كنيسة القديس مار مرقس الرسول بدمنهور تعقد لقاء بعنوان "النجاح في حياة زوجة الأب الكاهن"    في جولة مفاجئة.. محافظ الغربية يتفقد موقف الزراعة بالمحلة ويتابع انتظام حركة النقل    وزير البترول يبحث مع مؤسسة البترول الكويتية وكوفبيك ونفط الكويت تعزيز التعاون    مصر تدين هجوم سيدني وتؤكد رفضها للعنف والتطرف    تشارلي أوستن: ليفربول لا يمكنه بيع محمد صلاح    كأس العرب.. متعة المشاهدة لماذا؟    إحالة أوراق شاكر ومدير أعماله للنيابة الجزئية في قضية السلاح والمخدرات    فرحة لم تكتمل.. مصرع عريس بعد 45 يومًا من زفافه بالصف    نقابة المهن التمثيلية تنعى شقيقة عادل إمام    هل تصح صلاة المرأة دون ارتداء الشراب؟.. أمين الفتوى يوضح    مدرب بصالة ألعاب يعتدى على شاب لخلاف على قيمة مشروبات ببولاق الدكرور    العثور على جثة رضيع حديث الولادة بقنا    وزير العدل يشهد أداء اليمين القانونية للأعضاء القانونين الجدد بمصلحة الشهر العقارى    مصطفى كامل يتصدر الترند بعد طرح «هما كده» في أقل من 24 ساعة    الأثنين.. افتتاح متحف المقرئين بالعاصمة الجديدة    بعد تسجيل عبلة كامل.. مفيدة شيحة تشيد بلميس الحديدي: رجّعتي لنا صوت بنحبه ونحترمه    مصر تدين الهجمات على مقر بعثة الأمم المتحدة بمدينة كدوقلي في السودان    صندوق تحيا مصر يطلق "أسبوع الخير" بالأقصر لتقديم أضخم حزمة خدمات اجتماعية وصحية ل 10 آلاف أسرة و4 آلاف طالب    حل مجلس إدارة الزمالك؟ وزارة الرياضة توضح الحقيقة بعد بيان النيابة العامة    منتخب مصر يحقق برونزية بطولة كأس العالم للفرق المختلطة للاسكواش    مسئولو الإسكان يتابعون سير العمل بالإدارة العقارية بجهاز مدينة دمياط الجديدة    بحضور كمال وزكي.. وزير العمل يستقبل وفد لجنة الطاقة والبيئة بمجلس الشيوخ    محمد أنور يساند أحمد السقا بعد الهجوم عليه بسبب رسالته إلى محمد صلاح وليفربول    كريستال بالاس ضد مان سيتى.. جوارديولا: ملعب بالاس صعب وفودين يتطور    الإفتاء: التنمر عدوان محرم شرعًا.. وإيذاء الآخرين نفسيًا إثم مبين    العزل المنزلى!    البورصة تختنم تعاملات اليوم بارتفاع جماعي وربح 7 مليارات جنيه    محافظة القليوبية تنتهي من تجهيزات اللجان وترفع درجة الاستعداد    باحث سياسي: حادث سيدني هزَّ المجتمع الأسترالي بأسره    وكيل صحة سوهاج يلتقى مدير مستشفى جهينة المركزي لمناقشة تطوير الخدمات    «عبد الهادي» يتفقد الخدمات الطبية بمستشفى أسوان التخصصي    إزاحة الستار عن تمثالي الملك أمنحتب الثالث بعد الترميم بالأقصر    وفاة طفلة دهسا تحت عجلات القطار في محافظة أسيوط    الفيوم تتميز وتتألق في مسابقتي الطفولة والإلقاء على مستوى الجمهورية.. صور    وكيل تموين كفر الشيخ: صرف 75% من المقررات التموينية للمواطنين    محافظ كفر الشيخ: شلاتر إيواء وتدريب متخصص لمواجهة ظاهرة الكلاب الحرة    محمد صلاح ولاعب الزمالك بالقائمة.. موعد حفل جوائز ذا بيست 2025    الجيش الإسرائيلي يقتل فلسطينيًا بزعم محاولة تنفيذ عملية طعن قرب الخليل    جريدة مسرحنا تصدر ملف «ملتقى الأراجوز والعرائس» إحياءً للتراث في عددها الجديد    غلق 156 منشأة وتحرير 944 محضرا متنوعا والتحفظ على 6298 حالة إشغال بالإسكندرية    رئيس الوزراء الأسترالي: حادث إطلاق النار في سيدني عمل إرهابي    فيلم «اصحى يا نايم» ينافس بقوة في مهرجان القاهرة الدولي للفيلم القصير    جون سينا يعلن اعتزال المصارعة الحرة WWE بعد مسيرة استمرت 23 عامًا .. فيديو    "القومي لحقوق الإنسان" يطلق مؤتمره الصحفي للإعلان عن تقريره السنوي الثامن عشر    هناك تكتم شديد| شوبير يكشف تطورات مفاوضات الأهلي لتجديد عقد ديانج والشحات    الصحة: لا توصيات بإغلاق المدارس.. و3 أسباب وراء الشعور بشدة أعراض الإنفلونزا هذا العام    حكم الوضوء بماء المطر وفضيلته.. الإفتاء تجيب    امين الفتوى يجيب أبونا مقاطعنا واحتا مقاطعينه.. ما حكم الشرع؟    مصر تطرح 5 مبادرات جديدة لتعزيز التعاون العربي في تأمين الطاقة    سفراء التحكيم المصري في أمم أفريقيا يتوجهون إلى المغرب    أرتيتا: إصابة وايت غير مطمئنة.. وخاطرنا بمشاركة ساليبا    "الغرف التجارية": الشراكة المصرية القطرية نموذج للتكامل الاقتصادي    مصطفى مدبولي: صحة المواطن تحظى بأولوية قصوى لدى الحكومة    نظر محاكمة 86 متهما بقضية خلية النزهة اليوم    سوريا تكشف ملابسات هجوم تدمر: المنفذ غير مرتبط بالأمن الداخلي والتحقيقات تلاحق صلته بداعش    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 14ديسمبر 2025 فى المنيا    وزيرا خارجية مصر ومالي يبحثان تطورات الأوضاع في منطقة الساحل    اليوم..«الداخلية» تعلن نتيجة دفعة جديدة لكلية الشرطة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ايتام على مائدة أوباما !! / د.راغب السرجاني
نشر في محيط يوم 13 - 06 - 2009


