إن ثورة صنعها الله وأنبتها ورواها حتى أتت أكلها ,لا يمكن أن تهزمها مكائد مبارك وعصابته , بل أن تحدى الثورة المصرية قد يعد فى حد ذاته تحديا لإرادة الله التي قهرت وعرت كل حيل الخداع والكذب والتسطيح والتجهيل التي دأب مبارك وعصابته سقاية الشعب بها طيلة ثلاثين عاما عجفاء مضت.
ان إرادة الله هي التي أنارت بصيرة شعب ظل يخدع حتى اللحظة الأخيرة , وظل المٌخادع يضرب بشدة على أطناب ما خلفه فيهم من أمية , وأمية متعلمين , وانتهازية مثقفين وهم الفئة التى حاول مرارا وتكرارا شراء ضمائرهم بمصالحهم وسقايتهم فنون الانوية والانتهازية .
علما بأن نحو 35 % من الشعب المصري لا زال أميا لا يجيد الكتابة والقراءة , فى حين أن نصف النسبة الباقية تعانى من أمية المتعلمين, فى حين ان نسبة كبيرة من المثقفين رضخت لإغراءات وذهب المعز.
أليس الخروج من هذه المعادلة القاسية بانتصار إرادة الحق والخير والثورة هو فى حد ذاته انجاز يصل الى حد الإعجاز؟
ألم يكن انحياز الجيش إلى صالح الشعب أمرا غير متوقع هذه المرة قياسا بتدخله لصالح النظام فى انتفاضة الخبز 1977 وأحداث الأمن المركزى 1986 .
وقد تجلى انحيازه للثورة فى صور شتى ومنها الجبهوى كقيامه بتأمين نحو 12 مدخلا من اصل 13 مدخل لشوارع تؤدى الى ميدان التحرير كان من الممكن أن يقوم بلطجية مبارك بالهجوم على الثوار من خلالهم , فيخلفوا اكبر وأبشع مجزرة حدثت فى تاريخ مصر , ثم راح يترك المدخل المطل على ميدان عبد المنعم رياض ليكون شاهدا على حجم وقاحة وبلطجة أنصار مبارك.
بكل صراحة .. أعجب من الذين دأبوا على مهاجمة المجلس العسكري الحاكم فى مصر بسبب وبدون سبب , نعم هناك تباطؤ فى القبض على المجرمين فى النظام البائد ولكن يجب ألا نغفل ان تركة الفساد التى خلفها الرئيس المخلوع كانت ثقيلة للغاية .
ولا يمكن ان نصلح فى90 يوما جل ما أفسده مبارك فى 30 عاما , ومع ذلك فان ما تحقق حتى الان من انجازات ما كان ليتخيله حتى ابدع المبدعين خيالا.
كما اننى , والشهادة لله , احترم بشدة ادوار جميع رجال المجلس العسكرى طيلة هذه الفترة , لانه لم يستطع مصرى واحد ان يسجل للمشير طنطاوى والفريق عنان انفرادا بالقرارات , بل ولم يسجل لأى منهما ظهورا إعلاميا .
لقد بدا المجلس العسكرى – رغم كل محاولات التشكيك والوقيعة بينه وبين شعبه – ديمقراطيا لابعد مدى , حريص بصدق على نقل مصر من التخلف والفساد والاستبداد الى طور الدول القوية المتقدمة , ولم يقدم ابطال جيشنا العظيم مصالحهم الشخصية على مصلحة وطنهم .
كنا ننتقد التباطؤ فى تقديم مبارك للمحاكمة , وكنا نقول ان كل ما يقوله – العسكريون - بخصوص ذلك مجرد وعود وتطمينات هدفها كسب الوقت وتمييع القضية , لكنهم اثبتوا أنهم الأكثر وطنية منا , وخيب الله سوء ظننا فيهم .
انا لا أريد الخوض فى تفاصيل بطولات الجيش المصرى وتلاحمه مع شعبه ضد الطغاة , فالشواهد حقا متعددة منها ما يمكننا ان نتحدث فيها ومنها ما لا يجب ان نتحدث فيها "الآن" ولكن جميعنا يدركها , بعدما تسربت معلوماتها الى الشارع وأكدتها الأحداث , وكلها شواهد تجعلنا نعتز بأننا شعب خرج منه هذا الجيش .
لقد تدخلت إرادة الله لإنقاذ الثورة حينما رفض الجيش مساندة الشرطة فى قتل الشعب فى جمعة الغضب كما طلب منه مبارك – بحسب التسريبات.
وتدخلت العناية الالهية ثانية فرفض الجيش البطل قتل المتظاهرين فى جمعة الزحف أمام قصر العروبة , بل وتعهد بحماية الشعب من اى يد تمتد إليه , كما وقف الجيش ضد اى محاولة ترويع بالطائرات او من خلال منافذ مترو الأنفاق لثوار ميدان التحرير.
ثم راح يتمدد فى طول البلاد وعرضها يحرس ويحمى أعراض الشعب وممتلكاته محطما مخطط الفوضى الذى تنفذه الثورة المضادة فى مقتل .
حقا لقد كان الجيش فى كل هذه الأوقات بمثابة يد الله الباطشة بالظالمين.
لقد خيبت إرادة الله مساعي نظام مبارك فى إثارة الفوضى مرات عدة , فالمظاهرات الفئوية التى أراد بها تنفيذ مخطط الفوضى وتخريب البلاد ها هى تتحول الى معاول لاقتلاع بقايا النظام الفاسد .
وخطاب مبارك الذى بثته العربية واراد منه الوقيعة بين الجيش والشعب وإرسال رسالة الى خلايا الحزب الوطنى لاستكمال مسلسل الفوضى , نتج عنها انه أودع ليس هو فقط فحسب بل كل آل مبارك فى السجون وعجل بمحاكمتهم جميعا , ولم يستمل تعاطف البسطاء هذه المرة بل تقبلوه بسخرية وتندر.
إنها حقا إرادة الله هى التي هيئت رجال المجلس العسكري والدكتور عصام شرف ووزراء حكومته ليقودوا البلاد فى وقت هى بحاجة حقيقية اليهم فيه.