اقرأوا ( مقابلة ) ايهود اولمرت.. جيداً! محمد خرّوب يواصل رئيس حكومة اسرائيل ايهود اولمرت، الذي ما يزال شبح تقرير لجنة فينوغراد يطارده، حول الحرب الفاشلة على لبنان في تموز 2006، تلاوة المزيد من ''المزامير'' التي تتحدث عن السلام وعن ضرورة التنازل عن ''اجزاء من ارض اسرائيل'' من اجل الحفاظ على طابعها ''الديمقراطي اليهودي''. اللافت في كل ما يقوله اولمرت، انه لا يتخلى عن عقيدته الصهيونية المتطرفة، وان كل ما يسعى اليه هو تجميل ايديولوجية جابوتنسكي، التي تربى عليها وهو عملياً لم يتغير منذ ان كان نائباً عن ائتلاف الاحزاب اليمينية المتطرفة التي توحدت لخوض انتخابات 19 ايار 1977 والتي انتهت بانقلاب حقيقي في المشهد الاسرائيلي ادى الى صعود ائتلاف اليمين الذي اطلق عليه الليكود (التكتل) بزعامة مناحيم بيغن على جثة الائتلاف اليساري المعراخ (التجمع) الذي تكون وقتذاك من حزبي العمل والمابام، هذا الليكود الذي تحول ''حزباً'' في وقت لاحق، واستطاع زعيمه ان يحقق اكبر نصر استراتيجي في تاريخ اسرائيل وبعد ثلاثين عاماً من قيامها، وهو معاهدة السلام الاسرائيلية المصرية في 26 آذار 1979 التي شكلت بداية الانهيار والهزائم والانكسارات العربية على النحو الذي نشهده الآن، بل شهدنا فصوله الاولى في الغزو الاول لجنوب لبنان في اذار عام 1978 (عملية الليطاني) مباشرة بعد زيارة السادات للقدس، ثم الاجتياح المتغطرس الذي انتهى بسقوط بيروت وتشريد منظمة التحرير في المنافي وقبله ''بعام'' كان تدمير المفاعل النووي العراقي.. ايهود اولمرت صوّت في الكنيست ضد اتفاق اوسلو، على قاعدة انه لا يجوز لاحد ان يتخلى عن أي جزء من اراضي اسرائيل الكاملة. التغير ''الاخير'' الذي طرأ على مواقف اولمرت المتطرفة، لا ينبع اساسا من الانجازات التي حققتها السلطة الفلسطينية وباقي الفصائل المسلحة ولم يكن بالتأكيد ''التوازن الاستراتيجي'' الذي استطاع العرب تحقيقه في مواجهة اسرائيل بكل ما تتوفر عليه آلتها العسكرية الضخمة والمتطورة. بل ان اولمرت وقد اسعفه الحظ وغدا رئيسا للوزراء بعد ان ذهب رئيسه ارئيل شارون الى غيبوبة، لا شفاء منها، وبعد ان كان ابدى حماسة لافتة لخطة شارون التي باتت تعرف ''بخطة الانطواء'' او الانسحاب احادي الجانب من غزة، لوضع الفلسطينيين امام الامر الواقع، ولنزع صفة الشريك عنهم، اراد استغلال الاختلالات العميقة ليس فقط في موازين القوى العسكرية وانما ايضا في الساحة السياسية والدبلوماسية فراح يطلق المزيد من التصريحات والخطابات التي ''تبهر'' من يستمع اليها لاول مرة، دون تدقيق او تمحيص، وتجعل من اولمرت ''رجل السلام'' بامتياز، وتبدأ الاطراءات والاوصاف الايجابية ''بالهطول'' عليه عربياً اولاً رغم معرفة العالم ان شعبيته في الحضيض وانه اول رئيس وزراء في تاريخ اسرائيل يهبط الى مثل هذا الوضع البائس في استطلاعات الرأي، أي انه ببساطة، لا يستطيع ضمان تنفيذ أي اتفاق يوقع عليه، وخصوصا ان هناك من يهدد داخل الائتلاف الحكومي القائم بالانسحاب (افغيدور ليبرمان زعيم كتلة اسرائيل بيتنا وايلي يشاي زعيم حزب شاس الديني المتطرف) ناهيك عن ان اولمرت قال علنا اما الكنيست وامام نشطاء حزبه (كاديما) انه سيعرض أي اتفاق مع