من كامب ديفيد إلى "أنابولس".. تفريخ هزائم د. عبدالله السويجي شهدت الفترة ما بين كامب ديفيد وأنابولس مؤتمرات واتفاقيات ومعاهدات واجتماعات سرية وعلنية بين مسؤولين عرب وصهاينة، تمخضت عن معاهدة سلام أيضاً بين الأردن والكيان الصهيوني، كما تمخضت عن افتتاح سفارات ومكاتب تجارية صهيونية في عواصم عربية عدة، ناهيك عن المؤتمرات العالمية التي كانت تعقد في عواصم عربية ويحضرها ممثلون عن الكيان الصهيوني. إن المثير في الأمر والواضح من سياق الأحداث أن العلاقات الصهيونية العربية في تطور مستمر باستثناء العلاقات الصهيونية الفلسطينية، التي تتردى يوما بعد يوم، بمعنى، أن الكيان الصهيوني يضع أولوية في سياسته ترمي إلى التطبيع وتوقيع اتفاقيات سلام مع الدول العربية، بينما القضية الفلسطينية تكون هي الضحية، وإذا استرجعنا كلمة إيهود أولمرت رئيس وزراء الكيان الصهيوني في اجتماع أنابولس، فإننا نلاحظ بأنه دعا العرب، كل العرب للانضمام إلى قطار السلام، وخاطبهم قائلا: لا تتأخروا، إن هذا ليس من صالحكم وإنه يضر “إسرائيل". لقد تمخض اجتماع أنابولس عن إطلاق مبادرة سلام، وتعهد أولمرت أمام بوش ألا تتجاوز المفاوضات سنة واحدة، أي خلال عام ،2008 ولكن سبق هذا التعهد تعهدات والتزامات كثيرة من قبل الرئيس الأمريكي بوش للمسؤولين الصهاينة. لقد انفرط العقد العربي منذ زيارة السادات إلى الكيان الصهيوني، وازداد ضياعا وتشرذما بعد اتفاقية السلام مع الأردن، وعودة الرئيس الفلسطيني الراحل أبو عمار إلى الضفة الغربيةوغزة، أو إلى غزة بشكل أدق، حيث كان الكمين الذي نصبته دولة الكيان الصهيوني للسياسة العربية وللمصير الفلسطيني. وقال كثيرون إن الكيان الصهيوني حين وافق على دخول ثلاثين ألف مقاتل، فإنه استطاع تفريغ المقاومة الفلسطينية من استراتيجيتها العسكرية، إضافة إلى أنه ضمن وجود ثلاثين ألف أسير من المقاتلين الفلسطينيين، ناهيك عن أن الممارسات الفلسطينية في غزة والضفة في ما بعد لم تختلف عن ممارساتهم في أرض الشتات، حين كانت المقاومة تمتلك قوة ضاربة على الأرض، وقوة إعلامية هائلة في الآفاق. أما الأمر الثاني، وهو الأخطر في نظر كثير من المحللين، هو أن عودة التنظيمات الفلسطينية إلى غزة والضفة قبل اتضاح صورة الهيكل السياسي لهذه المنطقة الصغيرة، وتأجيل البت قي القضايا المصيرية إلى وقت لاحق، أعطى دولة الكيان هامشا كبيرا في المناورة السياسية والعسكرية، أما الموقف العربي فكان كمن كان يحمل عبئا على ظهره وأنزله على الأرض، أي أصبحت السياسة العربية تنظر للفلسطينيين على أن لهم دولة والمسألة مسألة وقت حتى يتوصل الفلسطينيون والصهاينة إلى اتفاق نهائي من دون أن يأخذ العرب في الحسبان النوايا الصهيونية، ومن دون أن يستشرفوا المستجدات، والتي كان أخطرها أحداث 11 سبتمبر/ايلول في الولاياتالمتحدةالأمريكية. وبناء على هذا، تحول بعض العرب إلى وسطاء بين الفلسطينيين والصهاينة، والجولات المكوكية المصرية والأردنية من وإلى أراضي السلطة الفلسطينية ابان الأحداث