في أميركا عهد يمضي وآخر يطل.. مساء اليوم! د. علي حمد إبراهيم يطالع قراء الوطن هذا المقال في فجر هذا اليوم، الرابع من نوفمبر من عام 2008 والشعب الاميركي يصطف بالملايين لينتخب رئيسه الرابع والاربعين. وفي الساعة السابعة من مساء اليوم بتوقيت واشنطن تبدأ اجهزة الاعلام الاميركية بث النتائج الاولية في بعض الولايات الاميركية الشرقية متقدمة على ولايات الجنوب والغرب الاوسط بسبب فروق الزمن. ويبدأ تلقائيا العد التنازلي للنهاية الحقيقية لسنوات الرئيس جورج بوش الثماني. بالنسبة لنا نحن في العالمين العربي والاسلامي سوف نظل نحفظ للرئيس بوش الكثير من المواقف السالبة تجاه قضية العرب والمسلمين الاولى، ونعني بها قضية فلسطين السليبة. وسوف نحفظ للرئيس بوش تحديدا انه الرئيس الذي بدأ عهده بعداء شديد وغير مبرر للرئيس ياسر عرفات واعتبره ارهابيا كاملا. وحرم عليه الدخول الى الولاياتالمتحدة ناهيك عن الدخول الى ردهات البيت الابيض الذي تجول فيه الرئيس عرفات كثيرا زائرا ومدعوا قبل وصول الرئيس بوش اليه. لقد كان تقدير الرئيس كلينتون للرئيس عرفات كبيرا. ولعل ذلك التقدير الرئاسي الاميركي اسهم بدوره في تبلور التقدير العالمي الاعلى للرئيس عرفات وأدى في النهاية الى حصول الرئيس عرفات على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع رئيس الوزراء الاسرائيلي. وتلك جائزة يعلم الرئيس انها لا يمكن ان تمنح لشخص تحوم حوله شبهة الارهاب. وسوف نحفظ كذلك ان الرئيس بوش هو الرئيس الاميركي الذي علق على انباء الفظائع التي يرتكبها الجيش الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية بجملته الشهيرة « دعهم ينزفون»- في واحدة من أحط انواع النوازع البشرية المجردة من الاحاسيس الانسانية التي يفترض توافر الحد الادنى منها في اي نفس بشرية سوية. ولن ننسى كذلك للرئيس بوش للحظة واحدة عبارته التحريضية الشهيرة ضد الفلسطينيين العرب التي كانت بمثابة جواز مرور لممارسة القتل بدم بارد للمخالفين للسياسات والمواقف الاميركية. «خذوهم الى الامام» وهو تعبير اميركي دارج يحرض على القتل بدم بارد. وقد اغضبت تلك العبارة احد المشرعين الاميركيين الى درجة الهياج وجعلته يتساءل كيف يستطيع رئيس دولة أن يسمح لنفسه بان يتكلم بمثل تلك اللغة التي لا يستطيع هو ان يتكلم بها تحت أي ظرف من الظروف. لقد دخل الرئيس بوش المكتب البيضاوي والقضية الفلسطينية تسير نحوالحل النهائي بخطى وئيدة، ولكنها كانت خطى واثقة، وراكزة. وكانت تجد الدعم الجاد من الجميع: الأوروبيين والمسلمين. والافارقة. وكانت المبادرة العربية التي اجازتها قمة عربية كبرى، ستكون جواز مرور جديا نحو الحل الدائم لو أنها وجدت الدعم من الرئيس بوش الذي اضاع كل الوقت في مهاترة القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني مدفوعا بتحريض المحافظين الجدد الذين كانوا ومازالوا اكثر اهتماما بالنظريات والتهويمات واكثر اخلاصا لتحقيق رغيات اللوبي اليهودي وخططه في المنطقة. إن الرئيس بوش يغادر البيت الابيض بعد ثماني سنوات عجاف اكلت كل