قراءة في آفاق الانتخابات الروسية القادمة محمد بن سعيد الفطيسي تشكل انتخات الرئاسة الروسية القادمة والمقررة بتاريخ 2 مارس 2008 م , أهمية بالغة للكثير من دول العالم بوجه عام , والشعب الروسي على وجه التحديد , حيث يتوقع لها أن تكون واضحة المعالم بحسب الصورة المبدئية للمرشحين , وخصوصا في ظل وجود احد مرشحي الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين , والذي ستنتهي فترة رئاسته الأخيرة خلال العام الجاري , مع أن التوقعات تنصب حول بقاءه في دائرة القرار السياسي الروسي . وذلك من خلال قبوله لمنصب رئيس الوزراء في حال نجاح خليفته المتوقع ديمتري ميدفيديف نائب رئيس الحكومة الحالية , وهو ما نتصوره جزءا من سياسة إغلاق الدائرة , - أي - بقاء السلطة بشقيها التشريعي والتنفيذي تحت سيطرة مؤسس روسياالجديدة , - ونقصد - الرئيس الروسي فلاديمير بوتين , والذي ينظر إليه الكثير من الروس على انه الرجل الذي صنع لروسيا مكانا بين أمم العالم القوية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي , - أنظر مقالنا , في ظلال الهيمنة - وهنا نشير من خلال هذا الوضع تحديدا , الى بقاء السياستين الخارجية والداخلية لروسيا خلال فترة رئاسة الرئيس الروسي القادم , في حال نجاح المتوقع نجاحه - أي - ديمتري ميدفيديف , دون تغيير جذري في كثير من السياسات الروسية على المستويين الداخلي والخارجي. لذا فإننا ومن خلال هذا الطرح المختصر , سنحاول سبر أغوار الانتخابات الرئاسية الروسية القادمة على اتجاهين , أولهما من خلال استقراء حركة الانتخابات الداخلية , ومعرفة الاتجاهات السياسية الأكثر فاعلية , ومدى تأثير تاريخ ومكانة وشعبية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على سير الانتخابات الرئاسية القادمة , كما أننا سنتطرق الى انعكاسات هذه الانتخابات على الداخل الروسي , وخصوصا على مسيرة الاقتصاد والتنمية بعد النجاح الفائق الذي استطاع أن يحققه بوتين في هاذين الجانبين , والاتجاه الآخر هو من خلال التطرق الى أهميتها العالمية وذلك باستقراء تأثيراتها المستقبلية على السياسة الخارجية الروسية , ومدى ما يمكن أن تخلقه التطورات المستقبلية لهذه الانتخابات , في حال نجاح مرشح حزب روسيا الموحدة على بعض القضايا الدولية. فبداية ثبتت لجنة الانتخابات المركزية الروسية 4 مرشحين وخصوصا بعد استبعاد ميخائيل كاسيانوف رئيس الحكومة السق , وذلك بسبب وجود أخطاء كثيرة في اللوائح التي تضم أسماء المواطنين الموءيدين لترشيحه , كما أوضحت ذلك نفس اللجنة , حيث أشارت إلى وجود أخطاء كثيرة في اللوائح التي تضم أسماء المواطنين المؤيدين لترشيح كاسيانوف , حيث بلغت نسبتها 13.36 بالمائة أي أنها تجاوزت ثلاث مرات تقريبا النسبة المسموح بها وهي 5 بالمائة . ( والمعروف أن التشريعات الانتخية الروسية تنص على أن يجمع المرشح إلى الانتخابات الرئاسية مليوني توقيع من المواطنين الذين يؤيدون ترشيحه ولا تسجل لجنة الانتخابات المركزية اسم المرشح رسميا إلا بعد التأكد من صحة هذه التواقيع , بينما يستبعد من هذا الشرط الأشخاص الذين ترشحهم أحز ممثلة في مجلس الدوما ) ليبقى في نهاية المطاف , ديمتري ميدفيديف نائب رئيس الحكومة الحالية , ومرشح حزب روسيا الموحدة الحاكم , وغينادي زوغانوف مرشح الحزب الشيوعي الروسي , وفلاديمير جيرينوفسكي مرشح الحزب الليبرالي الديمقراطي , واندريه بوغدانوف مرشح الحزب الديمقراطي الذي جمع مليوني توقيع تأييدا لترشيحه , في حين أن المرشحين الثلاثة الأوائل يمثلون أحزا ممثلة في مجلس الدوما. وبالنظر