تريليون و272مليار جنيه.. لا تخضع للموازنة العامة للدولة، ولا لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات ولا مجلس الشعب .. هذا المبلغ يفوق أربعة أضعاف الموازنة العامة للدولة .. هل عرفتم حل اللغز؟.. إنها صناديق علي بابا.. أو الصناديق الخاصة (الباب الخلفي للنهب والفساد) في مصر بعيدا عن العيون والرقابة..يتم الصرف منها علي مظاهر البذخ والترف، ويحصل منها المسئولون والحيتان الكبار علي ملايين الجنيهات شهريا .. في الوقت الذي يتم فيه نزيف الاحتياطي النقدي للدولة شهريا، حتي وصلنا لمرحلة الخطر .. وندرس فيه الاستدانة من صندوق النقد الدولي لكي تزداد ديون مصر أكثر ، في حين تجري عملية نهب منظمة لأموال المصريين ونهب ثروة تزيد قيمتها علي ألف مليار جنيه يتحكم فيها قلة دون ضوابط أو محاسبة!! لغز.. يا من يحله؟! وربما الاستشعار بالخطر الذي يحدق بمصر الآن هو ما جعل وزير المالية د. ممتاز السعيد يصدر قرارا الأيام الماضية يحظر فيه إنشاء أي صناديق خاصة جديدة تتبع الجهاز الإداري للدولة بجميع وحداته وفروعه ، كما صرح بأنه سيتم أيضا دراسة موقف باقي الصناديق الخاصة والمقدرة حسب البيانات ب6368 صندوقا ..والتي هي بعيدة عن إطار الموازنة العامة للدولة ،والضوابط المحكمة للرقابة ،ولا تخضع لضوابط الإنفاق المقررة بالموازنة وهو الأمر الذي أثلج صدورنا جميعا. خاصة أن الواقع يؤكد بأن عدد هذه الصناديق الخاصة والتي تعتبر موازنة خفية تبلغ أربعة أضعاف حجم موازنة الدولة (أكثر من عشرة آلاف صندوق) وتتمثل في صناديق تابعة لجهات سيادية مثل رئاسة الجمهورية ومكتبة الإسكندرية، ووزارة الداخلية، ووزارة العدل.. وغيرها من الصناديق والوحدات ذات الطابع الخاص والتي يتم تمويلها من جيوب المواطنين البسطاء ودم الشعب المصري، حيث تحصل موارد هذه الصناديق من رسوم الطرق(الكارتة)، والغرامات، ورسوم النظافة ، حتي تصل إلي تذاكر زيارة المريض في أي مستشفي حكومي وأجرة مواقف السيارات التابعة للأحياء، والمحليات، والدمغات علي البطاقة ورخص القيادة والبناء والمحلات التجارية والورش، ورسوم دخول الأماكن السياحية،والرسوم الدراسية بالكليات والمعاهد،ورسوم تأمين استخراج اللوحات المعدنية للسيارات، و.........،وخلافه.. فهي باختصار كل ما تدفعه لأي مؤسسة أو هيئة حكومية خلاف الضرائب والجمارك، والغريب أن قيمة هذه الإيرادات والمصروفات والفوائض لتلك الحسابات بالبنوك التجارية يصعب حصرها ولا تعلم أي جهة بمصر عددها وليس لها لائحة مالية أو إدارية معتمدة من المالية، وذلك بالمخالفة للقانون (139) لسنة 2006 وبتعديل بعض أحكام القانون (127) لسنة1981 بشأن المحاسبة الحكومية والذي تضم المادة (30 مكرر) التي تقضي بأنه لا يجوز لوحدات الجهاز الإداري والإدارة المحلية والهيئات العامة الخدمية والاقتصادية وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة التي تعد من الجهات الإدارية فتح حسابات باسمها أو باسم الصناديق الخاصة التابعة لها خارج البنك المركزي إلا بموافقة وزير المالية، وكما أنه لا يجوز لوزير المالية الترخيص بفتح حسابات بالبنوك خارج البنك المركزي. والغريب أن كل هذه الأموال لا تذهب إلي الموازنة العامة للدولة، فهي "الباب الخلفي" الذي يحصل منه المسئولون علي ملايين الجنيهات شهريا.. فكل صندوق له رئيس يحصل علي نسبة من الصندوق شهريا. .