ضمانات متآكلة!! هاني حبيب في عهد الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش "الاول"، قدمت الادارة الاميركية ضمانات قروض لاسرائيل بقيمة عشرة مليارات دولار، في اطار شروط عديدة من بينها وقف الاستيطان وإلغاء المستوطنات غير المسكونة أو قليلة السكان، وعدم تبرير الاستيطان الموسع بحجة تزايد عدد السكان، برزت مشكلات عديدة بين الجانبين، الاميركي والاسرائيلي. حول عديد من المسائل المتعلقة بالاستيطان، ومن بينها كيفية مراقبة تنفيذ هذه الشروط، وتبين ان التقارير الاسرائيلية تزور الوقائع الفعلية على الارض، خاصة في مستوطنات قطاع غزة في ذلك الوقت، حيث احتسبتها اسرائيل باعتبارها مستوطنات مأهولة بالمستوطنين، المعلومات الاميركية شككت في هذه المسألة واعتبرت مستوطنات قطاع غزة مجرد عملية استيطانية شكلية ومؤسسات زراعية وصناعية ولا يعيش فيها الاّ عدد محدود من المستوطنين، ومعظم العاملين في هذه المستوطنات هم من عمال الزراعة والبناء من اهالي قطاع غزة، وبين المعلومات والتقارير المضادة، قدمت الولاياتالمتحدة لاسرائيل صوراً تم التقاطها لمستوطنات قطاع غزة، تظهر فيها حبال غسيل المستوطنات، في مناسبات متكررة، خالية من الملابس المغسولة والمنشورة لتجف، ما يعني انه ليس هناك اسر وعائلات تعيش في هذه المستوطنات!! عندما تريد الولاياتالمتحدة، ان تضغط وتراقب، تستطيع القيام بذلك، هذا هو الاستنتاج مما ذكرناه سابقاً في عهد بوش الثاني، تغييب صورة ابيه عند العلاقة مع اسرائيل، رغم رؤيته التي باتت تعرف "بخارطة الطريق" ففي اول منحنى في هذه الخارطة قدم بوش الابن ضمانات لاسرائيل تنسف رؤيته وخارطته، وقبل اجتماع انابوليس، عاد وقدم ضمانات جديدة لاسرائيل لإجبارها على المشاركة في هذا الاجتماع، ومن بين هذه الضمانات، ما تكرر في الضمانات الاولى: لا للانسحاب الكامل من الاراضي المحتلة العام 1967، لا لتقسيم القدس، لا لسيادة عربية كاملة على جبل الهيكل "المسجد الأقصى" لا لتقسيم القدس لا لدولة فلسطينية كاملة السيادة، لا لاخلال التوازن العسكري القائم حالياً بين العرب واسرائيل، وجملة من "اللاءات" التي لا حصر لها انتهت بلا جديد، وهي: لا لحرمان اسرائيل من مطالبها المائية في الانهار العربية! بوش الثاني يصل إلى المنطقة اوائل الشهر الاول من العام 2008، بهدف معلن وهو تشجيع الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي على اطلاق عملية تفاوضية تنفيذاً لنتائج مؤتمر أنابوليس، بوش الثاني، فوجئ ان رئيس الحكومة الاسرائيلية، وفور اختتام اعمال انابوليس، اطلق عملية استيطانية واسعة النطاق في القدس والضفة، في احراج مباشر له ولادارته، وبدأت جولات تفاوضية اسرائيلية - فلسطينية لم تتقدم خطوة واحدة بسبب اطلاق حكومة اولمرت للعملية الاستيطانية الجديدة، لقاء عباس - اولمرت، لم ينجح في كبح جماح هذه العملية، كما افادت وسائل الاعلام الاسرائيلية والفلسطينية والناطقون عن الجانبين من الرسميين. ولكن ومع اقتراب موعد وصول بوش الى المنطقة، اشيع في سلسلة من الضمانات الاسرائيلية، تهدف في حقيقتها إلى ازالة الاحراج