أن يحصل المرء على بعض من هواء نقى يصلح للاستهلاك الآدمي في مثل هذه الأيام من كل عام أضحى أمراً عزيز المنال، خاصة وقد كُسيت سماء أريافنا - التي كانت جميلة - برداء أسود كئيب من ذاك الدخان المتصاعد من حقول الأرز التي أصر زارعوها إلا أن يضرموا النار - رغم كل التحذيرات والعقوبات - في قشه الأخضر مستعينين بزيت السيارات المرتجع لتحفيز النيران على حرقه والتهامه، وما ينشأ عن ذلك من عادم دخاني شديد الكثافة جعل من مسألة التنفس مسألة شاقة على أولى الصحة والقوة، فما بالنا بأطفال رُضع، وشيوخ رُكع، ومرضى يسألون الله رشفة من هواء نقى.
أن أعيش في قرى مصر ذات الأشجار والأزهار والزروع ثم لا أستطيع أن أتنفس.. فهذه عجيبة كبرى باتت في حياتنا واقعاً مريراً، لأن أيد غلب الجهل على حركتها، قد عبثت في نعمة الله المُطْلقة في كونه إلى كل خلقه، فأبت إلا أن تضيف بنداً جديداً في قائمة طويلة تحكى قصة تلويث البحر والنهر، والأرض والزرع..الخ، ولا أدرى إلى اي مصير بائس تدفعنا تلك الحماقات؟!.
ولذا فالأمر يحتاج إلى وقفة جادة وصارمة لبتر حالة اللامبالاة التي تشعبت في سلوكياتنا على نحو لم يسبق له مثيل، حتى وصل العبث إلى ما نأكل وما نشرب وما نتنفس، وأصبح النصح والإرشاد، أو اللوم والتوبيخ، ضرباً من ضروب الصياح الذي لا يسمن ولا يغنى من جوع، وكيف لا وقد تحول التلبد إلى شعار منقوش بمعولٍ من أنانية في ضمير الكثيرين وهم لا يشعرون، ومنهم أولئك الذين لوثوا حقنا في الهواء بلا حساب أو محاسبة.
إن سياسة زراعية وبيئية للتعامل العلمي مع قش الأرز، أضحت فرض عين على الوزارات المعنية لإيقاف التلويث العمدي للهواء، وما يترتب عليه من أضرار صحية بالغة الخطورة على صعيد المجتمع كله، والأمر هنا لا يجب أن يتوقف على مجرد التحذير أو التغريم، ولكن لابد من إيجاد بدائل علمية صحية للتعامل مع قش الأرز يلتزم بها الجميع، وأرى أن يتم ذلك كالآتي:-
(1) حصر المساحات المزروعة بالأرز سنوياً مع تدوين اسم الزارع قرين المساحة التي زرعها.
(2) إلزام الزارع بكبس قش الأرز وتشوينه على رأس الحقل ومنع التصرف فيه إلا بإذن من الجمعية الزراعية.
(3) قيام وزارة الزراعة بشراء بال القش فور قيام الفلاح بكبسه، ثم تسويقه إلى مصانع الأعلاف والورق.
(4) فحص التربة الزراعية عقب موسم حصاد الأرز للتأكد من عدم حرق قش الأرز فيها.
(5) تكثيف عمل لجان المرور والتفتيش على حقول الأرز وقت الحصاد وبعده.
(6) التوعية بلوحات إرشادية عن مخاطر وعقوبات حرق قش الأرز.
(7) توسيع دور الرسالة الإعلامية في التوعية بالمخاطر المترتبة على حرق قش الأرز.
(8) تغليط العقوبة على كل من يقوم بحرق قش الأرز. إن هواء نظيفاً هو حق لجميع أفراد المجتمع.
ولا يجوز - تحت أي مبرر - العبث به، أو حرمان الناس من التمتع به، وكل من سعى إلى تلويثه فكأنما سعى إلى الإضرار العمد بصحة المجتمع ككل، وعليه أن يتحمل نتيجة جرمه.