«الوضع الاقتصادي للصحفيين».. خالد البلشي يكشف تفاصيل لقائه برئيس الوزراء    قطع مياة الشرب عن عدة مناطق بالجيزة (اعرف منطقتك)    بعد تثبيت سعر الفائدة.. ارتفاع سعر السبيكة الذهب وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الجمعة 24 مايو 2024    بعد قرار البنك المركزي.. سعر الدولار الأمريكي مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية الجمعة 24 مايو 2024    حقيقة إطلاق النار على طائرة الرئيس الإيراني الراحل (فيديو)    بوقرة: الأهلي لن يتأثر بغياب معلول في نهائي دوري أبطال إفريقيا    بركات: مواجهة الترجي ليست سهلة.. ونثق في بديل معلول    خالد جلال: مدرب الترجي يعتمد على التحفظ    استقالة عمرو أنور من تدريب طنطا    أحمد غانم: هدف الجزيري ساهم بشكل كبير في تتويج الزمالك بالكونفدرالية    نقابة المهن الموسيقية تنعى شقيق مدحت صالح: «إنا لله وإنا إليه راجعون»    «صحة البرلمان» تكشف الهدف من قانون المنشآت الصحية    حزب الله اللبناني يعلن استهدف جنود إسرائيليين عند مثلث السروات مقابل بلدة يارون بالصواريخ    الجيش الإيراني يعلن النتائج الأولية للتحقيق في حادثة مروحية رئيسي    قرار يوسع العزلة الدولية.. ماذا وراء تصنيف الحكومة الأسترالية لميليشيات الحوثي كمنظمة إرهابية؟    مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: الحصول على العضوية الكاملة تتوقف على الفيتو الأمريكي    افتكروا كلامي.. خالد أبو بكر: لا حل لأي معضلة بالشرق الأوسط بدون مصر    أسعار الدواجن البيضاء في المزرعة والأسواق اليوم الجمعة 24-5-2024    يمن الحماقي: أتمنى ألا أرى تعويما آخرا للجنيه المصري    نداء عاجل من غرفة شركات السياحة لحاملي تأشيرات الزيارة بالسعودية    أوقاف القليوبية: توزيع 10 أطنان لحوم وسلع على الأسر الأولى بالرعاية    "فوز الهلال وتعادل النصر".. نتائج مباريات أمس بالدوري السعودي للمحترفين    هيثم عرابي يكشف تعليمات طلعت يوسف للاعبي فيوتشر قبل مواجهة الزمالك    منتخب مصر يخسر من المغرب في ربع نهائي بطولة إفريقيا للساق الواحدة    إصابة 5 أشخاص في انقلاب سيارة ربع نقل بصحراوي المنيا    إصابة فتاة إثر تناولها مادة سامة بقنا    خبطة في مقتل.. تفاصيل ضبط ترسانة من الأسلحة والمخدرات بمطروح    موعد إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية بالقليوبية    الأرصاد تتوقع تحسن الطقس وكسر الموجة الحارة    32.4 مليار جنيه قيمة التداول بالبورصة خلال جلسة نهاية الأسبوع    حظك اليوم برج الحوت الجمعة 24-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. فرصة للتألق    حظك اليوم برج الجدي الجمعة 24-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    حظك اليوم برج القوس الجمعة 24-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    وفاة شقيق الفنان مدحت صالح    أسماء جلال أنيقة وياسمين صبري بفستان عصري.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    حدث بالفن| نجاة فنانة من حادث سير وهيفاء وهبي تتصدر "التريند" بسبب التجاعيد    5 شهداء وعدد من الجرحى في قصف شقة سكنية وسط حي الدرج بمدينة غزة    لمستخدمي الآيفون.. 