والمشاكل، إن كانت بين السلطة والكيان الصهيوني أو بين الفصائل أنفسها، خير دليل على نوعية الدور العربي المستجد. هل كان العرب في حاجة إلى اجتماع أنابولس، بعد المؤتمرات والخرائط والاتفاقيات السابقة، وهل سيغير الاجتماع الموقف الصهيوني من الفلسطينيين ومن جزء كبير من العرب، والذي يتمثل في عدم الانسحاب من أراضي الضفة وغزة بالكامل، وعدم هدم المستوطنات أو إيقاف بناء المستوطنات، وعدم هدم جدار الفصل العنصري، وعدم الاعتراف بدولة فلسطينية ذات سيادة بحجة الأمن وأولوياته؟ إن هذه (العدمات) هي التي سوف تبقى (تعدم) كل رأس يتحدث عن حق العودة والانسحاب إلى ما قبل ،1967 والدولة الفلسطينية المستقلة، وأي رأس يطالب بإحلال السلام أولا مع الفلسطينيين ثم ينتقل إلى العرب، لأن أولوية دولة الكيان الصهيوني هي تطبيع العلاقات مع الدول العربية أولا، وإذا ما حدث هذا، ووافق العرب على ذلك، فإن القضية الفلسطينية ستكون قد دخلت في غرفة العناية المركزة، وإذا ما استمرت الخلافات بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس، فإن حربا أهلية جديدة ستنشب، وستحدث كارثة وطنية وإنسانية من جديد. إن اجتماع أنابولس ليس هو الأمر المهم، بغض النظر عن نتائجه الإيجابية أو السلبية، لأن الايجابيات هي سلبيات عند طرف، وسلبياته إيجابيات عند طرف آخر، وهنا تكمن المعضلة، وانعقاد الاجتماع وسط هذه التناقضات سيؤدي إلى تفاقم الصراع داخل الوطن العربي، بين المعارضين والمؤيدين، أي سينتقل الصراع من المواجهة مع العدو الصهيوني إلى المواجهة الداخلية، خاصة أن الأرضية الشعبية تعيش حالة غليان، لأنها تعتقد أن ثمة أمراً مصيرياً يحاول الاجتماع إتمامه والتخطيط له. ومرة أخرى نتساءل: هل استطاع اجتماع أنابولس أن يحل المعضلة اللبنانية، حتى في حالة انتخاب رئيس للجمهورية؟ وهل استطاع أن يجمع الفرقاء الفلسطينيين ويوحد صفوفهم؟ وهل نزع بذور الحرب الأهلية من العراق وتحول العراق إلى (دولة ديمقراطية)، وهل قضى على أسباب (الإرهاب) في المنطقة؟ وهل نزع فتيل المواجهة بين أمريكا وإيران؟ إذا كان محور الاجتماع هو حل النزاع الفلسطيني الصهيوني، فإن هذا النزاع لا يحل في اجتماع لا يدرك حقوق الشعب الفلسطيني، ولا يدرك واقع اللاجئين الفلسطينيين السياسي والاقتصادي والاجتماعي. كما أنه لا يدرك طموحات الكيان في التوسع والسيطرة السياسية والاقتصادية. أما إذا كان المؤتمرون يدركون كل ذلك، ويمعنون في التجاهل، فهذا يعني وجود فخ أو مصيدة كبيرة لن تتضح عوالمها الآن، ولكن حين تتضح النتائج الحقيقية، وليست المعلنة لاجتماع أنابولس، لأن ما يحدث الآن من كوارث هو نتيجة ذاك الغموض بين اتفاقيات كامب ديفيد وأوسلو ومدريد وواي ريفر وخارطة الطريق، وكل المعاهدات، وقد قالها (المغيب) شارون إن العرب يوقعون على شيء ويصرحون شيئاً آخر، فهل سيكشف (أنابولس) عن وجهه الحقيقي في الأيام القريبة القادمة؟ الإجابة ستحددها جبهات القتال أو شوارع العواصم العربية. عن صحيفة الخليج الاماراتية 3/12/2007