ايتام على مائدة أوباما !!


* د.راغب السرجاني

سأل موظف رئيسه في العمل: هل يمكن أن ندخِّن السجائر ونحن نعمل؟ فثار الرئيس وقال: هذا إهمال جسيم، وتضييع لوقت العمل. فذهب الموظف، وجاء آخر يقول لرئيسه: هل نستطيع أن نعمل ونحن ندخن؟ فقال الرئيس: بالطبع تستطيعون، وأنا أقدِّر لكم حرصكم على العمل في كل أوقاتكم، حتى وأنتم تدخنون!!

لقد حدثت مشكلة التدخين في الحالتين، بل لعلَّ الوضع سيكون مزريًا بصورة أكبر؛ لأنّ الموظفيْن حصلا على موافقة صاحب العمل، والفارق بين الموقفيْن هو أسلوب العرض، لكن النتيجة واحدة، وقد تم خداع صاحب العمل، وأقرَّ بالتدخين في داخل شركته!

هذا هو ما حدث في زيارة أوباما الأخيرة لمصر!

لم يحدث أي اختلاف في الاستراتيجية الأمريكية، ولا في الأهداف العليا للدولة، ولكن الذي اختلف هو التكتيك والخُطّة، فالجميع: بوش وأوباما ومَن قبلهما يتجهون إلى نقطة واحدة، ولكنْ كلٌّ منهم بطريقته، وإذا انخدع المسلمون بما يفعل الرؤساء الأمريكيون فهذا خطأ المسلمين في المقام الأول.