الفلسطينيين في استفتاء شعبي، فكيف يمكن تخيل النتيجة بافتراض التوصل الى اتفاق كهذا (ونحن لا نتحدث عن مضامين الاتفاق او سنوات تنفيذه)؟. دعونا من كل ذلك، الذي يدخل في باب التكهن والاحتمالات ولنحاول تسليط الاضواء على ما قاله ايهود اولمرت لصحيفة ''الجيروزاليم بوست'' الاسرائيلية في عددها الصادر يوم امس الجمعة.. قال لا فض فوه:''إن اسرائيل يجب ان تدرك بأن حتى أقرب حلفائها الدوليين يريدون منها الانسحاب من الضفة الغربية وتقاسم مدينة القدس، مضيفاً، انه عندما يتحدث العالم المؤيد لاسرائيل عن المستقبل فإنه يتحدث عن اسرائيل على اساس حدود 1967 ويتحدث عن تقسيم القدس''. مهلاً.. الكلام في ما هو ظاهر لافت، ومستهجن أن يصدر عن رجل مثل اولمرت الضعيف والفاشل وقبل كل شيء الصهيوني المتزمت الذي أَعْمَلَ تهويداً قاسياً في القدسالمحتلة طوال عمله رئيساً لبلديتها طوال ثماني سنوات تقريباً. لكن ما بين السطور (بل ما جاء لاحقاً في المقابلة) ينسف كل شيء ويعيد الأمور الى المربع الأول.. فأي قدس هي التي ستقسم، أليس هناك ''قدس'' احتلت في العام 67؟ ما يعني ان الانسحاب الذي يتحدث عن حلفاء اسرائيل يشملها. بالتأكيد لا، فاولمرت لا يقع في خطيئة كهذه، بل إن هناك مقترحات وزير دفاعه الحالي ايهود باراك عام 2000 في مفاوضات كامب ديفيد مع ياسر عرفات وبيل كلينتون. فالقدس التي ستقسم هي القدسالشرقية. ثم.. إن اولمرت فجّر اكثر من قنبلة تضاف الى رسالة بوش ''التاريخية'' (والوصف لاولمرت) التي كتبها رئيس الدولة الاعظم في العالم لارئيل شارون.. فبوش قال ''حدود عام 1967 زائد.. وهذا يعتبر انجازاً مذهلاً لاسرائيل قال اولمرت.. مستطرداً: لا أعتقد أنه عندما يتحدث الناس عن المستوطنات انهم يتحدثون عن معاليه ادوميم هذه المستوطنة التي هي جزء لا يتجزأ من القدس واسرائيل''. أرأيتم ليس فقط ثلاث كتل استيطانية في الشمال وحول القدس وفي جنوب الضفة الغربيةالمحتلة وانما ايضا معاليه ادوميم (الخان الأحمر) التي تصل القدس بنهر الاردن وتشطر الضفة الى شطرين بلا تواصل جغرافي او ديموغرافي (اقرأ على حلم الدولة الفلسطينية السلام)!. ماذا بعد؟. هائلة وعديدة المواقف والاشتراطات والغطرسة التي تميزت به لغة اولمرت، بل إنه يقول: هذه مصادفة ربما بترتيب ''الهي''، ان بوش هو رئيس الولاياتالمتحدة، وساركوزي هو رئيس فرنسا وميركل هي مستشارة المانيا وبراون رئيس وزراء بريطانيا وان المبعوث الخاص الى الشرق الاوسط هو توني بلير. ''أي تركيبة محتملة يمكن ان تكون مريحة اكثر من ذلك لدولة اسرائيل'' تساءل ايهود اولمرت.. أما عن محمود عباس فقال ''ان انطباعي هو انه يريد السلام مع اسرائيل، ويقبل اسرائيل مثلما تُعَرّف اسرائيل نفسها''. هل يدرك المفاوض الفلسطيني أبعاد وخطورة كلام كهذا؟. وإذا كان يدرك حقا، فأي رد لديه على كل ذلك، يتجاوز المألوف الذي درج عليه طوال خمسة عشر عاماً، وهو المطالبة والمناشدة وما توفره اللغة الخشبية ذات الشعارات الطنانة ومطحنة الكلام، التي لم توقف بناء مستوطنة او تسهم حتى في ازالة حاجز من مجموع اكثر من ستماية حاجز تقطع الضفة الغربية مدنها وقراها والمخيمات الى اشلاء، وتحولها الى معازل حقيقية؟. عن صحيفة الرأي الاردنية 5/1/2008