ما انجزه الدبلوماسيون الاميركيون من نجاحات على النطاق العالمي. وخربت علاقات اميركا على اطلاقها مع حلفائها الاقربين. واصدقائها الدائمين. وزادتها سوءا مع اعداء اميركا التقليديين. بل وانتبذت اميركا خلال سنوات بوش الثماني مكانا قصيا من الجميع، وقسمت العالم من حولها الى قسمين: الذين معها. والذين ضدها. ليس هناك منطقة وسطى. إما طريق اميركا وإما الطريق العالي. اما الذين معها فعليهم ان يباركوا خطواتها ومشروعاتها دون تبرم واحتجاج. فإن لم يفعلوا، فعليهم ان يتحملوا غضب اميركا وانفعالاتها وعقابها وشتائمها. ألا تذكرون كيف شتمت اميركا اوروبا حين رفضت غزو العراق. ووصفتها بأوروبا القديمة على لسان وزير دفاعها السابق رامسفيلد؟ ألا تذكرون كيف شتمت اميركا فرنسا. وكيف امتنت عليها بتحريرها من قبضة النازي. وزادت على ذلك بتذكيرها ب «برنامج مارشال» الذي اطعمها من جوع وآمنها من المسغبة؟ الرئيس بوش يغادر البيت الابيض وقد اضاف الى اوجاع الشعب العربي اوجاعا فوق اوجاع . ها هي غزة محاصرة بتحريض اميركي محكم. وكل جريمتها انها صدقت كذبة الديمقرطية التي بشرت بها اميركا العرب. وصوتت غزة بحماس للديمقراطية الجديدة ولكنها انتصرت لحركة حماس وجاءت بنفر ممن تعتبرهم اميركا من اعدائها الدائمين. فأميركا تخالف، عندما تريد، القول الماثور القائل بأنه لا توجد عداوات دائمة. ولكن توجد مصالح دائمة. في حالة غزة هناك عداوة دائمة. وهي عداوة لا يغيرها تحول ديمقراطي. ولكن ربما غيرها تحول غزة نحو اميركا. والبصم بالعشرة على كل ما تريد وتهوى. الانتخابات في اميركا تفعل ما تريد. تسقط هذا وتأتي بذاك. ولا احد يستطيع أن ينبس ببنت شفة. اما في غزة فالانتخابات غير حرة لكي تأتي بمن تريد. الانتخابات في غزة عليها «أن ترعى بقيدها» ولا تأتي بأعداء اميركا. فإن فعلت، فالحصار والجوع والمسغبة والامراض. لقد جربت غزة هذا الامر. وقديما قال الحكماء اسأل مجربا، ولا تسأل طبيبا. غزة لم ترعو. وجاءت بما لا تشتهي الرغبات الاميركية. وها هو شعب غزة بكامله يعيش محاصرا في ارضه لا يستطيع اطعام نفسه من مسغبة ولا كسوتها من عري ولا علاجها من اسقام. والسيد بوش يبارك من طرف خفي. وطالما ظلت حماس موجودة فوق دست الامر في غزة «فدعهم ينزفون»، هذه الادمغة الناشفة التي لا تنتصح بنصح اميركا عليها ان تنزف على مرأى من كل العالم. وعلى مرأى من كل الاشقاء والاصدقاء والجار البعيد والجار القريب والجار بالجنب. يغادر بوش البيت الابيض بعد أن ارسل القضية الفلسطينية في اجازة قسرية لمدة ثماني سنوات حسوما. وبعد ان دمر مدن وقرى العراق، وبعد أن قتل شعبه بمئات الالوف. ويغادر بوش قبل ان يصل الى مخابئ اسلحة التدمير الشامل! او الاسلحة النووية! او الاسلحة البيولوجية او الاسلحة الكيماوية. تلك الاسلحة التي قالت عنها وزيرة الخارجية ذات يوم وهي في قمة اندفاعها لكي تبرر الحرب على العراق، انها قادرة على أن تحول العالم الى «مشروم» من دخان! والرئيس بوش يغادر المنصة، فليس امامنا إلا أن نقول اللهم لا شماتة! كما يأمرنا ديننا الحنيف، وكما