تحدثنا أمس عن تساقط العديد من الرجال فى عهد سيدنا موسى ولم تثبت الأمة إلا بامرأة.. ونتحدث عن هذه المرأة اليوم. إنها ماشطة بنت فرعون ، سيدة بسيطة.. ليست غنية أو مثقفة.. كيف عرفنا أنها فقيرة؟ لأنه بالرغم من أنها مؤمنة إلا أنها تعمل ماشطة بنت فرعون لتنفق على أبنائها الأربعة فهى فقيرة. وفى مرة وهى تمشط ابنة فرعون سقط منها المشط فقالت بدون أن تقصد باسم الله.. لأن الإناء ينضح بما فيه.. وعندما تغمر حلاوة الإيمان القلب يقول اللسان ما بالقلب دون أن يشعر. وعندما سمعتها ابنة فرعون قالت لها: أبى؟ فلم تجد المرأة بدا من المواجهة.. فقالت المرأة: ربى وربك الله ورب أبيك الله! فقالت الفتاة: أو لك رب سوى أبى؟ لأخبرن أبى. فلتنظر إلى مقاييس المرأة هنا لأنها تختلف عن الرجل الذى يحسب مقاييس لكل شىء.. لأن عليه مسئوليات الأسرة والأبناء. أما المرأة فلها مقاييس أخرى وعواطفها هى التى تحركها. أتى فرعون بها وسألها: أو لك رب سواى؟ فقالت المرأة: ربى وربك الله! فقال: لا بأس.. لا بأس.. ألها أولاد؟ قالوا: لها أربعة أولاد. فقال: ائتوا بهم. فقال: ائتوا ببقرة من نحاس وأشعلوا فيها النار؟ وسألها أو لك رب سواى؟فقالت المرأة: ربى وربك الله! فأخذوا ابنها الأكبر أمام عينيها وقذفوا به فى البقرة النحاس واشتد صراخه إلى أن تلاشى فى ثوان وصار رمادا.. كل هذا والمرأة تقول: ربى وربك الله! وأخذوا باقى أبنائها الواحد تلو الآخر وهى ثابتة على عبارة ربى وربك الله! إلى أن وصلوا لابنها الرابع الذى كان رضيعا فلم تعد تحتمل فجاء التثبيت من عند الله. نطق الرضيع فى المهد قائلا: يا أمى إنك على الحق فلا تخافى! وأخذ ابنها الرضيع وألقى به فى النار أمام عينيها وهى تقول: ربى وربك الله. فيقول فرعون اقتلوها.. وهذا من رحمة الله عليها لتلحق بأبنائها.. ويلقى بالمرأة فى النار.. وها هى ذا تبقى رمزا للأمة كلها.. تبقى رمزا للجميع فى الثبات على الحق مهما كلفها الأمر. ولكن قصة هذه المرأة لم تنته عند هذا الحد.. فبعد آلاف السنين عندما اخترق رسول الله (ص) السماوات العليا فى رحلة الإسراء والمعراج، يشم رائحة عطرة تملأ السماء فسأل جبريل: ما هذه الرائحة العطرة التى تملأ السماء؟ فقال له جبريل: هذه رائحة ماشطة فرعون وأبنائها الأربعة، أبدلهم الله رائحة الحريق برائحة تملأ أرجاء السماء. سنموت جميعا.. ولكن بعضنا ستصير رائحتهم عفنة.. والبعض ستنتهى رائحتهم بوفاتهم وتنتهى سيرتهم بوفاتهم.. والبعض عندما تأتى سيرته بعد وفاته تملأ الرائحة الطيبة أرجاء الأرض.. والبعض ينبئ أبناؤهم بسيرتهم فعندما ترى الأبناء تعرف أن آباءهم كانوا نعم الآباء.. وهناك من تهتدى وتموت فيحفظ لها الله ذريتها ويكون أبناؤها متدينين وأحفادها متدينين للحفيد السادس والسابع وهذا ثابت فى القرآن «ذرية بعضها من بعض». لن يكون هناك أمل إذا كانت علاقتنا بالدين محدودة تنحصر فى الاستماع فقط.. يجب أن نتحول من مستمعين لفاعلين.. يمكن أن يكون سيدتى دورك أعظم كثيرا من دورى، أنا أذكركم فقط.. أما أنت فيمكنك أن تحولى الكلام النظرى إلى كلام عملى.. وهناك العديد من الأفكار: يمكن لإحداكن أن تهتم بالأيتام وتعريفهم بالله. ومن تعمل (فى إطار محافظ على الشرع بالطبع) يمكن أن تهتم بدعوة زملائها فى الله وتساعد على إفاقة الزملاء والرجال وتعريفهم بالدين وتكون فى ذلك مثل هند بنت عتبة. ويمكن لأخرى أن تركز مجهودها على ابنها وتجعل منه صلاح الدين. وأخرى تدعو جيرانها فى الله.. وغير ذلك من العديد من النماذج. فلتخرج كل منكن بقناعة وهى أنها قادرة على أن تفعل شيئا مفيدا.