حضور "إسرائيل" في مشكلات الأمن الداخلي العربي سليمان تقي الدين هل أصبح العالم العربي في مأمن من المشروع الصهيوني حتى يدير ظهره لسياسات “إسرائيل" ويتصرّف معها وكأنها تخص الشعب الفلسطيني وحده؟ بعد المبادرة العربية في قمة بيروت عام 2002 جرت مياه كثيرة تحت الجسور، ولم يبادر أحد لاستخلاص النتائج المترتبة على رفض “إسرائيل" لتلك المبادرة. حاصرت “إسرائيل" المقاطعة في رام الله وقضت على الزعيم الفلسطيني الذي وقع اتفاق أوسلو. كانت “إسرائيل" تشارك في صنع التحولات الكبرى في المنطقة، وكان الاحتلال الأمريكي للعراق انجازاً “إسرائيلياً"- أمريكياً مشتركاً. حققت “إسرائيل" واحداً من أهدافها الاستراتيجية. لقد كان العراق العمق الأساسي للجبهة الشرقية، لكنها اصابت من خلال العراق اهدافاً عدّة ليس أقلها اطلاق حرب أهلية بين المسلمين وتهديد المنطقة كلها بارتدادات النزاع السني الشيعي. وإزاء تعظيم الخطر الايراني على العرب استطاعت أن تبدّل جميع الاولويات والأجندات السياسية. في العام 2004 ساهمت “إسرائيل" في تحضير القرار الدولي 1559 كما أعلن قادتها. وكانت وظيفة هذا القرار أن يحاصر سوريا وأن يلغي سلاح المقاومة في لبنان، ويؤدي إلى ادراج البلد تحت مظلة المشروع الأمريكي- “الإسرائيلي" المشترك. وأدى ذلك إلى إضعاف الوحدة الوطنية اللبنانية وأحدث انقساماً في الشارع. شنت “إسرائيل" في صيف 2006 حرباً شاملة على لبنان فشلت في تحقيق أهدافها، لكن الولاياتالمتحدة مازالت تمارس ضغوطها لمنع قيام حكومة وحدة وطنية تكرّس النتائج السياسية لهذا الفشل. عملياً لبنان الآن في ساحة الانتظار وعلى المفترق بين تحقيق تسوية سياسية تضمن وحدته وبين انزلاقه إلى متاهات الحرب الأهلية. غير أن الكثير من الاحداث الجارية فيه لا تخلو من تأثيرات “إسرائيلية". طبعاً يمكن تعداد مشكلات عربية عدّة ل"إسرائيل" دور فيها. وكل الذين راهنوا على تراجع الدور “الإسرائيلي" مع الحضور الأمريكي المباشر قد خاب ظنّهم. وعدت الولاياتالمتحدة بمبادرة جدية لحل القضية الفلسطينية على أبواب حرب العراق ولم يتقدم الحل أي خطوة، وينهي الرئيس الأمريكي ولايته الثانية وهو يطلق وعوداً عن حل يزداد تطابقاً مع المشروع “الإسرائيلي" نفسه. لم يكد ينهي الرئيس بوش زيارته ل"إسرائيل" حتى انطلقت آلة الحرب في التدمير المنهجي لمقومات الحياة في قطاع غزّة. لقد اطلق بوش وعوداً سخيّة في دعم “إسرائيل" وضمان أمنها وصادق على مشروعها في انجاز يهودية الدولة. وقال صراحة ان على فلسطينيي الشتات ان يتدبروا أمرهم وإن على العرب أنفسهم أن يوفروا لهم التعويضات. ترك بوش قنابل موقوتة وراءه في المنطقة. الشعب الفلسطيني يذبح كل يوم تحت الاحتلال، وفلسطينيو الشتات يتحولون إلى مادة نزاع وقلاقل في العديد من الأقطار المجاورة. وإذا كانت “إسرائيل" حاضرة الآن بصورة مباشرة داخل الأزمات الفلسطينية والعراقية واللبنانية، كما أن لها ملفاً عالقاً مع سوريا يتعلق باحتلالها للجولان، فإن ذلك يعني أن “إسرائيل" ما زالت تهدّد الأمن العربي كله لأنها لن تقدم حلاً يمكن أن يرضي طموحات الشعب الفلسطيني، ولأنها تستمر في خطة مطاردته وفي سعيها إلى تفكيك الشعور العربي من حولها، وتحريك النزاعات الطائفية والاثنية من أجل فرض هيمنتها وخياراتها. ولا يمكن للعرب أن يشهدوا الاستقرار الأمني والسياسي على المدى الطويل مادامت القضية الفلسطينية متفجرة وتتغذى بموجات أجيال جديدة ترتبط بحركات التشدّد الديني. إن الأزمة اللبنانية الآن هي أزمة عربية بامتياز سواء تحول النزاع الداخلي نحو فوضى أمنية أو سواء اقدمت “إسرائيل" مجدداً على شن حرب تستهدف سلاح المقاومة. ففي المشهدين سيكون على العرب أن يتورطوا في معالجة هذه الأزمة قبل أن تنتقل مضاعفاتها إلى بلادهم. لقد استطاع الأمريكيون ومعهم “إسرائيل" تبديل المناخات السياسية في المنطقة، وبذلوا الكثير من الجهد والمال لتحوير النزاعات. هم الآن يختبئون خلف تيارات شعبية تتوجس خيفة من حركات المقاومة. ربما كان المشهد الفلسطيني نفسه يعطي الصورة المأساوية لما يجري الآن. الفلسطينيون انفسهم منقسمون في صراع دموي على السلطة، و"إسرائيل" تدعم ثبات فريق في وجه الآخر. كما ان الوجود الفلسطيني في لبنان يستخدم الآن في مشروع النزاعات الأهلية. ان هذا المسار هو النتيجة المباشرة لتخلي العرب عن فكرة الأمن القومي والتصرف وكأنهم معنيون فقط بأمن دولهم وكياناتهم متجاهلين الازمات وتفاعلاتها وأثرها في مزاج شعوب المنطقة. على العرب أن يدركوا أن المشكلات التي تقع في جوارهم تؤثر في أمنهم وهذا أمر مؤكد من افغانستان إلى باكستان، ومن ايران إلى تركيا، فكيف اذا كانت المشكلات جزءاً من الصراع العربي- “الإسرائيلي" كما هي الحال في المشرق العربي. ان التحديات التي تخلقها الأصوليات والاسلام الحركي المتشدّد نتيجة انسداد الافق السياسي ليس لها حدود وهي سائرة إلى خلط الأوراق في جميع كيانات المنطقة. وحدها “إسرائيل" تشعر ان الازمات تنتقل الآن خارج حدودها. عن صحيفة الخليج الاماراتية 24/1/2008