إرسال جنود أمريكان إلى أفغانستان

لقد أعلن أوباما في منتهى الوضوح والصراحة أنه يرأس أمريكا، ومن ثَمَّ فهمُّه الأول أن يحفظ أمنها واستقرارها، وأن يحقق مصالحها قدْر ما يستطيع، وهذا أمرٌ لا يلومه عليه أحد. ثم إنه تطوّر في الصراحة، وقال في منتهى الوضوح: إن علاقة أمريكا بإسرائيل علاقة ثابتة غير قابلة للانكسار، وأن الجذور التي بينهما تاريخية. وهذا الإعلان في هذا المكان عجيب، حيثُ تجاهلَ تمامًا أنه يخطبُ مِنَ القاهرة، وتجاهل أنه يخاطبُ العالمَ الإسلاميَّ. وهذا التجاهلُ متعمَّد؛ فهو يريدُ للمخدوعين أن يفهموا هذه الحقيقة جيدًا، وأن يدركوا أن أصولَه الإسلامية الإفريقية لا تعني شيئًا بالمرَّة، بل إنَّه أعلن بوضوح أنّه مسيحيٌّ متمسك بالمسيحية.

وفوق ذلك فقد أدخل - بلا داعٍ - موضوعَ المحرقة اليهودية في أوربا، زاعمًا أنّ الذي ينكرها جاهلٌ، ولا ندري لماذا يُدخِل مثل هذه النقطة في حواره مع المسلمين؛ فالذين قاموا بالمحرقة - إن كانت حدثتْ على النحو الذي يصفون - نازِيُّون ألمان، فما دخْل المسلمين بهذا؟! وإذا كانت فعلاً ألمانيا تجنّت على اليهود فلماذا لم تقطعوا جزءًا من ألمانيا وتقيموا فيه دولة إسرائيل؟!

التراث اليهودي الأمريكي

إن إدخال أوباما لهذه النقطة في حديثه لكي يُعلِن لنا أنّه صهيوني حتى الثُّمَالة، وقد وعدَ في برنامجه الانتخابي أن يجعل إسرائيل أقوى دولة في الشرق الأوسط، وكان منذ شهر واحد في أمريكا يحتفل بالتراث اليهودي الأمريكي، وقال في هذا الاحتفال: إنه لولا جهود اليهود لما كانت أمريكا على المستوى الذي هي عليه الآن.

إن الرؤية واضحة جدًّا في عين أوباما.. إنها المصلحة الأمريكية والمصلحة الصهيونية، بل إن المصلحة الصهيونية قد تسبق المصلحة الأمريكية، وراجعوا مقالاً سابقًا لي بعنوان "مصلحة أمريكا أم مصلحة اليهود؟"؛ حيث يظهر لنا بوضوح مدى تضحية الأمريكيين لصالح أمنِ وقوّة الصهاينة، أما المصلحة العربية أو الإسلامية فهي ليست في الحسبان، بل تستطيع أن تقول: إنهم ضدُّ هذه المصلحة حتى إن لم تضرهم؛ لأنّ قوة المسلمين تمثِّل خطرًا داهمًا عليهم، ومن ثَمَّ يصبح إضعاف المسلمين دينيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا أحد الأهداف الرئيسية لأمريكا واليهود.

والآن ماذا يريد أوباما منا؟!

خطاب أوباما للعالم الإسلامي

لقد خطب أوباما بلباقة، وصاغ كلماته بحِرَفِيّة عالية، واستشهد بآيات القرآن الكريم، وأحاديث الرسول العظيم r، وطلب بعد هذا الأداء من المسلمين أن يتعاونوا معه في أمورٍ تهدف إلى السلام والمودّة والمحبّة بين الشعوب!

ما هذه الأمور يا سيادة الرئيس؟!

