الداعية الاسلامي عمرو خالد قبل عدة أشهر كنت أجرى اختبارات لبرنامجى (مجددون)، وقابلت شبابا من مختلف البلاد والدول العربية، ولفت نظرى أن الشابات الصغيرات هن مشروع امرأة مسلمة مشرقة، لكن أكثر ما هزنى بقوة حين سألت إحداهن فى الأردن: «ماذا تريدين أن تكونى بعد عشر سنوات من الآن؟، فردت بمنتهى الفخر والتصميم: أريد أن أكون أم صلاح الدين».ياااااااه.
إجابة يخفق لها القلب ويفرح لها السامع.
وإذا نظرنا إلى التاريخ نجد النساء قد أنقذن المسلمين فى المواقف الحاسمة فى معركة اليرموك، لم يتمكن القائد العظيم خالد بن الوليد من وضع الخطة إلا بوضع دور أساسى للسيدات، لأن المسلمين كانوا ثلاثين ألفا والرومان مائتى ألف.. فجعل السيدات وراء آخر صف خلف الرجال المسلمين، وأمر كل سيدة أن تمسك بعصا خيمة وأن تضرب أى رجل يعود بعصا الخيمة فى فرسه. وفعلا فعلن ذلك..
فقال الزبير بن العوام وهو أشجع الشجعان.. والله ما كان الرومان أشد علينا من نساء المسلمين. ويبدو أن سيدنا خالد بعبقريته أدرك أن المسلمين قد يفرون فقد كانوا فى البداية.. والفارق ضخم بين عددهم وعدد الرومان. وبالفعل بعد نحو ساعة من بدء المعركة بدأ الرجال فى الفرار.. فماذا وجدوا؟ النساء يضربونهم بالعصى. ويا ترى من كانت تقود النساء فى ذلك؟ إنها هند بنت عتبة التى أكلت كبد سيدنا حمزة!!
وانقلبت من امرأة يملأ قلبها الحقد والغل إلى مدافعة عن الإسلام. وكانت تقول بأعلى صوتها: إلى أين يا حماة الإسلام؟ أمن الجنة تفرون؟ فأوجعهم كلامها أكثر من العصى.
وأتت زوجة أبى سفيان قائلة: إلى أين تفر يا أبا سفيان؟ أما كفاك ما فعلته مع رسول الله؟ كفر يا أبا سفيان عن سيئاتك!وهى التى قالت عندما قال زوجها من دخل دار أبى سفيان فهو آمن «اقتلوا هذا الحميس الدسم» أى المتحمس السمين.. فانظروا إلى النقلة فى حياتها. عاد أبوسفيان يقاتل حتى فقد عينه من شدة الجهاد..
وعندما عاد لها وهو فاقد عينه قالت له: اليوم يمكنك أن تلقى رسول الله وتقول له حاولت أن أكفِّر يا رسول الله. ومن ثم نجد أن النصر فى معركة اليرموك الحاسمة فى فتح سوريا والشام والأردن وهذه المنطقة كان بسبب النساء.. وكان النصر فى العراق فى معركة المثنى بن حارثة بسبب النساء أيضا.
لقد حبا الله المرأة بطبيعة عجيبة.. فعندما يدخل الإسلام قلبها وتعيش لرسالة فى حياتها.. تعيش للإسلام.. وتصبح أقوى وأفيد من مائة رجل. وفى المقابل، عندما تبتعد عن الله وتعيش للموضة والجمال فقط، تصبح زحزحة جبل أسهل من تليين قلبها لطريق الله.. فعاطفتها قوية ومن ثم فتكون قوية حيث توجهها. أما الرجل فلديه حسابات وتوازنات كثيرة، ولذلك تأخذ منه الدنيا الكثير.. ومساوئ الحياة والخوف على الرزق يؤثر عليه.
أما المرأة فعاطفتها بمثابة قوة دفع خرافية.. لذلك أرجوك أن تفكرى ما الذى يمكنك أن تفعليه لتجعلى بيتك ومن حولك موصولا بالله؛ جيرانك؛ عائلتك، وإن كانت معلوماتك الدينية قليلة فليست هذه بمشكلة. احضرى من يعلمك القرآن، واجمعى جيرانك يوما فى الأسبوع لتعلم القرآن، وقولى لزوجك كما كانت الصحابيات يقلن لأزواجهن:
«بالله عليك اتق الله فينا فإننا نصبر على الجوع ولا نصبر على الحرام». ولتكن أمنيتك أن يكون ابنك صلاح الدين.. وإن لم يكن صلاح الدين بنفسه فليكن من أبناء صلاح الدين.
السيدات عندما يحملن القضية فى قلوبهن يستطعن بدفعة واحدة أن يحركن الأمة عشرين سنة للأمام بينما يحتاج الرجال عشرين سنة لكى يقدموا دفعة مثيلة.
هناك قصة عجيبة أود إخباركم بها.. كان يتساقط العديد من الرجال فى عهد سيدنا موسى ولم تثبت الأمة إلا بامرأة.. ثبتت الأمة كلها بثبات هذه المرأة..
