القاهرة-طهران: خطوات (حذرة) على طريق التطبيع محمد خرّوب اذا كان من السابق لأوانه التكهن بالوقت الذي ستحتاجه القاهرةوطهران لاستئناف العلاقات الثنائية المقطوعة منذ العام 1980 بقرار ايراني، فان من الحكمة القول ان السؤال هنا لم يعد، هل سيتم تطبيع علاقاتهما؟ بل متى؟ بعد ان ادركت الدولتان الاكبر والاكثر تأثيراً ونفوذاً في منطقة الشرق الاوسط، أن مصالحهما تقضي بطي صفحة الخلافات المعلنة على الأقل، والتي لم تعد موجودة او سقطت بالتقادم او ان ابطالها قد طواهم الموت او النسيان لا فرق، سواء في ما خص استضافة مصر لشاه ايران السابق مباشرة بعد نجاح الثورة الاسلامية الايرانية في شباط 1979. وبعد أن غدا الشاه شخصية غير مرغوب بها لدى حلفائه بل سادته في الولاياتالمتحدة وتم رفض طلباته باللجوء الى أي من دول الغرب الديمقراطية التي تقدم دائماً المصالح على المبادىء، فلم يجد غير انور السادات مرحباً به على قاعدة الوفاء وتطبيقاً لمعايير اخلاق القرية التي اراد ان يدخلها قاموس العمل السياسي والدبلوماسي ضارباً عرض الحائط في شكل او آخر بأبجديات حماية المصالح الوطنية وخصوصاً ان الثورة قد نجحت وان الشاه قد بات طريداً ولا مصلحة لمصر ان تستقبله علناً وفي شكل رسمي وكأنه ما يزال ملك الملوك الذي يطمح للعودة الى الحكم تماماً كما اعيد عندما اطيح بحكومة الدكتور مصدق وتم تنصيب عميد أسرة رضا بهلوي مرة اخرى.. ليس مطلوباً الآن نكء الجراح وفتح الملفات القديمة بعد ان تدفقت مياه غزيرة تحت جسر العلاقات الايرانية المصرية المقطوعة طوال ثلاثة عقود تقريباً، وبعد ان تغيرت المعادلات الاقليمية والدولية واختلت موازين القوى وبرزت تحالفات واصطفافات جديدة، ليس اقلها ان الولاياتالمتحدة الاميركية قد باتت ''جارة'' لايران وعديد من دول المنطقة، كما ان وقع بصاطير الجيوش الاجنبية (المرغوب فيها والمطلوبة عربياً) تسمع اصداؤه بوضوح في معظم عواصم المنطقة وفي مقدمتها طهران، حيث الاميركان يحيطون بها كالسوار، في افغانستان، العراق، البوارج في مياه الخليج والقواعد العسكرية في معظم دولها، اضافة الى قاعدة انجرليك في تركيا والقواعد الجوية في دول وسط آسيا (السوفياتية السابقة).. من هنا تأتي دبلوماسية ''الزيارات'' التي دشنها الطرفان هذا الشهر على نحو لافت، لتؤشر في جملة ما تؤشر اليه، على ان الرغبة المشتركة قد نضجت لايجاد مخرج يحفظ ماء الوجه لكليهما، ولا يجعل من عودة العلاقات الدبلوماسية انتصاراً لهذه الدولة او تنازلاً من قبل تلك، وخصوصاً ان المسائل ''الشكلية'' المتمثلة بتغيير اسم الشارع في طهران الذي سارع مجلسها البلدي الى اطلاق اسم خالد الاسلامبولي، عليه مباشرة بعد نجاح الاخير في اغتيال الرئيس المصري السابق انور السادات، قد تم حلها ثم وقف الحملات الاعلامية التي نشطت في ثمانينات القرن الماضي وخصوصاً بعد اصطفاف القاهرة الى جانب بغداد في الحرب العراقية الايرانية، كما تم التغلب او تبديد المخاوف، حول ما قيل عن نشاطات تقوم بها عناصر ايرانية لتشييع عناصر من المسلمين السُنّة الذين يشكلون الاغلبية الساحقة من الشعب المصري. ان تقوم مصر بارسال السفير حسين ضرار