إنّه يطلب أولاً إقامة دولتيْن: فلسطينية ويهودية.

ونتساءل: وهل هذا جديد؟! لقد أعاد صياغة الأوهام التي عشنا فيها ستةَ عشرَ عامًا كاملة، ونذكِّر الأمّة الإسلامية التي أصابتها حالة من النسيان الجماعي بخريطة الطريق، ونذكِّرهم أنّ الذي كان يرعاها كان الرئيس السابق جورج بوش، ونذكرهم أن بوش كان في كل خطاباته مؤيدًا لحل الدولتين، وكذلك كلينتون من قبلُ؛ فأوباما إذن لم يأْتِ بحلٍّ سحريٍّ عجيب، لكنّ السؤال الأهم: هل هذا الحل مُرْضٍ للمسلمين؟ وهل يجب أن نصفّق ونسعد ونهتف بحياة أوباما أنّه سيقف وراء إعطاء الفلسطينيين أقل من 20% من أرض فلسطين؟!

لقد ذكّرني هذا الموقف بطُرفة يقولون فيها: إنَّ أحد كبار قُطّاع الطريق سرق من أحد المساكين بيته وماله وحماره، فأخذَ المسكينُ يصرخُ وينتحبُ، فأشار عليه أحد رجال العصابة أن زعيم العصابة طيِّب، ولو شرحت له حالتك فسوف يُعيد لك حقك، وشرح المسكين حالته، ووعده زعيمُ العصابة أن يُعيد له يومًا ما الحمار، لكنْ عليه أنْ ينسى الدارَ والمالَ، فخرج المسكينُ يهتف: يحيا العدل.. يحيا العدل!!

جيمس بيكر وزير خارجية أمريكا
يا أمتي.. لا ينبغي لكِ أن تكوني مسكينة!!

هل كان يقبلُ صلاحُ الدين بدولة صغيرة في عكا أو حيفا أو القدس ويترك بقية فلسطين للصليبيين؟! أنا أعلم أن زعماءنا ليس فيهم صلاحٌ، ولكنْ علينا أن نعرف على الأقل ما هو حقنا، وأين هي مصلحتنا، حتى وإن كنا غير قادرين على تحقيقها.

ثم خبِّروني يا عقلاء المسلمين: ما هي الدولة الفلسطينية التي سيقيمها أوباما إلى جوار إسرائيل؟ وما هي مواصفاتها؟ هل تعتقدون أنها ستكون دولةً حرّة مستقلة لها جيشها القوي، ودبابات وطائرات وأسلحة ومتفجرات؟ هل سيكون لها اقتصاد متماسك؟ هل سيُسمح لأهلها بالتحرُّك بحرية أمْ أن الأنْفَاق والجسور التي تربط بين أراضي هذه الدولة المزعومة ستكون تحت سيطرة اليهود؟!

المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية

إن المحللين يقولون: إنّه يستحيلُ الآن في ظل المستوطنات الكثيرة في الضفة الغربية وغزة أن تقوم دولة فلسطينية، وإن كان أوباما يطالب بوقفِ الاستيطان، فقد طالب به غيره قبل ذلك بوقف المستوطنات، وبشكل أكبر، مثل جيمس بيكر وزير خارجية جورج بوش الأب، ولكنَّ شيئًا لم يحدث، وحتى لو حدث ووقفت المستوطنات فالوضع الموجود الآن يعوِّق قيام أي دولة، ولا نرى هذا الأمر إلا مجرد تسكين للأمّة المكْلُومة؛ حتى تتوفر ظروف أفضل فيتم فيها السحق والإبادة كالمعتاد.

وماذا يريد أوباما أيضًا؟!

إنه يريد من حماس نفس الذي كان يريده بوش قبل ذلك، فهو يريد منهم الاعتراف بدولة إسرائيل، كما يريد منهم التخلِّي عن مقاومة المغتصبين.. هكذا ببساطة، ثم قال بتبجُّحٍ ظاهر: إنه لا يقبل أن تُلقى صواريخُ حماسٍ على عجائز إسرائيل، بينما حصار وتدمير غزة مستمران .

