أولمرت وغزة عبدالله اسكندر لم يعد، على ما يبدو، أمام رئيس الحكومة الإسرائيلي أيهود أولمرت المهدد إلا الرضوخ إلى اكثر الاطراف تعنتا وتصلبا بين وزرائه. فهو مهدد بتقرير لجنة فينوغراد عن الحرب على لبنان والمتوقع صدروه في نهاية الشهر. التقرير قد يطوله شخصيا، ويحمله مسؤوليات في الانقياد الاعمى لضباط الجيش، وإن من المستبعد ان يوصي بتخليه عن منصبه. وفي هذه الحال يحتاج إلى إستمرار حزب العمل في الحكومة بعدما وعد زعيم هذا الحزب وزير الدفاع إيهود باراك بالإستقالة في حال تعرض التقرير لمسؤولية رئيس الوزراء. وأولمرت مهدد ايضا، وقبل تقرير فينوغراد، من الحليف المتطرف «اسرائيل بيتنا» وزعيمه أفيغدور ليبرمان الذي يهدد بالإستقالة في حال تناولت المفاوضات مع الفلسطينيين ايا من القضايا المتعلقة بالمستوطنات، بما فيها العشوائية، والحدود والقدس وحق العودة. أي يضع الشريك الحكومي لأولمرت الفيتو على اي من قضايا الحل النهائي الذي ترغب الإدارة الاميركية في التوصل اليه مع نهاية السنة. فكان على أولمرت غير القادر على المعارضة العلنية لواشنطن، والعاجز عن ضبط شركائه في الحكومة، ان يحاول التملص من وعود مفاوضات الحل النهائي، تلبية لشروط ليبرمان، وان يطلق يد الآلة الحربية الإسرائيلية، تلبية لضغوط باراك. في التفاوض مع الفلسطينيين، لم يخف رئيس الحكومة الإسرائيلية انه لا يتوقع اي تقدم، لكنه يواصل المفاوضات رضوخا لضغط أميركي لحسابات تتعلق بالملف الايراني. وصرح أولمرت بهذا الموقف من أجل ان «يطمئن» ليبرمان وزير الشؤون الإستراتيجية والمكلف الملف الايراني ان لا تغيير في السياسة الإسرائيلية في التعامل مع الوضع الفلسطيني، بعد زيارة بوش وبيانه عن الحل في نهاية السنة. فليس مطروحا حق العودة والانسحاب الى حدود 1967 وتفكيك المستوطنات. في المقابل، ترك أولمرت لوزير دفاعه التعامل الميداني مع الفلسطينيين. فباراك رئيس أركان سابق وصاحب خبرة وتجربة عسكرية واسعة. وكل ذلك في خدمة الاستيطان والردع الاسرائيليين. ومارس باراك هذه السياسة في الضفة الغربية، خصوصا لدى إقتحام نابلس، عشية زيارة بوش وخلال وجوده في إسرائيل. قدم الإسرائيليون للرئيس الاميركي، في إجتماع شبه أمني، معلومات قالوا انهم جمعوها بوسائلهم عن تطور البرنامج النووي الايراني تدحض ما توصلت اليه الاستخبارات الاميركية عن توقف الجانب العسكري من البرنامج. وهذا ما حمله معه بوش الى الخليج ليستمر في الحملة على ايران وتهديدها بكل الخيارات. لكن في المقابل عرض الاسرائيليون في الاجتماع نفسه خطتهم لتوجيه ضربة إلى قطاع غزة. وبحسب الصحافة الإسرائيلية وافق بوش على خطة باراك التي تردد حينها انها ستنفذ بعد مغادرة الرئيس الاميركي للمنطقة. ومثل هذه الخطة، الى جانب الحصار المعيشي والمآسي الإنسانية التي تخلفها، تقضي بانزال اكبر عدد من الضحايا يوميا، مثل ما حصل يوم أمس. وإذا كان الهدف المعلن لهذه الخطة هو وضع حد ل «إعتداءات» مصدرها القطاع ومعاقبة حركة «حماس» على سيطرتها عليه وعدم تسهيلها صفقة إطلاق الجندي شاليت، فانها في الوقت نفسه تستهدف الرئيس محمود عباس، «الضعيف» اصلا بحسب التقويم الاسرائيلي، وتضعه امام مأزق الخيار بين السكوت عن قتل الفلسطينيين في غزة، وما يمكن ان يرتبه ذلك على رصيده الداخلي، او التضامن مع القطاع ليفقد بذلك صفة الشريك في السلام. لم تدخر السلطة الفلسطينية جهدا من اجل ضبط الوضع في الضفة الغربية، وإنتزاع الأعذار من أيدي الإسرائيليين لوقف غارات القتل والدهم والإعتقال وإقامة الحواجز. ورغم هذه الممارسات الإسرائيلية تواظب السلطة على التفاوض وتتمسك به، بما لا يمكّن إسرائيل من التذرع بالموقف الفلسطيني لوقف التفاوض. لكن إسرائيل تعتبر القطاع، في وضعه الراهن، المكان الذي يمكنها فيه ان تنسف المفاوضات، وتلقي المسؤولية على الفلسطينيين. ولذلك يطمئن أولمرت حلفاءه في الحكم ان المفاوضات لن تؤدي إلى نتيجة، وان القتل في القطاع هو السبيل إلى ذلك. عن صحيفة الحياة 16/1/2008