بوتين شخصية العام 2007 والأعوام المقبلة أيضاً د. غسان العزي اختارت مجلة “تايم" الأمريكية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “شخصية العام" المنصرم لأنه، على ما كتب رئيس تحريرها ريتشارد ستينجل: “بعد سقوط جدار برلين فقدت روسيا مكانتها في اللعبة الجيوسياسية الدولية الكبيرة. وإذا نجحت الآن في تبوؤ مكانتها وسط أسرة الأمم العالمية فسوف يعود الفضل في ذلك إلى شخص واحد لا غير هو فلاديمير بوتين. ويمنح لقب “شخصية العام" تقديراً لزعامة شجاعة تغير خريطة العالم. ليس بوتين بالديمقراطي بالمعنى الغربي لهذا المصطلح ولكنه يجسد الاستقرار الذي يفضله البلد على الحرية التي لم يعرفها منذ مائة سنة. لكن المرشح الجمهوري جون ماكين كان يفضل ذهاب اللقب إلى الجنرال دافيد بترايوس قائد القوات الأمريكية في العراق وليس إلى بوتين الذي قال عنه ماكين باستهزاء: “نظرت في عينيه ورأيت هناك ثلاثة حروف: كي جي بي". كما غضبت صحيفة “ريببليكا" الإيطالية فكتبت: “إن تعليل الاختيار بأن بوتين “أعاد النظام بثمن الحرية" يعيد إلى الأذهان دوافع إعلان هتلر “شخصية العام 1938" وستالين عامي 1939و1942. ولكن هذا لا يخجل المجلة الأمريكية التي فضلت القيصر الجديد على آل غور والزعيم الصيني هو جينتاو أو الكاتبة جوان رولينغ". وبدورها اعتبرت “دير شبيغل" الألمانية النمو الاقتصادي المتحقق في عهد بوتين بالمصادفة لأن سببه ارتفاع أسعار النفط وأن ظروف النمو تمت تهيئتها في عهد يلتسين. هذا ليس إلا غيضاً من فيض الانتقادات التي وجهت إلى بوتين، في الإعلام الغربي، بمناسبة إعلانه شخصية العام من قبل “التايم". لكن هنري كيسنجر الذي يعرف الرجل جيداً كان أكثر موضوعية عندما قال: “من المهم أن نفهم من هو بوتين. إنه ليس ستالين الذي رأى ضرورة تصفية كل من قد يختلف معه في الرأي وإن في المستقبل البعيد. بوتين هو إنسان يريد أن يركز في قبضته السلطة اللازمة لتنفيذ مهمته الملحة". وبوتين، الذي انتقل من سان بطرسبورغ إلى موسكو في عام ،1996 شغل منصب رئيس الدولة عام 2000 بعد استقالة يلتسين الذي كان قد عينه رئيساً للوزراء بشكل مفاجىء يقول إنه ما يزال بشعر بالاستغراب لسرعة ارتقائه في السلم الوظيفي في موسكو: “يبدو لي أن مرد كل ذلك إلى كون الأشخاص المقربين من الرئيس يلتسين أدركوا أنني سوف أؤدي المهمات الموكلة إليّ بإخلاص مطلق وبنكران الذات، وإنني سوف أحتفظ بالاستقامة تجاه رئيس الدولة الأول". وهذا ما فعله إذ إنه بعد وصوله إلى الكرملين وفى بتعهده عدم ملاحقة يلتسين بتهم الفساد بل أكثر من ذلك صرح لمجلة “تايم" أن ليلتسين وغورباتشيف الفضل الأكبر على روسيا لأنهما بشجاعتهما خلصاها من النظام القديم وشرعا أبواب الحرية أمامها. لكنه من جهة أخرى لم يتردد في القضاء على الاوليغارشيين الذين عاثوا فساداً ونهبوا الاقتصاد الروسي رغم أنهم هم الذين أتوا به من سان بطرسبرغ إلى موسكو. ورغم كل الإنجازات على الصعيد الداخلي فما يزال أمام روسيا الكثير لتفعله ضد آفة الفساد التي تعترف السلطات بأنها إحدى مشاكل المجتمع الروسي الرئيسية. فقد احتلت روسيا في التقرير حول الفساد الذي تعده سنوياً مؤسسة ترانسبارانسي انترناشونال وفقا لنتائج عام 2007 الموقع الثالث والأربعين بعد المائة ما يجعلها بمصاف بعض الدول الإفريقية. ويعترف بوتين بأن الحكومة عاجزة حالياً عن استئصال الفساد الذي من أسبابه رواتب الموظفين المنخفضة. في السياسة الخارجية تميز العام 2007 بتصاعد حدة اللهجة الروسية ضد سياسات الهيمنة الأمريكية في العالم. فمن الرئيس بوتين إلى وزيري دفاعه والخارجية لم تمر مناسبة خلال هذا العام دون أن تصدر تصريحات شديدة اللهجة والوضوح ضد التحركات الأمريكية في حلف الأطلسي والعراق ومشروع الدروع الواقية من الصواريخ الباليستية وغيرها. وفي الملف النووي الإيراني وقفت موسكو ضد تبني مجلس الأمن لعقوبات ذات معنى على طهران وضد أي هجوم عسكري أمريكي محتمل عليها، وفي الوقت نفسه مارست على طهران ضغوطاً مدروسة واستمرت في بيعها أحدث أنواع الأسلحة الدفاعية. في هذا الصدد عادت روسيا إلى مصاف الدول الخمس الأولى في العالم من حيث تصدير السلاح المتطور كما عادت إلى مصاف الدول الكبرى التي يصعب تجاهلها كما كان يحصل في تسعينات القرن المنصرم. في كوسوفو مثلاً التي قام حلف الأطلسي بغزوها في العام 1999 متجاهلا الاعتراضات الروسية وقتها فإن هذه الاعتراضات اليوم تقف حائلاً دون تطبيق الرغبة الغربية بمنح كوسوفو الاستقلال، كما تقف مثل هذه الاعتراضات حائلاً دون تطبيق الكثير من الرغبات الأطلسية والأمريكية في غير مكان من العالم. بالطبع ما نزال بعيدين عن حرب باردة جديدة رغم عودة هذا المصطلح إلى التداول لكن على الأقل فإن روسيا لم تعد كما كانت عليه في الحقبة اليلتسينية. في مارس/ آذار المقبل تنتهي ولاية بوتين الرئاسية وسوف يخلفه رفيقه مدفلديف والأرجح أن بوتين سيكون رئيساً للوزراء بصفته زعيماً للأغلبية البرلمانية كما كشفت الانتخابات المنصرمة التي لم تحقق فيها المعارضة الراديكالية نسبة الواحد في المائة من الأصوات. سيكون بوتين هو الرئيس الفعلي أو القيصر كما لقبته مجلة “تايم" نفسها رغم أنه قطع الوعد بأن لا يتخطى صلاحيات رئيس الجمهورية الدستورية وبأن يقبع هو ضمن صلاحياته حصراً كرئيس للوزراء. سوف تكون التجربة فريدة ومفيدة لدارسي علم السياسة. وعلى الأرجح أن يكون بوتين في حلته الجديدة رجل العام المقبل في روسيا والعالم. لا ننسى أن استقرار روسيا ضروري لاستقرار العالم كما قال رئيس تحرير “التايم" في مقابلته المطولة مع “النجم الذي ولد" ويعني به “قيصر روسيا بوتين". عن صحيفة الخليج الاماراتية 10/1/2008