لا تتوهموا... اوباما ليس للجميع!! رجا طلب انتخاب الرئيس باراك اوباما كان استثنائيا من جميع النواحي، ومن استثنائيات انتخابه أن فوزه أشاع ارتياحا منقطع النظير ليس داخل أميركا فحسب بل في العالم كله، وذلك للدرجة التي غيبت فيها لحظات الفرح هذه لدى بعض الدول والقوى المتعارضة مع السياسة الاميركية، غيبت حقيقة ان اوباما هو رئيس الولاياتالمتحدة الاميركية وليس رئيس دولة شقيقة او حليفة، فالفرح في الخلاص من الحقبة البوشية القاسية تسللت الى العقول فأنستها ان اميركا في نهاية المطاف هي اميركا ولن تتحول بتغير الرئيس مهما كان هذا الرئيس الى سويسرا او السويد او النرويج، وفي خضم سكرات الفرح هذا ذهبت بعض الاطراف وبعض الدول التى تعادى السياسات الاميركية من حيث المبدأ الى التكرم على اوباما بأنها على استعداد للتحاور معه، وكأن بارك اوباما مجرد سياسي من الدرجة العاشرة في دولة شرق أوسطية متلهف لمثل هذه الدعوات أو ينتظر طرحها ليتلقفها، فمثل هذه الأطراف اختلط عليها المشهد السياسي ونسيت أن اوباما هو رئيس دولة الشيطان الأكبر كما يحلو للممانعين أن يصفوها وان مجرد الجلوس معه له استحقاقات سياسية بالغة الأهمية يجب الإيفاء بها سلفا. الكراهية الشديدة لجورج بوش الابن والاستسلام الغريب لشماتة في غير محلها ولثأر في غير سياقه، كلها حالات نفسية أعمت بصر وبصيرة هؤلاء وبدأوأ يرون اوباما وكأنه المنقذ أو الرئيس الذي بعثه الله لهم من السماء ليساهم في دعم جهادهم وتعزيز نصرتهم، وبدرجة عالية من الجهل اعتقد هؤلاء أن اوباما دخل البيت الأبيض بفضل الصمود الذي مارسوه ضد بوش وسياساته، وليس بفضل الديمقراطية الأميركية وإرادة الشعب الأميركي ورغبته في التغيير وقدرة نظامه السياسي العريق على المحاسبة، اعتقدت وأنا استمع لتعليقات المقربين من ما يسمون أنفسهم بالمعارضين أن اوباما كان مجرد أداة من أدوات صراعهم مع جورج بوش وأنهم نجحوا في الثأر من هذا الأخير. إن هذه الحسابات القائمة على جهل بالواقع الأميركي وجهل اكبر بتوجهات اوباما وبطبيعة صنع القرارات الإستراتيجية في الولاياتالمتحدة، سوف تسرع في اضطرار الرئيس الأميركي الجديد بإظهار العصا مبكرا لمثل هذه القوى والدول والشخصيات، لان أي متتبع ولو بدرجة عادية لطبيعة التعهدات التي أطلقها اوباما بشان الملفات الساخنة التي تهمنا في منطقة الشرق الأوسط سيدرك أن المحور الأساسي للسياسة الخارجية في عهد اوباما سيكون إسرائيل وأمنها ثم إسرائيل وأمنها ثم إسرائيل وأمنها وقد نجد في نهاية القائمة البترول والمصالح المشتركة مع الحلفاء التقليديين... والتعهدات التي أطلقها اوباما في خطابه أمام الايباك أثناء حملته الانتخابية والذي أوضح فيه دعمه المطلق لإسرائيل وأمنها وسيادتها على القدس الموحدة، والذي وصف من قبل الإسرائيليين انه الأكثر التصاقا بالموقف الإسرائيلي في تاريخ مرشحي الرئاسة الأميركية، هذه التعهدات ليست كلاما فارغا، بل هي التزامات بدأها اوباما بتعيين رام عمانوئيل رئيس طاقم البيت الأبيض الذي وصفت تعيينه صحيفة يديعوت احرونوت بالقول انه القلب الإسرائيلي في البيت الأبيض والذي قالت الصحيفة أن تعيينه يعني شيئا واحدا وهو (أن البيت الأبيض سيفهم إسرائيل أفضل من أي وقت مضى). أما موقفه من الملفات الساخنة الأخرى كالعراق والملف النووي الإيراني والدعم الإيراني لحماس وحزب الله والسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين والعلاقة الأميركية مع سوريا، فقد لخص دينيس روس مسؤول ملف مفاوضات الشرق الأوسط في عهد إدارة كلينتون واحد ابرز المقربين من اوباما والمرشح لموقع هام ومؤثر في إداراته، لخص الموقف من هذه القضايا في مقاله الذي نشر مؤخرا في جريدة المستقبل البيروتية حيث قال: .... يدرك أوباما أن الضعف معد. وهو يدرك أن تقديم جزرة ضعيفة وعصا ضعيفة- كما يحصل الآن- لا يجدي نفعا. فنحن بحاجة إلى عصي قوية تؤكد للإيرانيين ما الذي من شأنهم أن يخسروه، وجزر قوي يُنقل إليهم مباشرة حتى يروا ما الذي يمكن لهم أن يربحوه في حال التخلي عن تطلعاتهم النووية. وحتى في حال فشلت المحاولة الدبلوماسية في نهاية المطاف، فإن حقيقة أن الرئيس تفاوض مع إيران بشكل مباشر وأنها اختارت مع ذلك نهج الرفض، سيوجد سياقا مختلفا كليا تجاه الخيارات الأكثر تصلبا وشدة . ويقول روس أكثر من ذلك وبوضوح اشد تجاه رؤية اوباما للمنطقة ويقول في ختام مقاله الطويل: ... أنا أعرف بشكل شخصي تقدير أوباما لوضع إسرائيل المعقد والتزامه تجاهها. فهو يفهم أن إسرائيل والولاياتالمتحدة لا يمكنهما أن يسمحا بأربع سنوات إضافية تواصل خلالها إيران ويواصل خلالها المتطرفون الإسلاميون مراكمة الميزات الإستراتيجية. نحن بحاجة إلى زعيم يدرك كيف يستخدم كل مداميك القوة الأميركية وكيف يرمم تأثيرنا كي نستطيع أن نضمن وأن نحمي مصالح أصدقائنا. أوباما هو هذا الزعيم . ... بعض الأخطاء في قراءة المشهد بعد فوز اوباما، بدأت والفرح المتسرع لدى البعض اخذ في التراجع، وبعد أيام ستظهر ملامح هذه الإدارة الجديدة أكثر فأكثر، بعد تعيين وزير الخارجية ووزير الدفاع ورئيس مجلس الأمن القومي، وبكل الأحوال فان هؤلاء لن يكونوا أصدقاء لمن هم متخندقين في معسكر الممانعة . عن صحيفة الرأي الاردنية 10/11/2008