ونظرا لعدم وجود رقابة علي هذه الصناديق تحدث بها العديد من التجاوزات، والمخالفات بالمليارات.. فعلي سبيل المثال آخر تقرير للجهاز المركزي للمحاسبات لعام 2009- 2010 أحصي تلك المخالفات 8.8 مليار جنيه.. وإيراداتها السنوية 21 مليار جنيه. وهي بالطبع أرقام مشكوك فيها من حيث الحجم.. لأننا إذا رجعنا إلي البيان التحليلي للموازنة العامة نجد أن ما يؤل للموازنة العامة للدولة من هذه الصناديق يتراوح ما بين 10 و12 مليار جنيه.. هذه النسبة حسب ما تقتضي لوائح إنشاء الصناديق لا تزيد علي 5 ٪ , وأحيانا في بعض اللوائح لا تزيد علي 0.5 ٪ أو 1 ٪.. ولو افترضنا وأخذنا بالنسبة الأكبر وهي ال 5 ٪ فإن هذا يعني أن إيرادات الصناديق في العام الواحد تبلغ 240 مليار دولار. وتقارير الجهاز المركزي تؤكد أن إجمالي المبالغ التي توجد في هذه الصناديق تبلغ 1272 مليار جنيه.. وهذا الرقم الكبير هو ما يشجع الجميع بالمطالبة بضم حصيلة هذه الصناديق للموازنة العامة للدولة , فلا يعقل أن تدخل 20 ٪ من الإيرادات لموازنة الدولة , في حين لا تدخل 80 ٪ من الإيرادات للموازنة.. ثم نشتكي بعد ذلك أن الموازنة تعاني عجزا كبيرا!! ونضطر إلي الاستدانة , ديون مصر والتي بلغت الآن في موازنة 2010/2011 إلي تريليون و 200 مليار جنيه.. وتصل أعباء خدمة هذا الدين إلي 65 ٪ من جملة الإيرادات العامة. والمشكلة أنه يتم الآن "حرق" الأموال في هذه الصناديق.. فمع كثرة الحديث عنها وما يوجد فيها من مخالفات بدأ القائمون عليها في تهريب تلك الأموال أو توزيعها فيما بينهم.. مثلا صندوق النظافة في محافظة المنوفية توجد به مادة تقول إنه يجوز لمجلس إدارة الصندوق صرف أموال كمكافآت علي أعضاء المجلس. الأمثلة علي أعمال الفساد من وراء هذه الصناديق كثيرة والتي يتحكم فيها الوزراء، ورؤساء الهيئات الإدارية، ورؤساء الجامعات، ورؤساء مجالس صناديق المحافظات..فعلي سبيل المثال تحصل وزارة الداخلية علي ملياري جنيه سنوياً من صناديق تمولها الرسوم والضرائب فلوزارة الداخلية أكثر من صندوق خاص أهمها..صندوق تأمين لوحات السيارات والذي يقدر رصيده ما يزيد علي 600 مليون جنيه، وصناديق رسوم المرور والتي تشتمل علي رسوم رخص تسيير السيارات، ورسوم رخص قيادة السيارات، ورسوم بطاقات التعريف للسائقين المهنيين، ورسوم الاختبار الشفوي لطالبي رخص القيادة، ورسوم فحص السيارات والفحص البيئي، وتقدر حصيلة تلك الصناديق بما يزيد علي 2 مليار جنيه سنوياً، والأمر الخطير أنه كان يتم الصرف من تلك الصناديق بمعرفة وزير الداخلية الأسبق ومساعديه، دون لوائح معتمدة لها من وزارة المالية ودون رقابة من قبل وزارة المالية والجهاز المركزي للمحاسبات. كل هذا في الوقت الذي يطالب فيه المصريون بوضع آلية تضمن استرداد الأموال التي نهبها كبار رجال الأعمال وكبار رجال السلطة في النظام السابق،في حين تجري في الداخل عملية نهب منظم لأموال المصريين ونهب ثروة تزيد قيمتها علي تريليون جنيه "ألف مليار" يتحكم فيها مجموعة من المسئولين دون ضوابط أو محاسبة.. وهي أموال قادرة علي حل أخطر مشكلة تقابل الحكومة الحالية حيث تستطيع هذه الأموال سد عجز الموازنة للدولة، ومضاعفة أجور العاملين في الدولة، والتي لا تتجاوز 100 مليار جنيه سنويا، وتنفيذ الالتزامات والصحية وغيرها بدون المساس بالاحتياطي النقدي للدولة. مثال آخر ما يحدث في برنامج التعليم المفتوح.. بجامعة القاهرة،والتي تحقق دخلا ماليا من هذا البرنامج يقترب من 400 مليون جنيه سنويا أوفي أقل تقدير 130مليونا.. فأين تذهب هذه الأموال؟.. نجد أن رئيس الجامعة يحصل علي مكافأة شهرية من البرنامج تصل إلي 600 ألف جنيه، بينما يحصل مدير مركز التعليم المفتوح علي دخل شهري 125 ألف جنيه.. وفي سبيل حصد هذه المكاسب المهولة تم القفز علي الكثير من المعايير والشروط الخاصة بقبول الطلاب ببرامج التعليم المفتوح ،حدث ذلك علي سبيل المثال، عندما تقرر قبول الحاصلين علي الثانوية العامة بهذه البرامج دون شرط مرور خمس سنوات علي المؤهل، فقد خضع شرط المجموع الذي تم تحديده للالتحاق ببرنامج الإعلام لمناقصة "سرية" بالتنسيق بين كلية الإعلام والمركز، بدأت باشتراط الحصول علي 75٪ لينخفض إلي 60٪ ثم إلي 55٪ والهدف من ذلك بالطبع يتمثل في قبول أكبر عدد من الطلاب حتي تزيد الحصيلة.. وحتي الملايين التي تتبقي من فوائض أموال التعليم المفتوح بعد التشبع بالمكافآت، يتم إنفاقها في بنود عجيبة..