اعرف كيفية الحصول على نتيجة كلية الشرطة لعام 2025/2026    غدا.. المصريون بالخارج يدلون بأصواتهم فى جولة الإعادة للمرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب 2025    لماذا لم يعلن "يمامة" ترشحه على رئاسة حزب الوفد حتى الآن؟    تداول 13 ألف طن و957 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    استمرار لقاءات رئيس شركة الصرف الصحي للاستماع لشكاوى العاملين ومقترحاتهم    وزارة التموين: سيارات متنقلة لتوفير السلع للمواطنين بالمرج    «التموين» تؤكد توافر كميات كبيرة من زيوت الطعام بالأسواق والمنظومة التموينية    سعر الدولار مقابل الجنيه فى بداية تعاملات اليوم    وزير المالية: خليكم فاكرين دايمًا.. إحنا بنشتغل عند الناس وهدفنا خدمتهم    سوريا: منفذ هجوم تدمر لا يرتبط بالأمن الداخلي    جوتيريش يحذر: استهداف قوات حفظ السلام في جنوب كردفان قد يُصنَّف جريمة حرب    الشرطة الأمريكية تلاحق مسلحا قتل شخصين وأصاب 9 آخرين في جامعة براون    كمبوديا تبدي استعدادها للمحادثات مع تايلاند لإنهاء القتال    ساسولو بوابة ميلان للابتعاد بصدارة الدوري الإيطالي    سداسي التحكيم المصري يطير إلى المغرب للمشاركة في أمم إفريقيا    محافظ الوادي الجديد يستقبل وزير الرياضة لافتتاح عدد من المشروعات    الاتحاد الدولي يختار عثمان ديمبيلي أفضل لاعب في العالم 2025    لماذا يرفض الأهلي إتمام صفقة انتقال حمزة عبدالكريم لبرشلونة ؟ اعرف الأسباب    الرياضية: جناح النصر لا يحتاج جراحة    رفع 41 سيارة ودراجة نارية متهالكة من الميادين    تفاصيل صادمة فى جريمة العمرانية.. أم تقتل طفليها بسلاح أبيض    السيطرة على حريق نشب بسيارة نقل ثقيل أعلى الطريق الدائري ببهتيم القليوبية    يسري نصر الله: أحمد السعدني أفضل ممثل في 2025    فيلم اصحى يا نايم ينافس بقوة فى مهرجان القاهرة الدولى للفيلم القصير    تعرف على إيرادات فيلم "الست" ل منى زكي ليلة أمس    فجر السعيد: عبلة كامل رمز من رموز القوة الناعمة المصرية    مجدي شاكر: اكتشاف نحو 255 تمثالًا في منطقة صان الحجر    «الصحة»: تقديم 19.2 مليون خدمة طبية بالمنشآت الطبية في محافظة القاهرة    فيروس أنفلونزا الخنازير يهدد المدارس| إجراءات هامة وعاجلة للوقاية منه    محافظة القاهرة تخصص مكانًا لإيواء الكلاب الضالة    77 عامًا وحقوق الإنسان لم تعرف فلسطين والدعم المصرى مستمر    وزيرا خارجية مصر ومالي يبحثان تطورات الأوضاع في منطقة الساحل    زلزال بقوة 5 درجات يضرب مدينة «كراتشي» الباكستانية    وزير الري يتابع موقف مشروعات الخطة الاستثمارية للعام المالى الحالى 2025 / 2026    الداخلية تنفى وجود تجمعات بعدد من المحافظات.. وتؤكد: فبركة إخوانية بصور قديمة    لماذا تسخرون من السقا؟!    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 14ديسمبر 2025 فى المنيا    اليوم.. محاكمة الشيخ سمير مصطفى بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية    اليوم.. انطلاق اختبارات التقييم لطلاب الصفين الأول والثاني الابتدائي    هام من الصحة بشأن حقيقة وجود فيروس ماربورغ في مصر.. تفاصيل    الصحة: تقديم 19.2 مليون خدمة طبية بالمنشآت الطبية في محافظة القاهرة    بمشاركة اشرف عبد الباقي.. ختام مهرجان المنيا الدولي للمسرح في دورته الثالثة (صور)    إعلام إسرائيلى : إيطاليا أعربت عن استعدادها للمشاركة فى قوة الاستقرار بغزة    اليوم..«الداخلية» تعلن نتيجة دفعة جديدة لكلية الشرطة    أسعار المأكولات البحرية والجمبري اليوم الاحد 14-12-2025 في محافظة قنا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 14-12-2025 في محافظة قنا    مصرع حداد سقطت عليه رأس سيارة نقل بالدقهلية    45 دقيقة متوسط تأخيرات قطارات «طنطا - دمياط».. 14 ديسمبر    الشرطة الأمريكية تفتش جامعة براون بعد مقتل 2 وإصابة 8 في إطلاق نار    رئيس الإنجيلية يبدأ جولته الرعوية بمحافظة المنيا    نائب وزير الصحة: حياة كريمة كانت السبب الأكبر في إعلان مصر خالية من التراكوما المسبب للعمى    المستشار عبد الرحمن الشهاوي يخوض سباق انتخابات نادي قضاة مصر    الكتب المخفضة تستقطب زوار معرض جدة للكتاب 2025    آرسنال ينتزع فوزًا مثيرًا من وولفرهامبتون ويواصل الابتعاد في الصدارة    توروب: الشناوي وشوبير؟ لست هنا لأصنف الحراس.. وهذا موقفي من عبد الكريم وديانج    يسري جبر يوضح حقيقة العلاج بالقرآن وتحديد عددٍ للقراءة    مواقيت الصلاه اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى المنيا    محافظ الغربية يهنئ أبناء المحافظة الفائزين في الدورة الثانية والثلاثين للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أسرار القرآن الكريم / د‏.‏ زغلول النجار
نشر في محيط يوم 20 - 07 - 2009