احد ابرز دبلوماسييها والذي انهى خدمة طويلة ومميزة في لبنان، قبل ان تتم ترقيته لمنصب مساعد وزير الخارجية، الى طهران يعني انها ترسل رسالة مزدوجة الى القيادة الايرانية حيث ايران احد اقوى اللاعبين الاساسيين على الساحة اللبنانية والذي لا يستطيع احد - بما فيها واشنطن - ان يتجاهلها او يدير ظهره لرأيها في الأزمة اللبنانية - المعقدة. ثم. ان تبادر طهران وبعد اسبوعين على زيارة ضرار بارسال شخصية مؤثرة وذات حضور ودور في المشهد الايراني بحجم علي لاريجاني، الى القاهرة وان يقوم الاخير بالاجتماع مع وزير الخارجية المصري ثم مع شيخ الازهر (رغم حرص وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط على القول ان زيارة لاريجاني ''خاصة'' تصحبه فيها اسرته ويزور خلالها اماكن دينية واثرية) يعني ان قرارا على مستوى رفيع قد اتخذ في القاهرةوطهران لتسريع اعادة العلاقات الدبلوماسية. علي لاريجاني، الذي ''أَطاحُه'' الرئيس احمدي نجاد من موقعه المهم كرئيس لفريق المفاوضات الايراني مع الاتحاد الاوروبي والوكالة الدولية للطاقة النووية وكل ما يتصل بالملف النووي الايراني، هو من اقرب المسؤولين الى ''اذن'' المرشد الروحي للثورة علي خامنئي بل هو الان - وبعد استقالته او اقالته - ما يزال ممثل قائد الثورة الاسلامية في المجلس الاعلى للامن القومي، ولهذا لا يذهب للاجتماع مع ابو الغيط وشيخ الازهر على هامش زيارة خاصة بل ان زيارة الاماكن الدينية والاثرية هي التي تتم على هامش ''المهمة'' التي انتدب من قبل خامنئي نفسه - للقيام بها.. كذلك الحال مع حسين ضرار الذي بات مطلعا على كيفية الاداء الايراني في المشهد اللبناني، هذا الاداء الذي تميز بالدهاء والسرعة لملء الفراغ والتحدي والذي برز في حرب تموز 2006 التي شنتها اسرائيل على لبنان وكيف الحق ''السلاح''الايراني هزيمة بالمشروع الاميركي الاسرائيلي الخاص بالشرق الاوسط الجديد الذي كانت الحرب ''مخاضه'' كما قالت كونداليزا رايس، وهذا التحدي المتمثل في توفير الدعم غير المحدود لفريق 8 اذار لقطع الطريق على أي محاولة اميركية لتحويل لبنان الى قاعدة انطلاق لترتيب اوضاع المنطقة، وكلنا يتذكر عبارة خامنئي عندما قال: ان هزيمة ايران ستكون في لبنان. لا تثير تصريحات لاريجاني حول عدم استعجال اعادة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وايران القلق او المخاوف من حدوث انتكاسة في الجهود المبذولة الان من الطرفين، كما هي الحال مع تصريحات احمد ابو الغيط عندما قال: ان العلاقات بين البدلين لا تزال في اطار حوار جاد مكثف، يستهدف التوصل لتفاهم شامل لكافة القضايا وصولا الى اقامة علاقات دبلوماسية كاملة''. عجلة عودة العلاقات الدبلوماسية بين القاهرةوطهران يبدو انها بدأت تدور الآن، بعد ادراك متبادل ان استمرار القطيعة لن يسهم في تحسين مركز احدهما في المنطقة، في الوقت نفسه الذي لا يمكن لساذج ان يتوقع ان يهدأ التنافس بينهما كدولتين اقليميتين كبريين على الادوار والنفوذ والمكانة سواء في ما خص السياسة ام في ما يتعلق بالمرجعية ''الدينية'' والحساسيات المذهبية والطائفية . عن صحيفة الرأي الاردنية 29/12/2007