إلى قائمة المرشحين السقة , وكما يتوقع الكثير من المحللين والمراقبين لآفاق الانتخابات الروسية القادمة , فان المرشح الأكثر حظا للوصول الى كرسي الرئاسة هو ديمتري ميدفيديف نائب رئيس الحكومة الحالية ورئيس ديوان الكرملين سقا , وذلك لأسب كثيرة رزها , انه مرشح حزب روسيا الموحدة الحاكم " صاحب الأغلبية البرلمانية ", والذي يمثل تيار وفكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشكل رئيسي, وبالتالي فإنه مدعوم سلفا من قبل الرئيس بوتين ومؤيديه , ونحن نعلم ما يمثله ذلك الدعم الشخصي للرئيس بوتين للمرشح الجديد , من الناحيتين الشعبية والسياسية , وبما أن ديمتري ميدفيديف يعتبر امتدادا آخر لشخصية بوتين بجميع عادها , الاستبدادية المستنيرة في الداخل , والقومية التي تجمع النقيضين المستحيلين البراغماتية والتشدد على مستوى السياسة الخارجية , فإننا نستطيع أن نقول بأنه وباختصار شديد هو بوتين آخر , ولكن بهيئة جديدة. ( وبالفعل يمكن القول إن بوتين هو من صنع الخليفة ميدفيديف منذ أن عمل الأخير معه في لجنة العلاقات الاقتصادية التي ترأسها الأول في مدينة بطرسبرج , وقد تخرج ميدفيديف في عام 1990 م من كلية الحقوق بجامعة لينينغراد حاملا درجة الدكتوراه في القانون المدني , وهي نفس الجامعة التي تخرج فيها بوتين في عام 1975, وعين ميدفيديف مستشارا قانونيا للجنة العلاقات الاقتصادية في بلدية سان بطرسبرغ في عام 1991 م . عندما كان بوتين يترأس هذه اللجنة ويشغل منصب نائب عمدة بطرسبرغ , وفي أغسطس 1999 م عندما تولى بوتين رئاسة الحكومة الروسية , دعا ميدفيديف للعمل معه نائبا لرئيس الجهاز الإداري للحكومة , وفي نوفمبر من العام المذكور ُعين ميدفيديف نائبا لرئيس ديوان الكرملين , عندما أصبح بوتين رئيسا لروسيا بالوكالة , وبعد تنحي الرئيس السق بوريس يلتسين عن الحكم في 31 ديسمبر 1999م , ترأس ميدفيديف الحملة الانتخية لبوتين في الانتخابات الرئاسية عام 2000 م . وفي عام 2002 عين بوتين ميدفيديف رئيسا لمجلس إدارة شركة "غاز بروم" الروسية العملاقة ، وفي عام 2003 تولى الخليفة رئاسة ديوان الكرملين , وفي 2005 عينه بوتين نائبا أولا لرئيس الوزراء ) , ونلاحظ من خلال هذه السيرة الذاتية القصيرة لخليفة بوتين القادم - أي - ميدفيديف ، مدى ارتباطه بالرئيس بوتين تاريخيا وسياسيا وحتى نفسيا , وبالتالي فإن مصير الأول كما يراه الكثير من المراقبين , يرتبط كثيرا بقوة , بمسيرة الثاني وشعبيته , وذلك بحد ذاته يعتبر ورقة رابحة تزيد من فرص نجاح ميدفيديف في الانتخابات الرئاسية الروسية القادمة , وبالطبع فإن ذلك الارتباط لا يقلل من شأن وشخصية وتاريخ المرشح ميدفيديف , حيث إن سيرته الشخصية تعطي انطباعا طيبا حول مكانته وقدراته الشخصية على قيادة روسيا. أما عن مستقبليات الاتجاه الآخر وهو تأثير تلك الانتخابات على الداخل الروسي , وعلى وجه التحديد على مسيرة التنمية والاقتصاد والإنتاج , فإننا نضع احتمالاتنا القادمة على أساس نجاح المرشح الأكثر قوة , وهو مرشح حزب روسيا الموحدة ديمتري ميدفيديف , ولهذا فان هذا الجانب في حال نجاحه , وعلى وجه الخصوص في حال قبول بوتين منصب رئيس الوزراء , سيظل مجرد امتداد لخطط الاقتصاد والإنتاج والقوي الذي ارسي قواعده هذا الأخير . والذي نجح خلال فترة حكمه الثانية على وجه التحديد و وخصوصا خلال السنتين الأخيرتين منها , في وضع الاقتصاد الروسي في مكانة لم يصل إليها منذ عقود طويلة , فعلى سبيل المثال حقت روسيا إنجازات كثيرة لا تنكر في المجال الاقتصادي خلال عام 2006 , ويكفي شاهدا على