ممدوح الولي بلغ الدين الخارجي 32.1 مليار دولار بنهاية العام الماضي. أي أكبر من احتياطيات الدولة من العملات الأجنبية والتي بلغت 31.1 مليار دولار بنهاية أبريل الماضي. وذلك بخلاف دين عام محلي بلغ 723 مليار جنيه بنهاية العام الماضي. ومع بلوغ الدين الخارجي والمحلي بالموازنة الجديدة 98.2 مليار جنيه كفوائد وأقساط تمثل نسبة 27.7? من إنفاق الموازنة. أي أكبر من الإنفاق علي أي بند آخر بالموازنة سواء كانت الأجور والتي بلغ نصيبها 24.7? أو الدعم والبالغ نصيبه 20.7? شاملاً المشتقات أو الاستثمارات البالغ نصيبها 10.3? من الإنفاق. فإن الأمر يتطلب وقفة مع مظاهر الفشخرة الحكومية المتعددة.. فلدينا أكثر من 20 قناة تليفزيونية.
ومنذ أكثر من خمس سنوات يزيد العجز باتحاد الإذاعة والتليفزيون علي المليار دولار سنوياً. حتي بلغت قيمة العجز خلال الفترة من 2005/ - 2006 إلي 2009/ 2010 نحو 6.4 مليار جنيه بمتوسط سنوي 1.3 مليار جنيه. وكانت مساهمات الخزانة العامة الموجهة لاتحاد الإذاعة والتليفزيون قد بلغت قيمتها خلال نفس السنوات الخمس 3.2 مليار جنيه.
ولنا أن نتصور كم فدان كان يمكن استصلاحه بتلك المبالغ المهدرة.
لدينا 34 وزارة أي ضعف عدد الوزارات الأمريكية رغم أن عدد الأمريكيين 306 ملايين ونحن 77 مليوناً. وكل وزير لديه عدد من السيارات الفخمة. بينما زعيم المعارضة بمجلس العموم البريطاني يذهب إلي المجلس علي دراجة عادية. وعندما تمت سرقتها اشتري دراجة أخري. ويفعل مثله عدد من القيادات الحكومية بدول أوروبية أكثر ثراء منا. لكنهم أكثر حفاظاً علي المال العام.
لدينا مواسم للنفاق الحكومي يتباري فيها الوزراء والمحافظون ورؤساء الهيئات العامة لتقديم التهاني عبر صفحات إعلانية مدفوعة. منها عيد سيناء في أبريل وعيد ميلاد الرئيس في مايو وعيد الثورة في يوليو وعيد نصر أكتوبر. وأحياناً تتم إضافة مناسبات إضافية مثل عيد العمال والأعياد القومية للمحافظات. مع الأخذ في الاعتبار أن تكلفة الصفحة بإحدى الصحف القومية تتراوح ما بين 180 ألف جنيه بدون ألوان وتتدرج حسب نوعية الصفحة حتى تصل إلي 300 ألف جنيه للصفحة الأخيرة بالألوان.
فإذا أضيفت إعلانات التعازي بالصحف علي حساب المال العام فإن كم الهدر ضخم.
ولعل احتساب قيمة إعلانات الصندوق الاجتماعي وحدها يمكن أن يوضح كم فرصة عمل كان يمكن تحقيقها. أو كم قرض متناهي الصغر كان يمكن منحه، خاصة مع إحجام البنوك عن التعامل مع الفقراء. لدينا موالد ومهرجانات وندوات ومؤتمرات علي مدار العام لا طائل منها. تتضمن تكاليفها حجز القاعات المكيفة وتناول أطايب الطعام وتوزيع الحقائب الفاخرة. وبعضها يتم انعقاده خارج العاصمة في الأماكن السياحية لتضاف للتكاليف تذاكر السفر والإعاشة. وكثيراً ما يتم استقدام ضيوف من دول عربية أجنبية لاستكمال الديكور.
فعندما تغيب القدوة فلا تلوموا رجال الأعمال علي ما يمارسونه من فشخرة. لأنهم علي الأقل يتفشخرون بفلوسهم وليس علي حساب المال العام. وعندما تغيب الأولويات ويكون تخصيص الإنفاق حسب قوة ونفوذ المسئول ومن ورائه. فلا تعجب أن تجد موازنة وزارة الثقافة خلال العام المالي الحالي 3.2 مليار جنيه. وأن تصل نفقات قطاعات المتاحف بالمجلس الأعلي للثقافة إلي 723 مليون جنيه. ومكتبة الإسكندرية 89 مليونا والبيت الفني للموسيقي ودار الأوبرا 61 مليون جنيه.
ومن هنا تصبح الأولوية لإنشاء أوبرا دمنهور علي حساب إكمال وصول المرافق الأساسية ووجود مدارس بالصعيد بلا دورات مياه. وينسي هؤلاء أن هناك آلاف البيوت في ريف الصعيد مازالت بلا دورات مياه. وتنتظر النساء بها قدوم الليل حتي يقضين حاجتهن بالخلاء. أو تتصرف النساء بكثير من عشوائيات العاصمة في صفائح يتم إلقاء محتوياتها ليلاً في بالوعات المجاري.
نعم لدينا جهاز مركزي للمحاسبات يقدم تقاريره العامرة بالمخالفات الحكومية للبرلمان لكن مصيرها الدائم هو أدراج المجلس. بعد انتهاء التمثيلية السنوية التي يمثل بها دور البطولة رئيس المجلس ووزير المالية والسنيد رئيس لجنة الخطة والموازنة والكومبارس أعضاء البرلمان.
فطالما نعيش في ظل ديكور ديمقراطي فلن نستطيع محاسبة الكبار علي إهدار المال العام لأن من بينهم كباراً يختارون الوزراء، وكبار المسئولين في ظل الكوتة الموزعة ما بين مراكز القوي الحالية.
*مساعد رئيس تحرير الاهرام وخبير اقتصادي جريدة الوفد -16/6/2009