دولة احتلال وكيانان فلسطينيان منفصلان د.أحمد مجدلاني ما وصفه قادة حركة حماس بالانتفاضة الشعبية الثالثة على معبر رفح لكسر الحصار الجائر على قطاع غزة والمفروض من قبل سلطات الاحتلال العسكري الإسرائيلي، يبدو انه بحاجة إلى مزيد من الفحص والتدقيق ليس بسبب التداعيات السياسية التي حملتها هذه ?الانتفاضة? والتي بدأت تفاعلاتها تأخذ أبعادا ومناحي خطيرة تهدد وحدة الوطن والشعب والقضية، وإنما ارتباطا بأن مفبرك ومعدّ هذه ? الانتفاضة? بما في ذلك تفجير الجدار الحدودي أي قيادة حركة حماس سارعت وقبل ان تتضح فعلا هل هي انتفاضة أم استغلال لحالة الغضب الشعبي وتنفيس له، وعن حاجة إنسانية لاستنشاق نسمات الحرية ولتوفير المواد الأساسية والضرورية التي حرموا منها بفعل الحصار الجائر والذي هو شكل من أشكال العقوبات الجماعية فرضته إسرائيل على الجميع وبدون تمييز? المتتبع لتحضيرات ? الانتفاضة? على الحدود المصرية الجنوبية وليس الحدود مع المحتل الإسرائيلي الغاصب شمالا، يلفت انتباهه التوقيت الذي أطلقت فيه، وكما عبر السيد خالد مشعل أمام اللجنة التحضيرية لمؤتمر دمشق ذي الأهداف السياسية التي لم تعد خافية على كل ذي عين بصيرة، ان الحركة تعد هدية كبيرة على أبواب انعقاد المؤتمر، فقد جاءت هذه الهدية بكسر الحدود مع الشقيقة مصر ولكن ليس لجهة الطرف الذي يفرضه، وإنما في وجه دولة شقيقة لا يشك بمواقفها السياسية والقومية الأصيلة الداعمة للشعب الفلسطيني وقيادته، ولا يشك أيضا بمواقفها الداعمة للشعب الفلسطيني بمحنته في مواجهة الحصار منذ ان فرض، والجميع يعلم كيف تعاملت القيادة المصرية بمسؤولية عالية تجاه القضايا الإنسانية متحدية ضغوطاً دولية كبيرة عليها لتحول دون قيامها بواجبها القومي والإنساني? بيد ان محاولة إحراج مصر واستثمار حالة الحصار التي يفرضها الاحتلال من اجل فرض أمر واقع عليها وإجبارها على التعاطي معه، وترسيخ سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة كقوة شرعية ينبغي التعاطي معها بترتيبات أمنية، ومن ثم سياسية ارتباطا بما تفرضه علاقات الجوار من ترتيبات? ما يلفت الانتباه مسارعة قيادة حركة حماس لتوظيف هذا الانفتاح الذي جرى بقوة الأمر الواقع والإعلان عن رفضها للعودة إلى اتفاقية المعابر باعتبارها أصبحت جزءا من الماضي، متذرعة بأنها لن تقبل وتحت ذريعة الحصار إعادة فرضه على الشعب الفلسطيني ، لقد اعتقدت قيادة حركة حماس واهمة ومن وراء هذه الخطوة التي أقدمت عليها بإحراج مصر واستغلال سعة صدر قيادتها، أنها من الممكن ان تفرض أمرا واقعا يصبح قطاع غزة بموجبه مفتوحا على العالم الخارجي عبر بوابة مصر، وبذلك ترسخ سلطة الأمر الواقع سياسيا وماديا، علاوة على أنها ومن خلال هذا التحول الجديد تعتقد أنها تستطيع التفاوض ومن موقع القوة مع الرئيس عباس واستنادا كذلك لنتائج مؤتمر دمشق باعتباره قد قسم الشرعية الفلسطينية ووضعها في موقع الندية ليس بفعل الواقع الملموس على الأرض وإنما أيضا بتأييد ?فلسطيني? وإقليمي? بيد ان ما غاب عن قيادة حركة حماس رغم كل ما تعتقد أنها قد حققته من ?إنجازات?، ان العالم بما في ذلك العالم العربي والذي أكد وزراء خارجية دوله وبالإجماع على ولاية السلطة الوطنية الفلسطينية الشرعية على قطاع غزة، وتأييدهم لقرار الحكومة الفلسطينية باستلام المعابر كافة التي تربط قطاع غزة ليس فقط مع مصر وإنما أيضا مع دولة الاحتلال، وفات أيضا على قيادة حركة حماس ان الإيغال في رفض العودة إلى اتفاقية المعابر تحقيقا لأغراض حزبية ضيقة ومحدودة يقدم فرصة ذهبية لإسرائيل للتنصل من كافة التزاماتها كدولة محتلة لقطاع غزة باعتبار ان الانسحاب الأحادي الجانب الذي نفذته حكومة أولمرت. لم يسقط الوضع القانوني لقطاع