لم ينعقد المؤتمر الصحافي المقرر لمسعود البارزاني, رئيس اقليم كردستان, وروبرت غيتس, وزير الدفاع الامريكي, الذي زار الاقليم الخميس الماضي. وبدلاً من المؤتمر صدر تصريح وحيد الجانب على لسان المتحدث باسم مجلس وزراء الاقليم عن " عدم وجود حل جديد للمشاكل بين الاقليم والحكومة المركزية".
كما لم يتوجه جو بايدن, نائب الرئيس الامريكي الذي زار بغداد قبل غيتس, إلى أربيل كما كان مقرراً للقاء البارزاني لأسباب معلنة تتعلق بالعاصفة الترابية التي تزامنت مع زيارته وأسباب غير معلنة تتعلق بعاصفة التشدد الكردستاني التي بلغت ذروتها عشية انتخابات الاقليم التي جرت قبل عشرة أيام واسفرت عن كسر احتكار الحزبين الرئيسيين بقيادة البارزاني والطالباني لأصوات الناخبين حيث لم تحصل قائمتهما المشتركة على اكثر من 58 بالمئة من الاصوات.
وفي حين حذر بايدن في بغداد من أن عدم حل الخلافات بين المركز والاقليم يهدد باندلاع العنف بينهما من جديد, قال غيتس أن الوجود الامريكي في العراق "فرصة" على الطرفين المركزي والكردي اغتنامها لحل خلافاتهما.
زيارة المسؤولين الامريكيين الرفيعين جاءت بعد اللقاء الذي تم في واشنطن بين رئيس وزراء العراق نوري المالكي والرئيس الامريكي باراك اوباما والذي صرح المالكي بعده أن "الخلافات مع الاقليم هي المسألة الاكثر خطورة بالنسبة للعراق". وأكد على ذلك مسؤول في البنتاغون علق على ما دار في اللقاء قائلاً: "إن حل الخلاف بين بغداد وأربيل هو المسألة الأكثر الحاحاً."
وخلاصة القول أن أمريكا التي قلبت بشدة موازين القوة في العراق المحتل لصالح الطرف الكردي تجد نفسها اليوم غير قادرة على كبح جماح القوة التي أطلقتها وإعادة وضعها ضمن معادلة وطنية عراقية تسمح للعراق بقسط من الوحدة والاستقرار وتسمح لأمريكا بشيء من الاطمئنان على مشروعها العراقي الذي تكبدت من أجله الكثير من التضحيات على حد قول الوزير غيتس.
لم يعد حل النعامة متاحاً لأحد في بغداد أو واشنطن إزاء تصاعد المواقف الانفصالية على الجانب الكردي. فقد أصبح لحكومة كردستان علمها وجيشها ونفطها وبرلمانها وتمثيلها الدبلوماسي, وهي تنازع الحكومة المركزية على "حدود" موسعة تطالب بموجبها بضم أراض من أربع محافظات أخرى غير محافظات الاقليم الثلاث.
وأخيراً جاء دستور كردستان الذي أقره برلمان الاقليم في 25 تموز ليكون وثيقة استقلال تكرس الانفصال بصيغ صريحة لا لبس فيها ابتداء من اعتبار الاقليم كياناً "جمهورياً" ووصولاً إلى اقرار "حق رفض أي قانون لجمهورية العراق الاتحادية... إن اقتضت مصلحة شعب كردستان ذلك."
كل ما قدرت عليه أمريكا هو أنها ضغطت لتأجيل الاستفتاء اللازم لتفعيل الدستور. ولعلها قادرة , ولو إلى حين, على تأجيل الاعلان الرسمي لانفصال إقليم كردستان الذي أصبح واقعاً ظاهراً لعيون الجميع بمن فيهم أتباع منهج النعامة.
في كردستان, كما في العراق بشكل عام, خلقت أمريكا مشكلة لا تملك السبيل لحلها. فالنزعة الانفصالية الكردية التي شجعتها أمريكا ووفرت لها سبل الحماية والاستقواء منذ فرض الجيب الآمن ومنطقة حظر الطيران بعد حرب الخليج الثانية كانت تصب في مصلحة واشنطن عندما كان المطلوب أمريكياً زعزعة المركز في بغداد. وقد تحولت اليوم إلى مصدر قلق لأمريكا عندما صارت بغداد حليفة لواشنطن وقاعدة لها. و" فرصة" الوجود الامريكي القادر على تأجيل إعلان الانفصال لن تستمر الى الأبد. فهل للنعامة الأمريكية أن تخرج رأسها من الرمال وتواجه بواقعية وجدية البركان الموشك على الانفجار في كردستان?.