من أسرار القرآن
(310)‏ واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق‏..[‏ المائدة‏:27]‏



* د‏.‏ زغلول النجار

العالم المصرى زغلول النجار
هذا النص القرآني الكريم جاء في خواتم الربع الأول من سورة المائدة‏,‏ وهي سورة مدنية‏,‏ وآياتها مائة وعشرون‏(120)‏ بعد البسملة‏,‏ وهي من طوال سور القرآن الكريم‏,‏ ومن أواخرها نزولا‏,‏ فقد نزلت بعد صلح الحديبية‏,‏ أي في السنة السادسة من الهجرة النبوية الشريفة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي المائدة التي أنزلها الله تعالي من السماء كرامة لعبده ورسوله‏:‏ المسيح عيسي بن مريم عليهما من الله السلام .‏

ويدور المحورالرئيسي لسورة المائدة حول التشريع بعدد من الأحكام اللازمة لإقامة الدولة الإسلامية‏,‏ وتنظيم مجتمعاتها علي أساس من الإيمان بالله تعالي ربا واحدا أحدا‏,‏ فردا صمدا‏(‏ بغير شريك‏,‏ ولا شبيه‏,‏ ولا منازع‏,‏ ولا صاحبة ولا ولد‏),‏ وهذا التفرد للخالق سبحانه وتعالي بالألوهية‏,‏ والربوبية‏,‏ والخالقية‏,‏ والوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه‏,‏ يجعل التشريع للعباد حقا من حقوق الله تعالي وحده‏,‏ لا ينازعه فيه عبد من عباده‏.‏

هذا‏,‏ وقد سبق لنا استعراض سورة المائدة‏,‏ وما جاء فيها من أسس كل من التشريع والعقيدة‏,‏ وكل من الإشارات العلمية والإنبائية‏,‏ ونركز هنا علي ومضة الإعجاز الانبائي الغيبي في ذكر قصة ابني آدم عليه السلام كما جاءت في النص القرآني الذي اخترناه عنوانا لهذا المقال‏.‏

والواقعة لم يشهدها من البشر سوي آدم وزوجه وولديه وبنتيه‏,‏ ولولا أن القرآن الكريم قد سجلها بهذا التفصيل الدقيق الذي يمكن استخلاص العبرة منه‏,‏ ما علم بها أحد من البشر بعد‏,‏ وما كان أمام العلماء والمؤرخين من وسيلة للوصول إلي معرفة شيء من تلك الواقعة التي طواها الزمن في أستاره‏.‏

