عبير حمدى بعد أن أثبتنا للعالم إننا شعب بارع في ممارسة الديمقراطية وملهم لغيره من الشعوب لأنه خرج للاستفتاء و كله إصرار علي الإدلاء بصوته رغم الزحام الشديد .
ففي صباح يوم الاستفتاء انهالت علي الاتصالات من أصدقاء و معارف و أقارب الجميع مهتم, الكل كان حريصا علي الاشتراك في هذا العيد و حث غيره علي المشاركة .
و جاءت الرابعة عصرا ومازلنا نتنقل بين اللجان المزدحمة ,و انتهي بنا المطاف إلي الاستسلام و الالتزام بالطابور.
و كان أمتع طابور في حياتي ,الوقت يمر بسرعة غريبة ,الطابور منظم بشكل يعكس منتهي الرقي و التحضر والروعة شعرت و كأنني في احد مطارات أوروبا .
و تمر بيننا فتيات تحملن المياه المثلجة ، و شباب يحملون المناديل الورقية ,قمة الروعة و النظام و التحضر , و الحب , و التعاون ، و احترام الرأي الآخر .
الأجمل من ذلك بعض المواقف التي لاتزال عالقة بذهني و من الصعب تجاهلها ,منها أنه كانت هناك لجنة استثنائية لكبار السن و الأمهات اللاتي تحملن ُرضع .
و عندما أشار أحد رجال الجيش لسيدة تقف خلفي قائلا (يمكنك تخطي الطابور و التصويت من خلال اللجنة الاستثنائية ) رفضت السيدة في أدب ممتزج بخفة الظل (هل تريدهم أن يقولوا إني عجوز و لم استطع الصمود في الطابور لا ).
و كانت السيدة الجميلة مستمتعة بهذه الوقفة التاريخية , رجل آخر سمعته يقول لاطفالة الصغار( أنا جيت علشان ستقبلكم) ,كانت فرحة تشبه فرحة العيد 0
مشهد آخر لفتاه لم تتجاوز التاسعة عشر تحمل كاميرا فيديو و تتجول بين الناس و تسجل أرائهم و انطباعاتهم و تسأل (نعم أم لا و لماذا ) و عندما سألتها سيدة لأي قناة هذا التسجيل ... ابتسمت الفتاه قائلة انه خاص بي ,تسجيل شخصي لهذا الحدث التاريخي الذي لم أشاهده من قبل 0
و من قال( نعم) ابدي أسبابه و من قال( لا) برر اعتراضه ,لم يحتكر اي من الفريقين الرأي ,و لم يحاول أي منهم التأثير علي الآخر لإقناعه بتغيير اختياره ,كان تجسيد حقيقي لممارسة حرية الرأي و التعبير واحترام الرأي الآخر .
فمن صوت ب (لا )لم يفعل ذلك إلا حبا في مصر ,و من قال( نعم) أيضا قالها في حب مصر , رغم خلافهم حول( نعم و لا) لكنهم اتفقوا و توحدوا علي حب مصر و مصلحة مصر ,كلا حسب رؤيته.
فهذا الشعب الجميل لا يمكن أن ينساق أو ُيستقطب ، انه متيقظ واعي لحملات التجييش الطائفي التي تحاك ضده , ونتيجة الاستفتاء جاءت انعكاسا لرأي الشارع .
لذا دعونا نترك الأفكار الهدامة و نبني مصر , نحافظ علي بلد محل أطماع العالم ,كفانا إطلاق الفتاوى ,كفانا شك و تشكيك ,نحن جميعا أبناء وطن واحد ,نرتوي من نيله و نشبع من أرضه و نستظل بسمائه ,و من يتعامل مع الوطن علي انه (كعكة) فاتحادنا و ثقتنا ببعضنا سلاح هام لهدم أطماعه 0
بالطبع كلي ثقة و يقين بكل من خرج يوم الاستفتاء بأنه لم و لن يخدع و ينساق وراء مثيري الفتن مرتدي عباءة الدين و نحمد الله سبحانه و تعالي أنهم قلة قليلة .
لكن الخطر يكمن في المستمرين في العزوف و هم نسبة لا يستهان بها ,فمن كان لهم حق التصويت في الاستفتاء 45 مليون و من شارك 18 مليون , أي ما يقرب من 27 مليون نسمة و في اعتقادي أن كل منهم يشكل قنبلة موقوتة 0
,و هذا ما دفعني يوم الاستفتاء وأثناء طريقي للعودة وجدت نفسي أتطلع في أيادي كل الناس, هل اصطبغ أحد أصابعه باللون الأحمر أم لا ,لا اخفي فرحتي و أنا أري علامة نصر الديمقراطية و الوعي لدي شعبنا الجميل .
و رغم وجود العلامة الحمراء فوق أصابع الكثيرين ممن قابلتهم إلا أن هناك نسبة ليست بالقليلة كانت لا تعي ما يحدث علي الساحة معتبرين أنفسهم جزءا منفصلا عن أحداث الثورة و ما يشهده المجتمع من تغيرات .
لا أنكر إنني قابلت العديد من هذه النماذج قبل و بعد الثورة و كنت أحاول جاهدة في كل مكان اتواجد فيه أن أثير النقاش حول الموضوعات الملحة علي الساحة كنت افعل ذلك أثناء تواجدي في المترو أو المواصلات العامة أو حتى داخل المحلات التجارية .
كلما سنحت الفرصة حتى قبل التعديلات الدستورية كنت حريصة علي توضيح كافة المعلومات عن التعديلات و أسباب رفض البعض لها و كذلك أسباب قبول البعض دون التأثير علي رأي الناس ,كنت اكتفي بالشرح و التوضيح و اترك للمتلقي حرية الاختيار،
والآن أتصور أن الدور المفروض علينا نشر الوعي السياسي و الحقوقي بين غير المتعلمين فمازالت هناك طبقة ليست بالقليلة كل طموحاتها في الحياة ( ضل الحيط و لقمة بالبيت ) .
و هذا اتضح من رصد ميداني أجريته بنفسي عقب الثورة حول أحلام و طموحات البسطاء حيث اتفقوا جميعا علي مطالب بعينها و أحب سردها دون فذلكة مني (يسكنونا , و يرخصوا الأكل , و يوفروا المواصلات ويراعوا الأرامل و المطلقات , و يشغلوا ولادنا ) .
هذا المستوي من التفكير منطقي جدا لأنه في البداية كي يصبح عضوا فاعلا في المجتمع علينا أن نشبع احتياجاته الأساسية من مسكن و مأكل و ملبس.
و يأتي في المرتبة التالية لذلك المشاركة السياسية و المجتمعية لذلك علينا في البداية إيجاد حلول قابلة للتنفيذ للاستفادة من هذه القوي البشرية الهائلة في أعمال مفيدة للمجتمع تدر عليهم عائد مادي يوفر لهم الحياة الكريمة هذا من ناحية ,
من ناحية أخري علينا جميعا التحدث مع هذه الفئة و تفتيح أذهانهم و إقناعهم بأهمية صوتهم الانتخابي في تحديد مستقبلهم و مصيرهم و إلا فقدنا قوة تصويتية هائلة يمكن استغلالها من قبل فلول النظام القديم ،كما يمكن استغلالهم كوقود لإشعال نار الفتن الطائفية و الاجتماعية من قبل بعض الطامعين في تقسيم الكعكة .