لم يعلِّق البتَّة على حصار غزة مدَّة ثلاثة أعوام حتى الآن، وقصف غزة بالصواريخ والطائرات والبوارج، واستشهاد المئات، وجرح الآلاف، وتدمير البنية التحتية!! لقد اكتفى بقوله أنه يقدِّر المعاناة الفلسطينية على مدار ستين عامًا، وهذا ما كان يقدِّره كذلك بوش وكلينتون وغيرهما!!

وماذا أيضًا يا فخامة الرئيس؟!

لقد طلب أيضًا أن يتعاون معه المسلمون في حرب المتطرفين، فهو لا يحارب الإسلام والحمد لله، بل يحارب من تطرّف في الإسلام، ونسي الشيخ أوباما أنْ يذكر لنا مَن الذي سيحدد تطرُّفَ إنسان أو تفريطَ آخر، ومَن الذي سيفتي بتشدد واحد وتساهل غيره!! فالذين يقاومون الصهاينة في فلسطين لا شكَّ أنهم متطرفون في زعمه، والذين يحاربون الأمريكان في العراق لا شكَّ أنهم متشددون في تصَوُّره، والذين لا يرغبون في التواجد الأمريكي في أفغانستان وباكستان إرهابيون في تعريفه..

فالكارثة أصبحت مركَّبة؛ فأوباما لا يطلب من العالم الإسلامي أن يترك أبناءه لرصاص الأمريكان فقط، بل يطلب منهم أن يساعدوه في ذلك، وحُجَّته أن الله خلق الناس - كما يحكي القرآن الكريم - ليتعارفوا ويتعاونوا، فلنتعاون جميعًا على سحق من يرفضُ السلامَ من المنظور الأمريكي!!

إن أوباما كان يلقي هذا الخطاب، وصواريخه تدُكُّ سوات في باكستان لسحق "المتطرفين المسلمين"، وكان يلقي الخطاب وهو ينشر 17 ألف جندي في أفغانستان لمقاومة "الإرهابيين المتطرفين". ونسأله أن يجيب علينا بصدق: هل ستحرك جيوشك يومًا ما لحرب المتطرفين اليهود الذين لا يقبلون بحل الدولتين؟! أم أن الصواريخ لا تنزلُ إلا على رءوس المسلمين؟!

تدويل وتهويد القدس

كما لا ننسى أن أوباما طالب ب"تدويل القدس"؛ لأنها مدينة تهمُّ المسلمين والنصارى واليهود، مما يعني أنّ السيطرة الرسميَّة عليها - في رؤية أوباما - لا ينبغي أن تكون للمسلمين.

ولم ينسَ أوباما أن يذكر أن جيوشَه لن تخرج من العراق قبل آخر سنة 2011م، وتذكروا معي أن الجيوش الأمريكية عندما دخلت العراق سنة 2003م قالت: إن هذا الدخول مؤقَّت لعدة أشهر فقط، ثم أجَّلوا الخروج عامًا ثم عامين ثم أربعة، والآن يتأجل إلى سنة 2011م، وعندما تأتي هذه السنة نكون قد تعوَّدنا على وجود الأمريكان، فلا نطالب بخروج!

زيارة أوباما لمسجد السلطان حسن

هذه - يا إخواني وأخواتي - بعض مطالب أوباما، وهذه هي خُطته، وتلك هي أهدافه، فما الجديد فيما قدَّم؟!

