالطلاق البائن مع حزب الله, كما فعل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط في تصريحاته المدوية التي كادت تشعل الموقف حريقا, لولا أنه عاد للتخفيف من حدة مواقفه ألزم استياء اللبنانيين من تصريحات وليد جنبلاط ممثلي الأغلبية العودة إلي لغة هادئة تؤكد استمرار الحوار ونبذ الصدام الاهلي والتمسك بانتخاب رئيس الجمهورية الجديد وفقا للتقاليد المرعية التي تتطلب موافقة ثلثي اعضاء مجلس النواب وليس بأغلبية النصف+ واحد التي يجيزها الدستور تمسكا بالوفاق الوطني. ثم جاء اغتيال عماد مغنية أحد القيادات العسكرية المهمة لحزب الله في عملية تفجير لسيارته خلال وجوده في دمشق, وضح فيها قدرة المتآمرين علي اختراق الأمن السوري والنفاذ الي قلب الدائرة الضيقة داخل حزب الله والوصول الي هذه الشخصية العسكرية المهمة, التي تتهمها واشنطن بتدبير عملية نسف السفارة الأمريكية ومقر مشاة البحرية الامريكية في بيروت عام83, لتؤكد للبنانيين جميعا, أن وقوع عملية الاغتيال في هذا التوقيت الذي تحشد فيه الأغلبية أنصارها في شوارع بيروت يمكن أن يكون سببا لاحتكاكات بين جمهور الموالاة وجمهور المعارضة الذي يضم جموعا غفيرة منظمة تنتمي الي حزب الله خرجت في اليوم ذاته لتشارك في توديع جثمان عماد مغنية إلي مثواه الأخير, وتفتح عيون المعارضة والموالاة معا علي ضرورة تفادي هذه الفتنة ووأدها, وأن السبيل الوحيد لتحقيق ذلك أن تمر احتفالات الذكري الثالثة لرحيل الحريري بسلام, وأن تضبط كل الاطراف تصرفاتها بما يحول دون اندلاع شرارة الفتنة التي يمكن أن تحرق لبنان, وأن دواعي الحكمة ربما تفرض علي الجميع الآن تنفيذ الجزء الأول من المبادرة العربية الذي يقضي بانتخاب رئيس الجمهورية المتفق عليه قبل اجتماع القمة العربية المقرر عقدها في دمشق, خصوصا أن المبادرة العربية تشكل المخرج الوحيد من هذا المأزق, ولم يعد مطروحا سواها علي الساحة السياسية, كما لم يعد هناك أفق آخر لتسوية الأزمة اللبنانية سلميا غير المبادرة التي يتفاوض بشأنها الأمين العام للجامعة العربية مع كل الأطراف اللبنانية إلي حد ألزم الأوربيين التوقف عن أيه وساطة اوروبية لتسوية الأزمة اللبنانية, بما في ذلك الوساطة الفرنسية, إلا أن يتم الأمر بالتوافق مع المبادرة العربية وبالتعاون مع الأمين العام عمرو موسي, وفي الوقت الذي تحدده الجامعة العربية. ومع صلة كل هذه الضرورات التي تجعل الامين العام أكثر تفاؤلا بإمكانية الوصول إلي انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبيل موعد إنعقاد القمة العربية المقرر عقدها في دمشق, إلا أن الغياب الكامل للثقة بين الأغلبية والمعارضة وإتمام كل منهما للآخر, في العلن وداخل جدران التفاوض المغلقة, بالعمل لحساب قوي الخارج, الاغلبية لحساب الولاياتالمتحدة وإسرائيل, والمعارضة لحساب سوريا وايران, يكاد يجعل الوصول إلي اتفاق بينهما في الجولة الثالثة لمفاوضات الامين العام التي سوف تبدأ في24 فبراير نوعا من المعجزة. ويكاد يستقر في اعتقاد الأغلبية, استنادا الي مصادر وثيقة الصلة من داخلها بعد اجتماعين عقدهما عمرو موسي مع ممثلي