غزة باعتباره أرضا محتلة أولا لارتباطه بالضفة الغربية باعتباره كيانا واحدا ووحدة جغرافية وسياسية واحدة، وثانيا لان الاحتلال مازال يفرض سيطرته على الحدود البرية والبحرية والجوية ولم يتم التوصل معه إلى اتفاقية لترسيم الحدود? ان حلم إسرائيل بالتخلص من عبء غزة قد يبدو انه قد يتحقق بأيد فلسطينية والتخلص من هذا العبء وتحميله للشقيقة مصر ليس فقط بأبعاده الخدماتية والحياتية فحسب، وإنما أيضا بأبعاده الأمنية والذي ستكون مصر مسؤولة عن أية انتهاكات أمنية مع اسرائيل بموجب اتفاقية كامب ديفيد، ولم يكن سرا ان القيادة في مصر تبذل جهودا كبيرة لتعديل اتفاقية كامب ديفيد وتواجدها العسكري في سيناء، وهذه الجهود تقابل برفض إسرائيلي وعدم مبالاة أميركية? ان ما لم تقدره قيادة حركة حماس من خطوتها الاخيرة كما هو الحال بكافة خطواتها، بإزالة الحدود مع مصر وهي تعلم ان القيادة المصرية وان كانت تملك الوسائل المادية والعسكرية لفرض الأمن بالقوة لن تلجأ إليها حتى لا تبدو كشريك في فرض الحصار على الشعب الفلسطيني، فإنها بذات الوقت وهي تحاول ان تفرض على مصر بديلا آخر وهو تكريس شرعية حكومة حماس عبر ترسيم الحدود معها، وبالتالي تراجع مصر عن التزاماتها الدولية والعربية بما في ذلك قرارات وزراء الخارجية العرب الأخيرة? لقد اتضحت، جليا، محاولة استثمار حكومة أولمرت للوضع الناشئ في قطاع غزة ومحاولاتها التنصل من أية التزامات وسعيها لفصل الضفة عن قطاع غزة، ورفضها العودة إلى اتفاقية المعبر، وتسليم المعابر الأخرى للسلطة الشرعية? ان حكومة أولمرت تدرك تماما ما معنى فصل الضفة عن قطاع غزة وهو ما سعت له، دوما، أي ضرب المشروع الوطني الفلسطيني وقصم ظهره من خلال تفتيته والتعاطي معه بطريقة التجزئة، وهو ما تحاول فرضه في الضفة الغربية من خلال الاستيطان وبناء الجدار، وما بدأته بالفصل الأحادي الجانب منذ أيلول 2005? لقد وضعت التطورات الاخيرة قضية الشعب الفلسطيني ووحدة أرضه ومشروعه الوطني على المحك العملي، وبات أمام قيادة حركة حماس إما اختيار طريق الإيغال بالانقسام وترسيمه عبر التمسك بما ?أنجزته? وبالتالي توجه الضربة القاصمة للمشروع الوطني الفلسطيني بالعودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس من خلال إعطاء أولمرت الضوء الأخضر للتنصل من التزاماته التي لم يجف حبرها بعد، وإما العودة عن الانقلاب كمتطلب أساسي لعودة الحوار الذي لا بديل عنه وبالعودة لخيار الشعب باعتباره مصدر السلطات ومنبع الشرعية بانتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة? كما ان على الأشقاء العرب والذين اتخذوا قرارهم بدعم قرار السلطة الوطنية الفلسطينية بتسلم المعابر الدولية عدم الاكتفاء باتخاذ القرار والتفرج على القيادة الفلسطينية في مواجهتها للصلف الإسرائيلي يقع عليها واجب تنفيذ القرار من خلال ممارسة ضغوط جدية على الولاياتالمتحدة الأميركية باعتبارها طرفا فاعلا في اللجنة الرباعية وهي وافقت مسبقا على تسلم السلطة الشرعية للمعابر وكذلك الضغط على إسرائيل لوقف تلاعبها وتنصلها من مسؤولياتها وحملها على تسليم المعابر للسلطة الشرعية? ان على العرب مسؤوليات استثنائية الآن وخاصة دول الاعتدال العربي بعدم ترك القيادة الفلسطينية منفردة في مواجهة الإسلام السياسي الذي يسعى لفرض سيطرته على المنطقة من جهة ، وكذلك الصلف الإسرائيلي من جهة أخرى، واستثماره لحالة الانقسام الداخلي الفلسطيني لتكريس كيانين فلسطينيين تحت الهيمنة الإسرائيلية وتوجيه ضربة قاصمة للمشروع الوطني الفلسطيني، لان رياح التقسيم والشرذمة هي ما كانت تسعى إسرائيل له في المنطقة واذا نجح ذلك في فلسطين فلن يقف عن حدودها فحسب? عن صحيفة الايام الفلسطينية 30/1/2008