إنني لا أفزع مطلقًا من طلباته هذه، ولا أخشى أبدًا من تخطيطاته وتكتيكاته، فهذا شيء متكرر ومعهود في كل مراحل التاريخ الإسلامي. كما أنني لا أفزع كذلك من رؤية الركوع الرسمي والانبطاح الحكومي للدول العربية في مواجهة هذه الطلبات، فأنا أعلم أنّ أهداف أوباما تتفق تمامًا مع أهداف الزعماء العرب، فالجميع يرغب في تركيع حماس، والجميع يهدف إلى إقامة دولتيْن إحداهما صهيونية قويَّة، والأخرى فلسطينية هشَّة! والجميعُ يتفق على زعامة الرجالِ الذين يعلنون بوضوح خضوعهم لليهود والأمريكان، والجميعُ ضدّ الإسلاميين، بل إنني أقولها في صراحة: إن السجون العربية تمتلئ بأضعاف أضعاف الإسلاميين الذين تحتجزهم سجون أمريكا واليهود!!

لذلك فأنا لم أتعجَّب من التلميع الباهر لخطاب أوباما، ولم أتعجب من طلب الإحاطة الذي قدمه النائب مصطفى بكري يتساءل فيه عن إنفاق 500 مليون جنيه مصري للتجهيز لزيارة أوباما (حوالي 100 مليون دولار للتجهيز لزيارة 8 ساعات!)، ولم أتعجب من العنوان الرئيسي لإحدى الصحف حيث وصفت الرئيس الأمريكي بأوباما المنتظر! وصحيفة أخرى تشيد بأن الرئيس الأمريكي خلع "نعليه" وهو يدخل مسجد السلطان حسن!!

التصفيق الحاد لاستقبال أوباما

لم أتعجَّب من كل ذلك، كما لم أتعجّب من حالة هيستريا التصفيق المستمر، فنحن نعلم جميعًا مَن هؤلاء الذين سُمح لهم بمقابلة الرئيس الأمريكي، وحظُوا بشرف الاستماع إلى صوته!

كل ما سبق لا يفزعني، ولا أستغرب له، ولكن الذي يفزعني حقًّا أن أرى كثيرًا من شباب الأمة ورجالها ونسائها قد تعلقت آمالهم به، حتى ظنوا أن هذا "بداية الخلاص"، وأن الحقبة القادمة ستكون ألطف كثيرًا، وأنه قد آن الأوان أن يقف ضدّ اليهود أحد الزعماء الأمريكان، وأن هذا الرجل الأسمر يقدِّر مشاعر الظلم التي يشعر بها المسلمون، كما أن جذوره الإسلامية سترقِّق قلبه علينا، خاصة أنه تلاعب بمشاعر المسلمين عندما ردَّد في خطابه بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.

يا أمتي، أفيقي.. واقرئي التاريخ.

لقد خطب نابليون في مصر عندما دخلها محتلاًّ وقال: "يا أيها المصريون، قد قيل لكم إنني ما نزلت بهذا الطرف إلا بقصد إزالة دينكم، فذلك كذب صريح فلا تصدقوه، وقولوا للمفترين: إنني ما قدمت إليكم إلا لأخلص حقكم من يد الظالمين، وإنني أعبد الله سبحانه وتعالى أكثر من المماليك، وأحترم نبيه والقرآن العظيم، وقولوا أيضًا لهم: إن جميع الناس متساوون عند الله، وإن الشيء الذي يفرقهم عن بعضهم هو العقل والفضائل والعلوم فقط"[1].

هذا كلام نابليون عندما احتلَّ مصر، وكلكم يعلم ما ارتكبه بعد ذلك من الفظائع هو وجيشه في مصر وفلسطين.

ومن قبله قال فرديناند وإيزابيلا مثل هذا الكلام للمسلمين عند سقوط الأندلس، ووعدوا المسلمين بالحفاظ على ممتلكاتهم وأرواحهم ومساجدهم، ثم لم تمرَّ إلا سنوات قليلة، وقامت حملات الإبادة ومحاكم التفتيش، وانتهى الأمر بقتل كلِّ المسلمين أو ترحيلهم، وتحويل كل مساجد الأندلس إلى كنائس[2].