6 نصائح للحفاظ على الهواتف والبطاريات في ظل الموجة الحارة    الأحزاب السياسية: أكاذيب شبكة CNN حول مصر تتعمد تضليل الرأي العام.. تقرير    عاجل.. الموت يفجع الفنان مدحت صالح في وفاة شقيقه    «فيها جهاز تكييف رباني».. أستاذ أمراض صدرية يكشف مفاجأة عن أنف الإنسان (فيديو)    انتهاء فعاليات الدورة التدريبية على أعمال طب الاسرة    جيش الاحتلال يتصدى لطائرتين مسيرتين فوق إيلات    تحقيقات موسعة بواقعة ضبط أكبر شحنة كوكايين في 2024 ببورسعيد    انطلاق المؤتمر السنوي ل «طب القناة» في دورته ال 15    لجنة سكرتارية الهجرة باتحاد نقابات عمال مصر تناقش ملفات مهمة    محمد نور: خطة مجابهة التضليل تعتمد على 3 محاور    الفريق أول محمد زكى: قادرون على مجابهة أى تحديات تفرض علينا    رئيس الوزراء يناقش سبل دعم وتطوير خدمات الصحفيين    محافظ بورسعيد يشيد بجهد كنترول امتحانات الشهادة الإعدادية    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال    بالفيديو.. خالد الجندي: عقد مؤتمر عن السنة يُفوت الفرصة على المزايدين    قبل قصد بيت الله الحرام| قاعود: الإقلاع عن الذنوب ورد المظالم من أهم المستحبات    وزارة الصحة تؤكد: المرأة الحامل أكثر عرضة للإصابة بفيروس نقص المناعة البشرى    محافظ كفر الشيخ يتفقد السوق الدائم بغرب العاصمة    ما حكم سقوط الشعر خلال تمشيطه أثناء الحج؟ أمين الفتوى يجيب (فيديو)    رئيس الوزراء يتابع موقف تنفيذ المرحلة الثانية من منظومة التأمين الصحي الشامل    رجل متزوج يحب سيدة آخري متزوجة.. وأمين الفتوى ينصح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل كانت بوتو ضحية الغباء الأميركي؟
نشر في محيط يوم 02 - 01 - 2008


هل كانت بوتو ضحية الغباء الأميركي؟
شاكر النابلسي
كانت بي نظير بوتو (1953-2007) رئيسة وزراء باكستان السابقة، وزعيمة «حزب الشعب» الباكستاني، ابنة للزعيم الباكستاني ذو الفقار علي بوتو (1928-1979) وكانت تقيم في مهجرها، في الإمارات العربية المتحدة، بعد أن غادرت باكستان عام 1998 .
بوتو والسياسة الأميركية
تعتبر بوتو من أنصار السياسة الأميركية في الباكستان، ومن أنصار العلمانية الباكستانية، ومن ألد الأعداء السياسيين للأحزاب الدينية الباكستانية، التي تُعتبر «طالبان» و«القاعدة» في أفغانستان امتداداً لها. وكل هؤلاء يقفون في صف واحد وجبهة واحدة ضد أميركا في المنطقة، وضد كل ما يمثل السياسة الأميركية في المنطقة، ويعتمدون على الذراع العسكري لهم تنظيم «القاعدة» في التخلص من الخصوم السياسيين كما تمَّ بالنسبة للسيدة بوتو في الماضي والحاضر، الذي أعلن عن مسؤوليته قتل بوتو، كما لم ينكر السلفي عمر البكري زعيم «تنظيم المهاجرين» في بريطانيا والمقيم الآن في لبنان بعد هروبه من بريطانيا، من أن «القاعدة» هي التي نفّذت عملية اغتيال بوتو فضائية «ج»، برنامج «أنت والحدث»، (30/12/2007).
من قتل بوتو؟
وقبل ذلك، كانت «القاعدة» بعد مقتل بوتو بساعات قليلة، قد أعلنت بكل فخر واعتزاز، عن تبنيها مسؤولية اغتيال زعيمة «حزب الشعب» المعارض. وقال زعيم تنظيم «القاعدة» في أفغانستان مصطفى أبو اليزيد، إن قرار الاغتيال اتخذه الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، في شهر أكتوبر الماضي، وأكد أن تنفيذ العملية تم عبر شخصية متبرعة تنتمي لخلية بنجابية.
ومن المعروف أن محاولة اغتيال بوتو بالأمس لم تكن هي المحاولة الأولى. فقد سبقتها عدة محاولات، ومن قبل تنظيم «القاعدة» نفسه.