من أوجه الإعجاز الإنبائي في النص الكريم‏:‏ يقول ربنا تبارك وتعالي في محكم كتابه‏:‏

واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين‏'27'‏ لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العلمين‏'28'‏ إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين‏'29'‏ فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين‏'30'‏ فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال ياويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين‏'31'[‏ المائدة‏:27‏ 31]‏

والخطاب هنا موجه إلي خاتم الأنبياء والمرسلين صلي الله عليه وسلم يقول له فيه رب العالمين‏:‏ اقرأ يا محمد علي اليهود في المدينة حقيقة خبر ابني آدم عليه السلام حين تقرب كل منهما إلي الله تعالي بقربة‏,‏ فتقبل ربنا تبارك وتعالي قربة أحدهما لاخلاصه وتقواه‏,‏ ولم يتقبل من الآخر لعدم توافر الاخلاص فيه‏,‏ فحسد فاقد الاخلاص أخاه التقي المخلص‏,‏ وتوعده بالقتل‏,‏ فرد الأخ التقي الصالح بأن الله تعالي لا يتقبل العمل إلا من عباده الأتقياء المخلصين‏,‏ قائلا‏:‏ لئن أغواك الشيطان فمددت يدك نحوي لتقتلني‏,‏ فأنا لن أمد إليك يدي لأقتلك‏,‏ وذلك لأني أخاف الله رب العالمين‏,‏ وسوف أتركك تفعل ما تريد لتحمل ذنب قتلي بغير إثم جنيت‏,‏ فتكون من أهل النار‏,‏ والنار هي جزاء الظالمين في الآخرة‏.‏

وعلي الرغم من هذا الأدب في الحوار‏,‏ والتحذير الشديد من النار فإن الأخ الظالم سولت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين‏.‏

وبعد وقوع أول جريمة قتل لآدمي علي وجه الأرض أصابت القاتل مختلف ضروب الحسرة والحيرة لأنه فوجيء بأخيه جثة هامدة أمامه بلا حراك‏,‏ ولم يدر ماذا يصنع بها بعد أن قتل صاحبها‏,‏ وبدأت الجثة في التعفن أمامه‏,‏ فأرسل الله تعالي غرابا ينبش أمام هذا الإنسان القاتل في تراب الأرض ليدفن غرابا ميتا‏,‏ كي يعلم هذا القاتل الأول من بني آدم كيف يواري جثة أخيه في تراب الأرض سترا لها‏,‏ فانفجر هذا القاتل باكيا‏,‏ ومتحسرا علي جريمته‏,‏ ومستشعرا سوء عمله وعجزه وحيرته قائلا‏:‏ ياويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي‏...‏ فقام بدفن جثة أخيه وهو يبكي ندما علي جريمته‏.‏

وكما كانت هذه هي أول جريمة قتل يقترفها الإنسان كانت عملية دفن جثة هذا القتيل هي أول عملية دفن في تاريخ البشرية‏,‏ وهذا الدفن في تراب الأرض كان بأمر من الله تعالي عن طريق عمل الغراب إكراما للميت‏,‏ ومنعا لانتشار الأمراض والأوبئة إذا بقيت جثث الموتي معرضة للهواء‏.‏

وعقابا لقاتل أخيه بغير ذنب‏,‏ وتجريما لعملية القتل ظلما‏,‏ روي الإمام أحمد بسنده إلي ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال‏:‏ قال رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ لا تقتل نفس ظلما إلا كان علي ابن أدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل‏.‏

