عالم متعدد الأقطاب د. معمر الفار تقييم صحوة الدب العسكرية الروسية التي تشهدها في الوقت الحاضر، لا يتعلق بالرغبة في مقابلة تسلح الولاياتالمتحدة ولا بالتهيؤ للمنافسة، كما كان إبان العهد السوفييتي. ولكن الهدف هو امتلاك وسائل لا غنى عنها لمقاومة ضغط وابتزاز الأخيرة.
إعادة التسلح، والتي يرجا منها ضمان تعددية قطبية جديدة، سبق لها أن درست بتعاون مع قوات عظمى أخرى في العالم. بعد أزمة استمرت خلال السنوات الطويلة في التسعينات من القرن الماضي بدأت القوات المسلحة الروسية والمؤسسة الصناعية العسكرية الروسية تستعيدان عافيتهما وقدرتهما المعهودة.
روسيا لا تحتاج إلى هذه الأسلحة من أجل الحرب وإنما تحتاج إليها كوسيلة لحماية المصالح الوطنية للدولة. ومع ذلك فإن القوات النووية الإستراتيجية الرادعة الروسية في انخفاض مستمر. وأقرب مثال لذلك حل عدة فرق والتي تمثلت أسلحتها في الصواريخ الإستراتيجية الثقيلة، والصواريخ ذات الرؤوس.
ولكن ليس الصواريخ ذات الرؤوس النووية وحدها ما يسهر على أمن الدولة الروسية وإن ظلت الوسيلة الرئيسية لحفظ الأمن وحماية المصالح الوطنية لروسيا، بل إن القوات المسلحة بأسرها حريصة على السهر على المصالح الوطنية.
إن القوات المسلحة أحد أهم مقومات الدولة وضمان سيادتها. ولديها استعداد لتأمين الاستقرار الدولي وحماية روسيا من أي محاولة لممارسة الضغط العسكري السياسي والضغط العسكري.
ولهذا الغرض تقوم موسكو بتحديث قوات الصواريخ الإستراتيجية والدفاع الجوي الفضائي والأسطول الحربي، وتدشن مشاريع طموحة في مجال صناعة الطائرات مثل طائرة قتالية من الجيل الخامس التي تفوق كفاءة جميع الطائرات المماثلة التي تمتلكها الدول الأخرى. وعملت على صنع نظام صاروخي مضاد للطائرات جديد يعرف باسم 400 تريومف.
وتقوم بتطوير القدرة التنقلية لقوات المظلات والقوات الأخرى، وتزود الجيش بالمعدات العسكرية والوسائل القتالية الجديدة وأجهزة الاتصال الحديثة وأيضا بما يحتاج الجيش إليه للقيام بأعمال الاستطلاع ومواجهة التشويش الإلكتروني وتحديد الموقع ومعرفة الوجهة على الأرض وفي الجو، وتوجيه الأسلحة إلى الأهداف المطلوب تدميرها وتنظيم استخدام الأسلحة المتوفرة مجتمعة بشكل شامل.
لا بد من الإشارة إلى أن انشغال الدولة الروسية بتعزيز قدرتها العسكرية، لا يدل بصورة أو بأخرى على وجود خطط عدوانية لدى القيادة الروسية ولا على نية اللجوء إلى الضغط العسكري ضد أي دولة قريبة أو بعيدة. وليس لروسيا أي طموحات إمبراطورية لأسباب شتى. لاسيما وأن هذه القدرة العسكرية مازالت أسيرة كم كبير من المشكلات.
روسيا لا تفكر في ممارسة أي ضغط عسكري على حلف الناتو، مثلا، أو على بلدانه بل تتطلع إلى التعاون مع حلف شمال الأطلسي في إطار مجلس روسيا الناتو وإلى الشراكة الثنائية مع بلدان الحلف في شتى المجالات بما فيها مكافحة الإرهاب الدولي ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل ومنع انتشار المخدرات وإنشاء نظام دفاعي أوروبي مضاد للصواريخ والكثير غير ذلك.
وإذا كانت هذه القدرة العسكرية، وهي حد أدنى مما هو مطلوب لتوفير الحماية للبلاد، تمكن القيادة الروسية حسب قول الرئيس بوتين من حفظ الاستقرار في العالم وحماية روسيا من محاولات ممارسة الضغط السياسي والعسكري فهذا أمر آخر خاصة وان أساليب السياسة الخارجية هذه ما زالت قائمة في العالم.
وحتى لا يحدث ما يشبه ذلك في القارة الأوروآسيوية تعمل روسيا على تعزيز قدرتها العسكرية وتقوم بتطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والتجارية والعسكرية الفنية وغيرها من العلاقات مع بلدان العالم الرئيسية بما فيها فرنسا وألمانيا والهند والصين..
وتعمل روسيا مع هذه البلدان على إنشاء نظام عالمي متعدد الأقطاب يقدر على التصدي للعدوان وسياسة القوة في العلاقات الدولية. وترى موسكو في نهاية المطاف أن السلام والأمن والاستقرار وفرص التنمية لا تحتاج روسيا إلى كل ذلك وحدها، بل إن ذلك مطلوب لجيرانها وحلفائها وشركائها. وليس هناك أي فارق بين القوات المسلحة الروسية وبين جيوش الدول المتحضرة الأخرى في هذا المجال لأن هدف القوات المسلحة الروسية المنبعثة حاليا تأمين كل ذلك. عن صحيفة البيان الاماراتية 16/1/2008