فقد وقعت أول محاولة لاغتيال بوتو في التسعينيات، وقام بها «رمزي يوسف» الموجود الآن في سجن أميركي، لقيامه بأول محاولة لتفجير مبنى «وورلد تريد سنتر». ويُعتقد أن أسامة بن لادن كان متورّطاً في تلك المحاولة الأولى. كذلك كانت بوتو هدفاً دائماً للعسكريين الذين أعدموا والدها للاستيلاء على السلطة. كما كانت هدفاً للإسلاميين بصفتها «امرأة» ، ولأنها تمثّل حزباً ليبيرالياً وديمقراطياً وعصرياً. ولكن بوتو ظلّت، وحتى العام الحالي، شخصية مرفوضة من الإدارة الأميركية التي كانت تفضّل التعاون مع العسكر، ومع الجنرال مشرّف تحديداً.
لا حيرة إذن في معرفة من هو قاتل السيدة بوتو. وهكذا وفرت «القاعدة» على العالم، وعلى إعلام العالم البحث عن من هم وراء هذه الجريمة. ولو فعل من قتلوا رفيق الحريري الشيء ذاته، لوفروا على لبنان والعالم كل هذا الشقاء، وكل هذه الفوضى المدمرة التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط خاصة.
نجاح «القاعدة» أمام غباء أميركا
الفخ الكبير الذي وقعت فيه أميركا في الشرق الأوسط، أنها ذهبت لتحارب الإرهاب المتمثل بتنظيم «القاعدة» إلى الأرض التي تريدها القاعدة. فذهبت أميركا إلى أفغانستان (دار «القاعدة» ومركزها) منذ ست سنوات، وهي تجهل ما تعلمه «القاعدة» حول طبيعة هذه الأرض وتضاريسها السياسية والقبلية والطبيعية. وإن كانت أميركا قد علّمت جنودها دروس هذه التضاريس، فهي لم تصل إلى حد معرفة هذه التضاريس معرفة واقعية من خلال العيش على هذه الأرض. كذلك كان الحال في العراق. فذهبت أميركا إلى العراق وهي قليلة الخبرة بتضاريسها إن لم تكن فاقدة الخبرة في التضاريس السياسية والقبلية والدينية والعرقية العراقية. إضافة لذلك، أنها لم تحسب حساب جيران العراق المتربصين بها منذ زمن طويل. إيران لكي تثأر من أميركا نتيجة حربها مع العراق طيلة ثماني سنوات (1980-1988). وسوريا لكي تثأر من أميركا لعدم مساعدتها في استرجاع مرتفعات الجولان، ومعارضة أميركا للوجود العسكري والسياسي السوري في لبنان.
إذن، فقد نجح تنظيم «القاعدة» حتى الآن، في أن يختار أرض المعركة التي تدور رحاها بينه وبين أميركا على وجه الخصوص. فقد نجح في أن يسحب أميركا إلى أفغانستان أولاً، لكي يحاربها على أرضه. ونجح في أن يجُرَّ أميركا إلى العراق لكي يحاربها على أرض العراق، والتي هي بالتالي أرضه، لأنها أرض معركة، قريبة من القوى التي تؤمِّن له السلاح والرجال والتدريب (الدعم اللوجستي) وكذلك المال.
فأنصاره ومحاربوه في أفغانستان والعراق، لا يحتاجون لأن يقفوا على أبواب القنصليات الأميركية في طوابير طويلة، ويخضعوا لتدقيق أو ئة ةء لكي يحصلوا على التأشيرة اللازمة لدخول أميركا دون أسلحتهم، لكي يحاربوها على أرضها، كما فعلوا في الحادي عشر من سبتمبر 2001 ولكن علينا أن نعلم أن مثل هذه الكارثة الفظيعة من الصعب أن تتكرر مرة أخرى.
حيث كوارث التاريخ الفظيعة لا تتكرر دائماً. فكارثة بيرل هاربر في عام 1942 من الصعب أن تتكرر. كذلك كارثة الحادي عشر من سبتمبر 2001 ولو أرادت اليابان أو «القاعدة» أن تكررا هاتين الكارثتين اللتين لا يمكن فصلهما عن سياقهما التاريخي والسياسي والأمني لما استطاعتا إلى ذلك سبيلاً.
إذن ، وجدت «القاعدة» أن أفضل الطرق والفرص للمزيد من إذلال أميركا وبهدلتها على النحو الذي يجري الآن في أفغانستان والعراق، هو في جرِّ أميركا إلى أفغانستان والعراق، حيث يتوافر المال، والسلاح، والدعم اللوجستي، والإعلام الطنّان.