وكطبيعة القرآن الكريم‏,‏ أوردت الآيات‏(27‏ 31)‏ من سورة المائدة‏:‏ قصة ابني آدم دون الدخول في التفاصيل كالأسماء‏,‏ والأماكن‏,‏ والتواريخ‏,‏ وذلك من أجل ابراز الدروس المستفادة‏,‏ والعبر المستفادة من عرض القصة لنموذجين من نماذج البشرية النموذج التقي الصالح‏,‏ والنموذج الشقي الطالح‏,‏ وكلاهما في موقف من مواقف الطاعة لله تعالي يقدم كل واحد منهما قربانه إلي ربه‏..‏ فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر‏,‏ والفعل‏(‏ تقبل‏)‏ مبني للمجهول‏,‏ ليشير إلي قوة غيبية‏,‏ تقبلت أو لم تتقبل القربان بكيفية غيبية كذلك‏,‏ حتي تسد علي التفكير البشري المحدود مجال الشطحات غير المرتبطة بنص صريح من كتاب الله تعالي أو من سنة رسوله صلي الله عليه وسلم ولكي تؤكد براءة الذي تقبل منه قربانه‏,‏ حيث لم يكن له يد في قبوله‏,‏ ومن هنا لم يكن لأخيه مبرر في الغضب منه والحنق عليه حتي يجيش في نفسه خاطر قتل أخيه‏,‏ وفي ثورة هذا الغضب هدد أخاه بالقتل قائلا‏:‏ لأقتلنك‏,‏ فلم يكن عند صاحب التقوي والورع من جواب إلا أن يقول‏:‏ إنما يتقبل الله من المتقين‏,‏ وهذا هو الدرس الأول المستفاد من هذه القصة‏.‏

ويضيف الأخ الصالح قائلا لأخيه‏:‏ لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لا قتلك إني أخاف الله رب العالمين‏,‏ ويحذر أخاه من الوقوع في جريمة القتل‏,‏ فيقول له‏:‏ إني أريد أن تبوأ بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين‏,‏ والإثم الأول‏:‏ هو إثم القتل الذي كانت تراوده به نفسه الأمارة بالسوء‏,‏ والإثم الثاني‏:‏ هو إثم عدم الإخلاص لله الذي أدي إلي عدم قبول القربان منه‏,‏ وإن كان الإثم الأول قد جاء لاحقا للإثم الثاني‏.‏

وما قاله الأخ الصالح التقي للأخ الطالح الشقي كان من أجل اقناعه بخطورة جريمة القتل‏,‏ في محاولة لصده عن الوقوع فيها دون جدوي‏,‏ وقد سجل القرآن الكريم ذلك بقول الحق تبارك وتعالي‏:‏ فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين‏,‏ وهذا هو الدرس الثاني المستفاد من إيراد هذه الواقعة‏,‏ لأنه قتل نفسا بغير حق‏,‏ فأورد نفسه موارد المسئولية أمام الله‏,‏ وكان المقتول هو أخاه شقيقه‏,‏ المفروض فيه أنه عونه ونصيره في الحياة‏,‏ فخسر الدنيا والآخرة‏,‏ وذلك هو الخسران المبين‏.‏

وقد شاء الله تعالي أن يوقف هذا الشقيق القاتل أمام عجزه عن كيفية التخلص من جثة أخيه الذي قتله بيده‏,‏ وتركه مسجيا علي الأرض جثة هامدة تتعفن أمام ناظريه‏,‏ وهو لا يدري ماذا يفعل بها‏,‏ والموت له رهبة لا يستطع القلم وصفها‏,‏ والإنسان مكرم حيا وميتا‏,‏ وهذا ما أوقع الأخ القاتل لأخيه في حيرة شديدة‏.‏

وبينما الأخ القاتل في حيرته وسط هذه الدوامة من المشاعر والأحاسيس المتضاربة‏,‏ بعث الله تعالي غرابا يعلمه كيف يواري سوءة أخيه‏,‏ وفي ذلك يقول القرآن الكريم‏:‏

فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال ياويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين‏.‏

وهنا قام هذا الشقيق القاتل بدفن جثمان أخيه كما علمه الغراب‏,‏ فأصبح دفن أموات بني آدم سنة ألهمها الله تعالي لعباده‏,‏ وهذا هو الدرس الثالث‏,‏ المستفاد من ايراد قصة ولدي آدم في القرآن الكريم‏,‏ وهي تؤكد تصارع الخير والشر في الحياة الدنيا‏,‏ حتي بين الأشقاء وبين أبناء الأنبياء‏.‏