ومن قبلهم كان هولاكو وزعماء التتار المجرمون يستشهدون بآيات من القرآن الكريم عند مخاطبتهم للحكام والشعوب الإسلامية، وهم الذين قالوا في رسائلهم لقطز رحمه الله: "باسم إله السماء الواجب حقه، الذي ملَّكنا أرضَه، وسلَّطنا على خلقه"، واستشهدوا في رسالتهم بقوله تعالى: {فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأحقاف: 20]، وكذلك بقوله: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227][3].

رسالة إلى أوباما

إنني في هذا المقال لا أقول مثلما قال الكثيرون: نريد أفعالاً لا أقوالاً، بل أقول: إن الأقوال التي قلتها يا أوباما ليست مقبولة أصلاً حتى نسألك أن تحققها.. فلا نحن نريد دولتين، ولا نحن نرضى بإسرائيل، ولا نحن نشجب المقاومةَ أو ندينُها، ولا نحن نرضى ببقاء جيوشك في بلادنا، ولا نحن نقبل بتعريفاتك للإرهاب والتشدُّدِ والتطرُّفِ، كما أننا لا نقبل بولاء زعمائنا لك وطاعتهم لأوامرك.

إننا يا فخامة الرئيس قومٌ أعزنا الله بالإسلام، وأكرمنا به، وندرك يقينًا أننا مهما ابتغينا العزةَ في غيره أذلنا الله U. كما أننا - والله - أكثر شعوب الأرض حبًّا للسلام، ولكنِ السلام العادل الذي لا تضيع معه الحقوق، وتنتهك فيه الحرمات.

إن رسولنا قال لنا: "قُولُوا: لاَ إلَهَ إلاَ اللَّهُ تُفْلِحُوا، وَتَمْلِكُوا بِهَا الْعَرَبَ، وَتَذِلُّ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ"[4]، ونحن نوقن تمام اليقين في قوله، ونعلم أننا يوم نقول لا إله إلا الله بصدق، ويوم نحقِّقها في حياتنا يوم أنْ نفلح ونملك العرب والعجم.

ويقولون متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبًا.

إنني أتوجَّه إلى الرئيس الأمريكي بكلمتين..

كلمة إلى أوباما

أما الأولى فهي ألاّ يعتبر التصفيق الحاد الذي قوبل به في جامعة القاهرة تعبيرًا عن الشارع الإسلامي، فهؤلاء ليسوا إلا مجموعة منتقاة ما خرجت من بيوتها إلا لتصفِّق لك مهما كان كلامك! وهم – للأسف - كالأيتام على مائدتك، لا نصيب لهم من الطعام أو الشراب، إنما ينتظرون الفتات!

أما الكلمة الثانية فأقولها من قلبي، وأهمس بها في أذنك بكل أمانة: "حتى لو وصلت يا أوباما إلى كرسيِّ أكبر دولة في العالم، فإنّ هذا لا يمثل شيئًا أمام الإسلام الذي خسرته، وإنني - والله، وبكل صدق - أتمنى أن تعود إلى ما كان عليه أجدادُك المسلمون البسطاء في كينيا، والذين كانوا على خير عظيم، حتى وإن كانت قبيلتهم بسيطة على هامش التاريخ.

إنني أدعوك بكل صراحة وإخلاص وأقول لك: يا عظيم أمريكا، أدعوك إلى الإسلام، وأقول لك صادقًا: أسْلِمْ تَسْلَمْ، وأسلمْ يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فعليك إثم الأمريكيين!

والحمد لله على نعمة الإسلام، وكفى بها نعمة.

ونسأل الله أن يُعِزَّ الإسلام والمسلمين.



*داعية وباحث في التاريخ واستاذ بكلية الطب جامعة القاهرة
صحيفة (قصة الاسلام ) - السبت 13 يونيو 2009 20 جمادى ثانى 1430


المراجع :

[1] الجبرتي: عجائب الآثار 2/182.
[2] د. عبد الرحمن الحجي: التاريخ الأندلسي ص569-571.
[3] المقريزي: السلوك 1/514.
[4] ابن قيم الجوزية: زاد المعاد 3/43.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.