وهكذا تمَّ الأمر، وبغض النظر عن الدوافع المختلفة لغزو أفغانستان والعراق. وحتى وإن لم يكن للقاعدة يدٌ في ذلك، فهذا هو ما تمَّ. وهذا من حُسن حظِّ «القاعدة» في حقيقة الأمر. وهو ما أطال عمر «القاعدة» في هذه السنوات الست (2001-2007)، وجعلها القوة الإرهابية الأولى في المنطقة والعالم، التي يخشاها الجميع من القوي والضعيف، ومن الفقير والغني، ومن البعيد والقريب.
لماذا جاءت بوتو إلى اللهيب الباكستاني؟
ما الذي جعل بوتو تترك مهجرها الآمن في الأمارات العربية المتحدة، وتأتي إلى الباكستان، في الوقت الذي كانت فيه الباكستان عبارة عن قطعة جمر ملتهبة؟ فخارجياً، كانت «القاعدة» وطالبان من جهة، وإيران من جهة أخرى، يغذون الاتجاهات الدينية المتشددة في الباكستان المتمثلة بالأحزاب الدينية المتشددة (الجماعة الإسلامية، وجمعية علماء الإسلام) التي انضوت تحت لواء «المجلس التنفيذي المتحد». فمن المعروف أن «حزب الشعب» الذي كانت ترأسه بوتو وبالتضامن مع «حزب الرابطة الإسلامية» (جناح قائد أعظم)، يعتبر هو الحزب الذي يتفق مع التوجه الأميركي والسياسة الأميركية في الباكستان والتي تتلخص فيما يلي:
1- استمرار السياسة الخارجية الباكستانية الحالية المتمثلة في المشاركة في الحملة الأميركية ضد الارهاب، وتقديم كل التسهيلات اللازمة للحكومة الأميركية بهذا الخصوص من القواعد العسكرية والتعاون الأمني، وبقاء مكاتب ئة في باكستان وإعطائها كامل الحرية في عمليات التفتيش.
2- المحافظة على القواعد الأميركية الحالية في باكستان كما صرحت بوتو في حملاتها الانتخابية.
3- القبض على كل من يتهم بالارهاب. ويؤيد الحزبان «حزب الشعب» و«حزب الرابطة الإسلامية»السياسة الباكستانية تجاه الحملة الأميركية في أفغانستان ضد الارهاب.
4- ليس لدى الحزبين معارضة في قبول سياسة حكومة برويز مشرف تجاه القضية الكشميرية، والتضييق على الارهابيين وإغلاق الحدود أمامهم، والتوجه نحو التنازل عن الموقف التقليدي لباكستان.
5- معارضة بوتو لقيام وبقاء المدارس الدينية الباكستانية. كذلك، وإضافة إلى أن بوتو امرأة، تسعى إلى الولاية (منصب رئيس الوزراء)، فقد كانت بوتو من المعارضين الأقوياء للمدارس الدينية السياسية في الباكستان وعددها يتراوح بين 40-50 ألف مدرسة (حسب تقديرات معهد بروكنغز بواشنطن) في حين تقول باكستان، على لسان وزير الشؤون الإسلامية والحج، أن عددها كان 12500 مدرسة فقط في عام 2005 وهي التي قالت في أحد خطبها الحديثة من أن «هناك المدارس الدينية السياسية، التي تُعلّم تلاميذها كيف يصنعون القنابل، وكيف يستخدمون البنادق، وكيف يقتلون النساء، والأطفال، والشيوخ».
وهذه المدارس تعتبر ماكينات تفريخ الارهابيين الصغار الذين سرعان ما ينضوون تحت لواء «القاعدة» وفي صفوف «طالبان»، حيث لا عمل لهم غير هذا. وتلاومت بوتو في مناسبات كثيرة على حكومة مشرّف، لأنها لم تستطع حتى الآن القضاء على الإرهاب، وطالبته بإغلاق هذه المدارس.
