أميركا اختارت التغيير كمال مضاعين اختارت أمريكا والعالم باراك اوباما ليصبح أول رئيس اسود للبيت الأبيض في تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي كان فيها السود لا يملكون حتى حق الاقتراع قبل خمسين عاماً. إنه اختيار للتغيير يعكس رغبة جامحة تجاوزت حدود العرق واللون، وتعبيراً عن مظاهر الضيق الأمريكي والعالمي بسياسات المحافظين الجدد الذين أوصلوا البشرية لحافة الخراب على امتداد السنوات الثمانية الماضية . انه اختيار لناخبين ما زالوا يؤمنون بضرورة تجديد زعامة الولاياتالمتحدة للعالم؛ بالاقتصاد والثقافة، بالسياسة والريادية، بعد مرحلة لم تجد فيها إدارة المحافظين الجدد إلا القوة العسكرية كأداة وحيدة للحفاظ على زعامة الولاياتالمتحدة للعالم، وردت على هجمات الحادي عشر من أيلول بهجمات أكثر إرهاباً ووحشية، وتسببت بكارثة اقتصادية عالمية هي الأسوأ منذ مطلع القرن الماضي. لقد اقترعت أمريكا لإنقاذ المشروع الإمبراطوري، فلدى الأمريكيين ايمان راسخ بالدور الريادي لبلادهم على مستوى العالم، مستندين إلى نمط الحياة الأمريكية المتقدم، ومن تأثيره الساحر كنمط للحرية والديمقراطية على العالم؛ فأمريكا التي ورثت المشروع الاستعماري الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية، وقادت (العالم الحر) على امتداد عقود مرحلة الحرب الباردة على الصعيد العسكري والسياسي والايدولوجي، وتربعت منفردة على قمة زعامة العالم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، هذا كله كان من المفترض أن يدفع أمريكا لاحتواء العالم ومساعدته، وإشاعة أجواء ايجابية في العلاقات الدولية، وحماية الدول الضعيفة، ومساعدة الدول الفقيرة، كالتزام أخلاقي ومصلحي لدولة مهيمنة على العالم. ولكن ما حصل كان عكس ذلك تماماً؛ فأمريكا تصادمت مع العالم بدل أن تقوده، ومارست سياسة القوي ضد الضعيف على مستوى الدول الصغيرة، وتبنت فكرة الحروب والاحتلال المباشر بدل العمل الدبلوماسي وتعزيز دور الهيئات الدولية، وختمت عهدها بأزمة اقتصادية عالمية خطيرة يعرف الجميع أن أساطين المال الأمريكي كانوا المسببين لها خدمة لمصالحهم على حساب مصالح العالم أجمع. بنجاح اوباما، يكون الاتحاد الفيدرالي الأمريكي الذي أنشىء قبل نحو 230 عاماً قد تطهر من خطيئة العبودية، وتجاوز روح الفوقية العنصرية، ودخل بشراكة ومساواة حقيقية مع السود، هذا انجاز يسجل للشعب الأمريكي على المستوى الأخلاقي والحضاري. أما على المستوى العملي، فإن اوباما سيبقى أسيراً للأزمات المفتوحة التي ورثها عن سلفه، وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية التي لم تدخل طور الحل بعد، وأزمة احتلالين لدولتين شرق أوسطيتين، هما العراق وأفغانستان، وملف مستقبل العلاقة ؟ المواجهة مع إيران، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومستقبل العلاقة الأمريكية الإسرائيلية. وعلى المستوى الدولي، سيجد الرئيس الأمريكي الجديد نفسه في مواجهة حالة نهوض دولية تسعى لإنهاء حالة التفرد الأمريكي لقيادة العالم تتزعمها كل من روسيا وفرنسا، ولإرساء قاعدة شراكة بين الأطراف الدولية على أسس أكثر عدالة ومراعاة للمصالح الدولية. ولكن، ورغم هذا الكم الهائل من إرث الأزمات التي يتوجب على الرئيس الجديد التعاطي معه لفترة ليست بالقصيرة، إلا أن انتخاب اوباما يبقى منعطفاً تاريخياً على مستوى الولاياتالمتحدة والعالم، ويفتح الطريق لحقبة كونية جديدة أكثر عدالة وعقلانية، فالعالم كان قد اقترع لاوباما إلى جانب الشعب الأمريكي، عله يساهم بطي صفحة اتسمت بطغيان النزعة العسكرية في العلاقات الدولية، وبإذكاء روح التعصب الايدولوجي والحضاري في مواجهة العالم بشكل عام، والأمة العربية والإسلامية بشكل خاص. عن صحيفة الرأي الاردنية 6/11/2008