الموالاة والمعارضة في بيروت, أن العماد ميشيل عون ممثل المعارضة في هذه الاجتماعات يداور ويناور, لكنه لايريد حلا بالمرة وأنه يطرح صيغة المثالثة لتقاسم مقاعد الحكومة بين الرئيس المنتخب والموالاة والمعارضة10+10+10 ثم يعود لإنكار هذه الصيغة, ويتقدم بصيغة جديدة لتقاسم مقاعد الحكومة تسحب من الأغلبية حقها في أن تكون أغلبية وتحتفظ للمعارضة بالثلث المعطل لقرارات الحكومة, رغم المحضر الرسمي للاجتماع الذي أخطر الأمين العام للجامعة العربية إلي أن يعاود قراءته أكثر من مرة ليذكر كل الأطراف بمواقفها, وأن الهدف من هذه المناورات والمداورات كما تعتقد الأغلبية توسيع دائرة المشاكل بما يجعل حل الأزمة اللبنانية في الأمد المنظور أمرا متعذرا إن لم يكن مستحيلا! فالمعارضة كما جاء علي لسان المتحدث باسمها ميشيل عون تريد تسمية رئيس الوزراء ووزراء السيادة ابتداء من الداخلية الي العدل والخارجية والمالية والدفاع كما تريد قسمة مقاعد الحكومة علي أساس14 للأغلبية وخمسة لرئيس الجمهورية و11 للمعارضة بما يعني بقاء الثلث المعطل في يد المعارضة بدلا من اقتراحها السابق الذي يقضي بالمثالثة المتساوية بين الرئيس المنتخب والمعارضة والأغلبية. وتريد إضافة إلي ذلك ألا يقتصر الوفاق علي شخص رئيس الجمهورية بل يمتد الي رئيس الحكومة وقائد الجيش والي الخطوط الرئيسية لحكومة الوحدة الوطنية. وعندما سأل سعد الحريري ممثل الأغلبية العماد ميشيل عون ممثل المعارضة في الاجتماع الأخير الذي عقده الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسي في بيروت هل توافق المعارضة علي أن نذهب جميعا غدا إلي انتخاب رئيس الجمهورية إذا اعلنت الأغلبية موافقتها علي صيغة المثالثة في تقاسم مقاعد الحكومة التي طرحها ممثل المعارضة, تردد ميشيل عون في الاجابة, لكنه اضطر إلي أن يقول أخيرا, إن قبول الموالاة لفكرة المثالثة لايعني إنهاء المشكلة! وبرغم أن الموالاة قبلت بنص اقتراح الأمين العام الذي قدمه بصفة شخصية, الذي يعطي للأغلبية13 مقعدا و7 لرئيس الجمهورية و10 للمعارضة حتي يكون لرئيس الجمهورية وحده حق الترجيح ولا يكون هناك استئثار من الأغلبية أو تعويق من المعارضة, إلا أن العماد ميشيل عون أصر علي ضرورة الاتفاق علي كل صغيرة وكبيرة, بدعوي أن مسئولية الرئيس التوافقي هي تنفيذ ما تتفق عليه الموالاة والمعارضة ومايزيد من صعوبة الموقف أن الأغلبية تحس أن المعارضة تستدرجها إلي حائط مسدود, مالم تسلم الأغلبية بحق المعارضة في تعويق أي قرار حكومي. وفي هذا المناخ الملبد بغيوم كثيفة من شكوك متبادلة تتيح المزيد من فرص التدخل الخارجي لايبدو أن الأزمة في طريقها الي الحل, إلا أن تقع المعجزة بل لعل الأكثر توقعا أن تتبادل الأغلبية والمعارضة المواقع في جولة التفاوض الثالثة التي يبدأها عمرو موسي في بيروت بعد عشرة أيام بحيث تمتنع الموالاة عن الموافقة علي اختيار رئيس جديد للجمهورية مالم تتنازل المعارضة عن الثلث المعطل لقرارات الحكومة, بما يعني أن المتاهة مستمرة, وأن الحلقة المفرغة لاتزال تأخذ الجميع الي دائرة المجهول. عن صحيفة الاهرام المصرية 16/2/2008