مثل شراء سيارات فارهة, لتستخدمها القيادات في تنقلاتها، بالإضافة إلي آلاف الدولارات التي تدفع كبدل سفر للقيادات التي تذهب في جولات بدول الخليج بذريعة متابعة أوضاع مكاتب التعليم المفتوح.. وربما كانت أموال التعليم المفتوح أيضاً هي مصدر تمويل ذلك الحفل الذي نظمته جامعة القاهرة بمناسبة منح حرم الرئيس المخلوع الدكتوراه الفخرية!". ببيان الحسابات الخاصة للوحدات ذات الطابع الخاص والصناديق الخاصة التي أمكن حصرها بالحساب الموحد بالبنك المركزي بالعملة المحلية في 30 يونيه 2010 توضح أن الحسابات الخاصة بوحدات الجهاز الإداري بلغ عددها 783 حسابا تحتوي علي 8.7 مليار جنيه،و تشير إلي أن إجمالي ما حصلته هذه الحسابات خلال العام المالي 2009 / 2010 بلغ أكثر من 6.7 مليار جنيه صرفت منه حوالي 6.1 مليار جنيه، أما حسابات وحدات الهيئات الاقتصادية فقد بلغ عددها 115 تحتوي علي أكثر من 3 مليارات جنيه، و1269 حسابا لوحدات الإدارة المحلية تحتوي علي 7.6 مليار جنيه، أما الهيئات الخدمية فبلغ عدد حساباتها 276حسابا بلغت أرصدتها 3.5 مليار جنيه، حيث كانت هذه الهيئات من أعلي الجهات في تحصيل وصرف الحسابات حيث حصلت في عام 2009/2010 م ما يقرب من 26.5 مليار جنيه في حين تعدي ما قامت بصرفه 27 مليارا..كما كانت جامعة الإسكندرية صاحبة أكبر عدد حسابات بين الجامعات حيث بلغت 367 حسابا يبلغ رصيدها 334 مليون جنيه، في حين جاءت جامعة عين شمس صاحبة أعلي رصيد بلغ 462 مليون جنيه في 230 حسابا، بعدها تأتي جامعة بني سويف بأرصدة بلغت 317.8 مليون جنيه في 49 حسابا، تليها جامعة المنصورة بأرصدة 175.8 مليون جنيه في 59 حسابا، ثم جامعة الزقازيق برصيد حوالي 159 مليون جنيه في حسابات بلغ عددها 139. أما اتحاد الإذاعة والتليفزيون فقد بلغت حساباته 18 حسابا تحتوي علي رصيد قدره 172 مليون جنيه، هذا فضلا عن الحسابات الخاصة للأشخاص الاعتيادية والتي بلغ عددها 131 حسابا تحتوي علي 554 مليون جنيه.. وتوضح تقارير المتابعة التي أعدها العاملون بالجهاز المركزي للمحاسبات لحسابات تلك الصناديق والوحدات الخاصة، خروج معظمها عن الضوابط التي تحكم إنشائها والرقابة عليها، وصرف معظم مواردها في غير الأهداف المنشأة من أجلها، وواكب ذلك التوسع السرطاني في إنشائها، حيث بلغ إجمالي إيراداتها، وفق بيان الجهاز المركزي للمحاسبات للسنة المالية 2003/200 نحو 9.9 مليار جنيه، ومصروفاته 6.5 مليار جنيه وبلغت فوائضها في 30 يونيه 2004 نحو 3.7 مليار جنيه، أن إجمالي ودائعه في العام نفسه نحو 4.4 مليار جنيه، وهذه الحسابات منتشرة في جميع البنوك التجارية خلال ذلك العام، في الوقت الذي زادت كل هذه القيم بشكل ملحوظ خلال عام 2009/2010 حتي بلغ إجمالي إيراداتها نحو 88.2 مليار جنيه، وبلغ إجمالي مصروفاتها لذات العام نحو 61.5 مليار جنيه، وبلغت فوائضها نحو 26.8 مليار جنيه، وهي الحسابات التي أمكن حصرها بالحساب الموحد بالبنك المركزي بالعملة المحلية فقط، وبمقارنة الأرقام المذكورة لعامي 2003/2004 ولعام 2009/2010 يتضح التطور السرطاني الرهيب لقيمة إيرادات ومصروفات وأرصدة تلك الحسابات الخاصة . إن ما يحدث الآن من تلاعب في هذه الصناديق يستلزم أن يتم فورا وقف نزيف إهدار المال العام بواسطة تلك الحسابات، وإلزام كافة الوحدات التابعة للجهاز الإداري بالدولة وغيره بتحويل ما لديها من حسابات خاصة إلي الحساب الموحد بالبنك المركزي وتكوين لجنة من المراقبين من أعضاء الجهاز المركزي للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية ووزارة المالية لتقصي الحقائق عن عمل تلك الحسابات الخاصة، وضم تلك الثروة إلي الموازنة العامة للدولة ليستفيد منها كل المصريين.