أم صلاح الدين (2)
تحدثنا أمس عن تساقط العديد من الرجال فى عهد سيدنا موسى ولم تثبت الأمة إلا بامرأة.. ونتحدث عن هذه المرأة اليوم.
إنها ماشطة بنت فرعون ، سيدة بسيطة.. ليست غنية أو مثقفة.. كيف عرفنا أنها فقيرة؟ لأنه بالرغم من أنها مؤمنة إلا أنها تعمل ماشطة بنت فرعون لتنفق على أبنائها الأربعة فهى فقيرة.
وفى مرة وهى تمشط ابنة فرعون سقط منها المشط فقالت بدون أن تقصد باسم الله.. لأن الإناء ينضح بما فيه.. وعندما تغمر حلاوة الإيمان القلب يقول اللسان ما بالقلب دون أن يشعر. وعندما سمعتها ابنة فرعون قالت لها: أبى؟ فلم تجد المرأة بدا من المواجهة.. فقالت المرأة: ربى وربك الله ورب أبيك الله! فقالت الفتاة: أو لك رب سوى أبى؟ لأخبرن أبى.
فلتنظر إلى مقاييس المرأة هنا لأنها تختلف عن الرجل الذى يحسب مقاييس لكل شىء.. لأن عليه مسئوليات الأسرة والأبناء. أما المرأة فلها مقاييس أخرى وعواطفها هى التى تحركها.
أتى فرعون بها وسألها: أو لك رب سواى؟ فقالت المرأة: ربى وربك الله! فقال: لا بأس.. لا بأس.. ألها أولاد؟ قالوا: لها أربعة أولاد. فقال: ائتوا بهم. فقال: ائتوا ببقرة من نحاس وأشعلوا فيها النار؟
وسألها أو لك رب سواى؟فقالت المرأة: ربى وربك الله! فأخذوا ابنها الأكبر أمام عينيها وقذفوا به فى البقرة النحاس واشتد صراخه إلى أن تلاشى فى ثوان وصار رمادا.. كل هذا والمرأة تقول: ربى وربك الله! وأخذوا باقى أبنائها الواحد تلو الآخر وهى ثابتة على عبارة ربى وربك الله! إلى أن وصلوا لابنها الرابع الذى كان رضيعا فلم تعد تحتمل فجاء التثبيت من عند الله.
نطق الرضيع فى المهد قائلا: يا أمى إنك على الحق فلا تخافى! وأخذ ابنها الرضيع وألقى به فى النار أمام عينيها وهى تقول: ربى وربك الله. فيقول فرعون اقتلوها..
وهذا من رحمة الله عليها لتلحق بأبنائها.. ويلقى بالمرأة فى النار.. وها هى ذا تبقى رمزا للأمة كلها.. تبقى رمزا للجميع فى الثبات على الحق مهما كلفها الأمر.
ولكن قصة هذه المرأة لم تنته عند هذا الحد.. فبعد آلاف السنين عندما اخترق رسول الله (ص) السماوات العليا فى رحلة الإسراء والمعراج، يشم رائحة عطرة تملأ السماء فسأل جبريل: ما هذه الرائحة العطرة التى تملأ السماء؟
فقال له جبريل: هذه رائحة ماشطة فرعون وأبنائها الأربعة، أبدلهم الله رائحة الحريق برائحة تملأ أرجاء السماء.
سنموت جميعا.. ولكن بعضنا ستصير رائحتهم عفنة.. والبعض ستنتهى رائحتهم بوفاتهم وتنتهى سيرتهم بوفاتهم.. والبعض عندما تأتى سيرته بعد وفاته تملأ الرائحة الطيبة أرجاء الأرض.. والبعض ينبئ أبناؤهم بسيرتهم فعندما ترى الأبناء تعرف أن آباءهم كانوا نعم الآباء.. وهناك من تهتدى وتموت فيحفظ لها الله ذريتها ويكون أبناؤها متدينين وأحفادها متدينين للحفيد السادس والسابع وهذا ثابت فى القرآن «ذرية بعضها من بعض».
لن يكون هناك أمل إذا كانت علاقتنا بالدين محدودة تنحصر فى الاستماع فقط.. يجب أن نتحول من مستمعين لفاعلين.. يمكن أن يكون سيدتى دورك أعظم كثيرا من دورى، أنا أذكركم فقط.. أما أنت فيمكنك أن تحولى الكلام النظرى إلى كلام عملى..
وهناك العديد من الأفكار: يمكن لإحداكن أن تهتم بالأيتام وتعريفهم بالله. ومن تعمل (فى إطار محافظ على الشرع بالطبع) يمكن أن تهتم بدعوة زملائها فى الله وتساعد على إفاقة الزملاء والرجال وتعريفهم بالدين وتكون فى ذلك مثل هند بنت عتبة.
ويمكن لأخرى أن تركز مجهودها على ابنها وتجعل منه صلاح الدين. وأخرى تدعو جيرانها فى الله.. وغير ذلك من العديد من النماذج. فلتخرج كل منكن بقناعة وهى أنها قادرة على أن تفعل شيئا مفيدا.