وتبين الواقعة كذلك أن الباطل لا منطق له ولا حجة تدعمه‏,‏ ولذلك فسلاح أهل الباطل هو دوما البطش والقتل والطغيان‏,‏ دفاعا عن مواقفهم الهزيلة‏,‏ كما يحدث اليوم علي أرض فلسطين‏,‏ وفي كل من العراق وأفغانستان‏,‏ وعلي أراضي كل من الصومال والسودان وكشمير وأراكان وإنجوشيا والشيشان وفي غيرها من بلاد المسلمين‏.‏

وهذا هو الدرس الرابع المستفاد من ايراد تلك الواقعة‏,‏ وايرادها هو من أوجه الإعجاز الإنبائي الغيبي في كتاب الله لأن الواقعة لم يشهدها أي من الناس سوي أبوينا آدم وحواء وأبنائهما المباشرين‏,‏ ولم يكن لأحد من أهل الجزيرة العربية في زمن الوحي إلمام بها علي الإطلاق‏.‏

من هنا كانت إشارة القرآن الكريم إلي قصة ولدي آدم تمثل وجها من أوجه الإعجاز في كتاب الله نسميه الإعجاز الإنبائي الغيبي حيث إن القرآن الكريم يخبر عن واقعة غيبية وقعت من قبل عشرات الآلاف من السنين‏,‏ ولم يشهدها من بني آدم إلا آدم عليه السلام نفسه وزوجه وعدد من أوائل ابنائهما‏,‏ ولم يكن لأحد من كفار ومشركي قريش إلمام بهذه الواقعة‏.‏

إذا علمنا أن العرب في زمن الجاهلية لم يكونوا أهل علم وتدوين‏,‏ بل كانوا في غالبيتهم من الأميين‏,‏ وكذلك كانت غالبية أهل الكتاب الذين كانوا موجودين في عدد من الجيوب المعزولة علي أطراف شبه الجزيرة العربية الشمالية والشمالية الشرقية‏,‏ والجنوبية الغربية كالمناذرة الذين سكنوا شمال الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق‏,‏ وكانوا عربا واعتنقوا النصرانية وتحالفوا مع الفرس‏,‏ ثم دخلوا الإسلام بعد الفتح الإسلامي‏,‏ وكالغساسنة وهم سلالة عربية كذلك‏,‏ يمنية الأصل هجرت بلادها عند انهيار سد مأرب في القرن الثالث الميلادي‏,‏ واستوطنت بلاد حوران وشرقي الأردن وفلسطين ولبنان‏,‏ واعتنق عدد من أبنائها الديانة النصرانية‏,‏ ثم أسلم غالبيتهم بعد الفتح الإسلامي‏,‏ وكيهود كل من خيبر ويثرب والذين أسلم بعضهم بعد وصول رسول الله صلي الله عليه وسلم إلي المدينة‏,‏ ويهود ونصاري كل من نجران واليمن‏..‏

إذا علمنا ذلك‏,‏ أدركنا ومضة الاعجاز الانبائي في إيراد القرآن الكريم لقصة ولدي آدم بالصورة التي اتسم بها هذا الكتاب العزيز في ايراد القصة لا بتفاصيلها التاريخية‏:‏ المكانية والزمانية‏,‏ ولا بكثرة أسماء وأعمار الأشخاص الواردة اسماؤهم فيها ولكن بإيراد الدروس والعبر المستفادة منها‏,‏ وهذا هو الفارق بين الوحي السماوي الذي حفظ بعهد من الله تعالي وبين قصص التراث الشعبي الذي نقل مشافهة عبر آلاف السنين فأضيف إليه ما أضيف وحذف منه ما حذف‏.‏

فالحمد لله علي نعمة الإسلام‏,‏ والحمد لله علي نعمة القرآن‏,‏ والحمد لله علي بعثة خير الأنام صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.



*مفكر اسلامي مصري واستاذ علوم الارض والجيولوجيا
*جريدة الاهرام
20/7/2009


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.