ذلك أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الروسي بنسبة تقارب 7% خلال عقد كامل من الأعوام . كما نلاحظ انه لم يزد معدل التضخم لأول مرة عن 10% , ووصل احتياطي روسيا من الذهب والنقد الأجنبي إلى أعلى مستوياته , كما لم تشهد ( روسيا نموا اقتصاديا في بداية أي عام كالنمو الذي حققه الاقتصاد الروسي في بداية عام 2007 م , حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4ر8% منذ بداية العام , بينما ارتفع الإنتاج الصناعي بنسبة 6ر8% , كما سجل قطاع التجارة بالمفرق نموا بنسبة 9ر13% في يناير وفبراير من عام 2007 م , وفي الوقت نفسه ارتفع حجم رؤوس الأموال المستثمرة في مشاريع البنية التحتية بنسبة 2ر21%. وازدادت قيمة الأجور والرواتب في روسيا في الفترة ذاتها بنسبة 5ر17 ) , وبمعنى آخر , سيبقى الاقتصاد الروسي خلال السنوات الرئاسية القادمة في حالة من الاستقرار والثبات , وسيتجه نحو مزيد من الإنجازات المرسومة سلفا بحسب نهج الرئيس بوتين , أو رئيس الوزراء المحتمل. أما في الجانب الآخر , ونقصد انعكاسات نجاح ديمتري ميدفيديف نائب رئيس الحكومة الحالية , ومرشح حزب روسيا الموحدة الحاكم على السياسة الخارجية الروسية , فإنها ستكون تقليدية كثيرا ولا تختلف عن التوجهات السياسية الخارجية السابقة , حتى في حال رفض بوتين قبول منصب رئيس الوزراء , وقد أكد هذا التوجه المستقبلي وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف يوم الأربعاء الموافق 23 / 1 / 2008 حيث قال : إن السياسة الخارجية الروسية لن تتغير اثر الانتخابات الرئاسية في الثاني من مارس , والتي يعتبر ديمتري مدفيديف الخليفة المعين لفلاديمير بوتين الأوفر حظا للفوز فيها , وقال لافروف خلال مؤتمره الصحفي السنوي أمام الصحافة الدولية . ( أنا على يقين من أن نتائج الانتخابات الرئاسية ستظهر تواصل سياستنا الخارجية , وأضاف: إن توجهات الرأي العام تظهر أن المواطنين الروس يدعمون عموما السياسة الخارجية للبلاد) ويقوم ديمتري مدفيديف الذي يشغل حاليا منصب نائب رئيس الوزراء بحملة تتمحور على الاستمرارية . مقترحا أن يصبح بوتين بعد الانتخابات رئيسا للوزراء , ودافع مدفيديف أمس الأول عن عودة روسيا إلى دورها كقوة عظمى عالمية ، غير أنه تبنى لهجة أقل تشددا من بوتين ، معتبرا إن من الضروري أن نتفهم الغربيين "الذين لا يزالون يخافون" روسيا.- وبمعنى آخر - ستظل السياسة الخارجية الروسية متشددة كما كانت على عهد بوتين تجاه قضايا معينة كقضية الدرع الصاروخي في شرق أوروبا , أو حيال التوسع الجيواستراتيجي الاميركي في هذه الأخيرة , مع التأكيد على اتساع دائرة السياسة الصلبة تجاه بعض القضايا المشابهة . وخصوصا تلك التي تمس مكانة وسمعة روسيا وأمنها القومي , و تزايد وتيرة سياسة عرض العضلات بين روسياوالولاياتالمتحدة الاميركية , مما سيعمق الجراح وسيزيد علاقاتهما توترا خلال السنوات المقبلة , رغم المحاولات التي ستبذل نحو مسيرة التقارب تجاه الغرب , وعلى وجه التحديد , تجاه الولاياتالمتحدة الاميركية , هذا من جهة , أما من جهة أخرى . فستحاول روسيا قدر استطاعتها تشكيل جبهة مقاومة واحتواء مع الصين ضد الهيمنة الاميركية , - انظر مقالنا , روسيا والصين وحوار الدائرة المغلقة - وسيكون هناك تقارب سياسي واقتصادي اكبر مع الدول العربية , وخصوصا تجاه بعض القضايا ذات الاهتمام المشترك , وخصوصا تلك التي تمس مصالح روسيا الاقتصادية في نطاق حزام مصالحها الجيواستراتيجية بشكل عام , ودول الشرق الأوسط على وجه الخصوص. عن صحيفة الوطن العمانية 4/2/2008