يأمرنا الخلق السوي. اللهم لا شماتة: فقد تسلم الرئيس بوش خزينة ملأى بالنقد الفائض على حاجة اهله وموازنة مضبوطة تماما، وسوق عمل مزدهرا. وعلاقات دولية مستقرة. وها هو يغادر وديون اميركا وعجوزاتها تلامس اطراف السماء. وهاهم ابناء الشعب الاميركي وبناته يصطفون امام مكاتب الرعاية الاجتماعية ليحصلوا من الخزينة الفدرالية على العون المادي بسبب العطالة التي انتجتها سياسات بوش الاقتصادية الفاشلة. وحروبه الاختيارية التي قتلت من شعبه اكثر مما قتلت تفجيرات «القاعدة»: خمسة آلاف قتيل اميركي في العراق وافغانستان او يزيدون. وعلاقات دولية في حضيض الارض. وشعبية في اسفل سافلين. اللهم لا شماتة! المحللون والمراقبون يتوقعون ان تنتهي انتخابات اليوم بهزيمة مدمرة لحزب الرئيس بوش ليضاف هذا الفشل الحزبي الى خيبات ادارته الكثيرة. ويتوقع المحللون ان تسقط العديد من الولايات الجمهورية في قبضة «الحزب الديمقراطي» لاول مرة منذ عقود. كما يتوقعون ان يسيطر الحزب الديمقراطي على مجلسي النواب والشيوخ. واذا فاز السناتور اوباما بالبيت الابيض فسيكون الحزب الديمقراطي قد حقق سابقة انتخابية مدهشة هي الفوز بأركان السلطة الثلاثة: الرئاسة ومجلس الشيوخ ومجلس النواب. ويعني اكتساح مجلس الشيوخ اطلاق يد الرئيس اوباما تشريعيا واتخاذ كل القرارات التي يريد دون ان تعترضه مشقة تشريعية. الولايات التي ستقرر مصير الرئاسة الاميركية في مساء اليوم هي الولايات التي يطلق عليها المحللون صفة الولايات المتأرجحة. وتوصف الولاية بأنها متأرجحة حين لا تستقر على موقف انتخابي ثابت، بل يتبدل ولاؤها الانتخابي من حين لآخر. هناك اكثر من ولاية تقع تحت هذا التصنيف ويراقبها المحللون في مساء اليوم. وهي ولايات اوهايو وكلورادو وبنسلفانيا ونيومكسيكو وأيوا. ولكن هناك ولاية جمهورية كبرى سيراقبها المحللون باهتمام كبير هي ولاية فيرجينيا رغم انها ولاية غير متأرجحة. فقد ظلت تصوت لصالح الحزب الجمهوري منذ عام 1964م. ولكن مجموعات كبيرة من المهاجرين توافدت على الولاية الغنية والمتطورة والمهمة سياسيا في السنوات الاخيرة بصورة حولت وضعها الديمغرافي. فالمهاجرون دائما هم اكثر قربا للحزب الديمقراطي المعروف بتعاطفه مع المهاجرين والطبقات الفقيرة والاقليات العرقية. لهذا يواجه الحزب الجمهوري تحديا كبيرا هذا العام وبصورة لم يكن يتوقعها. واصبحت ولاية فيرجينيا الكبيرة المهدد الحقيقي للحزب الجمهوري الذي سيفقد البيت الابيض في هذا المساء اذا فقد ولاية فيرجينيا. ويحظى السناتور اوباما بشعبية كبيرة في ولاية فيرجينيا ذات الكثافة الكبيرة من المهاجرين من ذوي الاصول العربية والافريقية والآسيوية. ولما كانت نتيجة ولاية فيرجينيا ستظهر قبل غيرها من ولايات الغرب الاوسط والجنوب، فإن المحللين يتلهفون لمعرفة الاشارات الاولى تأتيهم من فيرجينيا وتعطيهم مفتاح أولى شفرات مصير البيت الابيض. انني ادعو قراء الوطن أن يركزوا النظر على ولايات فيرجينيا وفلوريدا وكلورادو وبنسلفانيا، فربما عثروا عندها على الخبر اليقين. عن صحيفة الوطن القطرية 4/11/2008