مواقف الأحزاب الدينية المتشددة
إضافة لذلك، فإن غالبية الشارع الديني الباكستاني يقف إلى جانب «المجلس التنفيذي الموحد» وحلفائه «القاعدة»، و«طالبان» ويقدم لهم كل ما يحتاجونه من دعم سياسي. وتعارض الأحزاب الباكستانية الدينية المتشددة وعلى رأسها «الجماعة الإسلامية» بزعامة القاضي حسين أحمد، و«جمعية علماء الإسلام» بزعامة المولوي فضل الرحمن هذا الخطاب السياسي، وتعتبره منافياً لسيادة باكستان. ويعتبر «المجلس التنفيذي المتحد» الذي يضم الأحزاب الدينية المتشددة، أن «حزب الشعب» وما يمثل هو مجرد بوق أميركا. ويتوعدون أميركا بحرب طويلة. ففي حملة الانتخابات التي كانت ستتم في الثامن من يناير الحالي قال القاضي حسين أحمد أمير «الجماعة الإسلامية»:
«حكامنا تحت غطاء أميركي لا علاقة لهم بأرض وطنهم الأم. أعضاء الحركات الإسلامية جنود لله، ولا يمكن لأحد أن يسد طريقهم للوصول إلى هدفهم النبيل وهو إقامة الحكم الإسلامي على الأراضي الباكستانية». وقال مولانا سميع الحق رئيس «جمعية علماء الإسلام»: «نحن سنطرد جميع العملاء الأميركيين من وطننا». وقال العلامة ساجد النقوي رئيس «الحركة الجعفرية» المحظورة : «سنقوم موحدين بإبادة الحكم الغاصب على أراضينا».
إضافة لذلك، فإن هؤلاء جميعاً يقفون ضد ولاية المرأة في الباكستان كما هو معروف في التيار الديني المتشدد في العالم الإسلامي كله. ويتمسكون بحرفية الحديث النبوي الشريف: «لعن الله قوماً ولّوا أمرهم امرأة».
وهو حديث ما زال يُساء دائماً تفسيره وتطبيقه، حيث يُنتزع من سياقه التاريخي الذي كان بمناسبة تولّي بوران ابنة الامبراطور أنو شروان الفارسي الحكم بعد أبيها في بلاد فارس، الذين كانوا عبدة النار في القرن السادس للميلاد، وكانوا أعداءً للإسلام.
والإخوان المسلمون في بيانهم الأخير الذي تمخّض عن مجلس الشورى التابع لهم قالوا بهذا، واستندوا على هذا الحديث، الذي قيل في مناسبة معينة وفي فترة تاريخية معينة، وعلينا الا ننزعه من سياقه التاريخي ذاك، ونطبقه على حاضرنا، وواقعنا السياسي.
- ماذا استفادت «القاعدة» من قتلها لبوتو؟
- اعتراف «القاعدة» السريع بمسؤوليتها عن قتل بوتو على لسان زعيم تنظيم «القاعدة» في أفغانستان مصطفى أبو اليزيد، وبتأكيد من عمر البكري زعيم تنظيم «المهاجرون» الموالي ل «القاعدة»، كان متعمَّداً وذكياً في الوقت نفسه، حتى وإن لم تكن «القاعدة» هي قاتل بوتو الحقيقي. ف «القاعدة» بحاجة إلى هذا الحدث الطنّان، وإلى هذا «الوسام»، بعد أن توالت هزائمها في العراق وبعد أن قامت عشائر الصحوة في الأنبار وغير الأنبار في العراق بمحاربة أنصار «القاعدة»، واجبارها على الهروب من هناك.
كذلك فإن انكفاءة حماس في غزة، وما أصابها من عزل تام من قبل السلطة الفلسطينية ومن قبل العالم العربي والغرب عموماً، وحرمانها من عطايا وهبات كل هؤلاء، وصبِّ أكثر من سبعة مليارات دولار في جيب السلطة الفلسطينية خلال السنوات الثلاث القادمة اعتباراً من عام 2008، وكذلك الخسارة الكبيرة التي مُني بها الإخوان المسلمين في الانتخابات النيابية الأخيرة وخسرانها لأكثر من عشرة مقاعد في البرلمان الأردني، يُضاف إلى ذلك السمعة السيئة التي خسرتها «القاعدة» جرّاء التفجيرات الإجرامية التي تمَّت في الجزائر وأعلنت القاعدة عن مسؤوليتها بكل فخر واعتزاز عن هذه التفجيرات التي أودت بحياة العشرات من الأبرياء..