الذي تسبب به اطلاق عملية الاستيطان الجديدة، فقد نشر مؤخراً ان لقاء عباس - اولمرت كان مثمراً، عندما وعد الثاني بانه لن يقدم على ما من شأنه تقويض المفاوضات المتعلقة بالوضع النهائي، مصدر كبير في الحكومة الاسرائيلية صرح لصحيفة "هآرتس" بان قضية البناء في القدس والضفة الغربية ستبحث خلال المفاوضات! ومن هذه التصريحات لا تظهر هناك اية اشارة حول ضمانات فعلية، خاصة حول تفسير عبارة "ما من شأنه تقويض المفاوضات" والأهم ان اولمرت اعتبر ما تم اتخاذه من خطوات من قبل حكومته حول الاستيطان الجديد، امر واقع، يمكن بحثه فيما بعد اثناء المفاوضات الثنائية.. لا اكثر ولا أقل. وتصدرت الصحف الفلسطينية، عناوين عن ضمانات اولمرت للولايات المتحدة حول وقف الاستيطان في الضفة والقدس، وعندما تدخل في التفاصيل لا ترى اية علاقة للعنوان بالمضمون من حيث القيمة الحقيقية لهذه الضمانات، الأمر يتعلق بعدم طرح استدراجات جديدة اضافية لبناء مساكن في احياء استيطانية في القدسالشرقية، وتشير هآرتس إلى ان اولمرت فوجئ بالقرارات المتعلقة بالعملية الاستيطانية الجديدة، ما حدا به إلى اصدار اوامره بان تمر كافة القرارات المشابهة من الآن فصاعداً عبر مكتبه، وهذا لا يعني وقفاً للعملية الاستيطانية، بقدر ما يتعلق الامر، بعدم الاعلان عن هذه القرارات التي عادة ما تفضحها منظمة "السلام الآن" الاسرائيلية، اضافة الى ان الامر يتعلق بالاجراءات والقرارات الجديدة، دون ان يتعلق الامر بالقرارات التي صدرت بالفعل، فأية ضمانات تلك التي يتحدث البعض عنها؟! تلك الضمانات، التي اعطيت لعباس او لبوش، من قبل حكومة اولمرت، لا تعدو كونها تزويراً للحقائق على الارض، وتمويهاً لارادة اسرائيلية بمتابعة العملية الاستيطانية مع تقييد النشر عنها وفضحها ليس الاّ، واعتقد ان بوش كما عباس، يدركان هذه الحقيقة التي ليس من مصلحة احد منهما الاعتراف بها، فلكل اسبابه، فالرئيس بوش يريد ان يعتقد ان اسرائيل سحبت العقبات الاخيرة التي وضعتها امام المسيرة التفاوضية وفي تزامن "غير مدروس" مع اقتراب وصوله الى المنطقة، أما الرئيس عباس، فيعلم كما يعلم الجميع، بانه بدون ضغط اميركي حقيقي على اسرائيل. فإن الأخيرة لن تتراجع عن خططها، لكن ولاية الرئيس بوش الثاني، الآيلة إلى الانتهاء وبعد عدة اشهر، ليس بوسعها، كان الامر عادة في آخر عام من ولاية الرئيس الاميركي غير القابلة للتجديد، ان تقدم على أية خطوة ضاغطة، لكن الرئيس عباس من ناحية اخرى، لا يجد امامه خيارات يمكن له ان ينتقي منها خياراً محدداً، فالوضع الفلسطيني المتأزم، والموقف العربي المتدني. والتصلب الاسرائيلي، لا تجعل امام الرئيس عباس سوى خيار التقدم في عملية تفاوضية مع اسرائيل، فالوقت يمر واسرائيل تفرض وقائع جديدة كل يوم، وربما العملية التفاوضية بمساندة المجتمع الدولي، تخفف من الاجراءات الاسرائيلية، مع الادراك ان العام 2008 لن يأتي بجديد على هذا الصعيد، وانعدام الخيارات هذا هو الذي يبرر للرئيس عباس مواصلة الجهود نحو اطلاق عملية تفاوضية، رغم انحسار الأمل!! عن صحيفة الايام الفلسطينية 30/12/2007