كل هذا قد تسبب في خفوت صوت «القاعدة» وفقدانها للكثير من بريقها الإعلامي العربي خاصة، الذي تمتعت به خلال الست سنوات الماضية (2001-2007)، فجاء مقتل بوتو لكي يعيد الحرارة لأسلاك «القاعدة»، ويطفو بها مرة أخرى على سطح الإعلام العالمي، وتصدُّر نشرات الأخبار، وأولية شاشات الفضائيات. وكان مقتل بوتو بذلك هو أحد المكاسب التي تعتقد «القاعدة» أنها قد حققتها من عملية قتلها لبوتو، إضافة إلى المكاسب التالية، التي تعتقد القاعدة أنها حققتها من خلال اغتيالها لبوتو:
1- على المستوى الأفغاني، خدم اغتيال «القاعدة» لبوتو، تموضع «القاعدة» وذراعها القبلي الأفغاني (طالبان) في أفغانستان. وكانت «القاعدة» في أمس الحاجة إلى هذا الحدث المدوّي، لكي تقول للإعلام الأميركي على وجه الخصوص الذي اهتم اهتماماً غير عادي بمقتل بوتو، وجنّد كل وسائله للحديث وتحليل هذه الفاجعة، بأنها ما زالت قوية في أفغانستان، وبأن يدها تطول ما تريد أن تطوله، رغم مواجهتها الصعبة لقوات تحالف دولية مزودة بأحدث الأسلحة في أفغانستان. وهي كذلك رسالة موجهة إلى الرئيس الأفغاني حامد قرضاي، تنذره فيها بعواقب الأمور.
2- على المستوى الباكستاني، خدم اغتيال «القاعدة» لبوتو، تواجد «القاعدة» القوي في الشارع السياسي الديني الباكستاني. وأثبتت «القاعدة» للأحزاب الدينية الباكستانية المنضوية تحت لواء «المجلس التنفيذي الموحد» بأنها قادرة على ضرب أعدائها «حزب الشعب»، و«حزب الرابطة الإسلامية» المتحالف مع «حزب الشعب»في الصميم. وأن عودة بوتو إلى الباكستان لا يخيفها ولا يخيف «المجلس التنفيذي الموحد»، بقدر ما هو نهاية لبوتو وحزبها الذي كان يقف بصلابة متناهية أمام «القاعدة» ووجودها في أفغانستان.
3- ومن بعيد، خدم أغتيال «القاعدة» لبوتو وجود «القاعدة في العراق وصراعها المرير مع القبائل العراقية، فيما أطلق عليه «قبائل الصحوة» التي بدأت تضرب بيد من حديد فلول «القاعدة» هناك. فجاء حادث اغتيال بوتو، ليؤكد من جديد قوة «القاعدة» في ضرب ما تريد، وفي أن تطول ما تريد.
4- وفي الأيام الماضية، سمعنا وشاهدنا كيف رُدت الروح في الأيام الأخيرة إلى كل وسائل الإعلام العربية، التي تقف إلى جانب «القاعدة»، وخرج علينا محللوها ومعلقوها بوجنات حمراء، وعيون براقة، وابتسامات عريضة، والفرح الكبير يغمرهم، بعد أن امتقعت وجوههم في الأسابيع الماضية، نتيجة الضربات التي لحقت ب «القاعدة» في العراق، والخيبات التي لحقت بالقوى الدينية المتشددة في طول العالم العربي وعرضه.
5- وأخيراً، يعتبر اغتيال «القاعدة» لبوتو تسديد «هدف قاعدي» في مرمى أميركا. فمنذ أن وصلت بوتو إلى كراتشي، وإعلام «القاعدة» لا يفتأ أن يعلن أن «رسول أميركا» ومنفذ سياستها في الباكستان قد وصلت لتنفيذ هذه السياسة. وأن سفيرة أميركا في الباكستان لا بُدَّ أن تلقى جزاءها، وقد كان.
وفي النهاية فإن الخاسر الأكبر - على المدى القصير - هو السياسة الأميركية بدون شك. وهي التي بغباء سياستها في الشرق الأوسط، وضعت نفسها في مواضع زادت من خيباتها وإذلالها على النحو الذي نراه الآن. في حين أن الرابح الأكبر كان الشعب الأفغاني والشعب العراقي اللذين نالا بفضل غباء السياسة الأميركية الخارجية ما لم يحلما به من قبل، وما زال الحبل على الجرّار كما يقال.
عن صحيفة الوطن القطرية
2/1/2007


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.