هل يتجاوز الفلسطينيون خلافاتهم من أجل قضيتهم؟ نصوح المجالي حددت الوساطة المصرية ، بين فتح وحماس، الاطر العامة للقضايا التي يفترض ايجاد حلول توافقية لها بين الطرفين وهي القضايا التي ادى اجتهاد كل طرف بالتعامل معها بطريقته الخاصة الى الازمة الحالية. والمعروف ان حماس لم تولد في رحم منظمة التحرير الفلسطينية بل في رحم الانتفاضة الفلسطينية كما انها خرجت من رواق الاخوان المسلمين واحتفظت لنفسها برؤية سياسية وعقائدية خاصة وتبنت فيما بعد برنامجاً فلسطينيا مخالفا للبرنامج الذي تبنته فتح من خلال السلطة الفلسطينية التي انبثقت عن اتفاقات اوسلو، والمفارقة التاريخية ان حماس التي لا تقر برنامج السلطة الفلسطينية ولا تعير المرجعيات التي انبثقت منها السلطة الفلسطينية وبخاصة اتفاق اوسلو أي اهتمام عدلت من مسارها السياسي لاسباب مرحلية ودخلت الانتخابات التشريعية الفلسطينية وفازت بالاغلبية في المجلس التشريعي الفلسطيني وشكلت الحكومة الفلسطينية لكنها وهي في مقعد السلطة لم تستطع فك قبضة فتح عن اجهزة السلطة الفلسطينية وتحديدا لم تستطع تغيير المعادلات الامنية التي نشأت في عهد الرئيس الفلسطيني عرفات . كما ان فتح لم تهضم نجاح حماس واتخذت موقفا مناهضا لحماس مما أربك السلطة الفلسطينية التي بدت وكأنها تعمل برأسين وتوجهين توجه يقوده الرئيس الفلسطيني واخر تقوده الاغلبية التي تمثلها حماس وجاء الموقف الامريكي والاسرائيلي برفض التعامل مع حماس أي برفض نتائج العملية الديمقراطية التي اوصلت حماس الى السلطة الفلسطينية ليكشف حدود اللعبة الديمقراطية وابعادها تحت الاحتلال فهي الديمقراطية والانتخابات التي تأتي بفريق يقر بخطط الاحتلال ويتعاون معها او على الاقل لا يناهضها بشكل مطلق. ووجدت حماس نفسها محاصرة داخل السلطة الفلسطينية تملك الاغلبية وتقود الحكومة ولكنها لا تمتلك الارادة الكافية داخل السلطة عدا عن أنها محاربة من واشنطن واسرائيل وعلى غير وفاق مع الفريق الفتحاوي في السلطة والذي يمتلك السيطرة على كثير من الموارد وبيده مفاتيح اجهزة الامن الفلسطيني. وجاءت لحظة انسحاب اسرائيل من غزة لتشكل بداية التحول في الموقف الحمساوي ، خاصة وان فتح قد شكلت فريقا امنياً برئاسة محمد دحلان الغزاوي لاستعادة السيطرة الكاملة على غزة. وكان الخيار البديل لجوء حماس لتشكيل قوة امنية ضاربة خاصة بها خارج اجهزة السلطة الفلسطينية، لتكون ذراعها الضاربة وكانت تلك بداية الطلاق السياسي بين الفصيلين ومقدمة الانفصال بين الضفة والقطاع. وهو الانفصال الذي جاء على خلفية برنامجين سياسيين مختلفين وانفصال اداري اسس لحكومة ما يسمى بامارة غزة الحمساوية. وتأتي المبادرة المصرية ومن قبلها اكثر من مبادرة عربية والقضايا المتنازع عليها ما زالت قائمة فهناك رؤى مختلفة بين الفريقين بشأن منظمة التحرير الفلسطينية وحماس ما زالت خارج منظمة التحرير التي تشكل اطارا علمانيا ترئسة فتح وتجتمع تحت مظلته جميع الفصائل الفلسطينية ما عدا حماس، وفتح ما زالت تسيطر على اجهزة الامن الفلسطينية وهناك تباين واضح في موقف الطرفين من قضية التسوية السياسية والسلام والدولة الفلسطينية ، وكلاهما له وجهة نظر مختلفة بشأن الانتخابات القادمة وحكومة الوحدة الوطنية المقترحة في المبادرة المصرية ليست سوى محاولة لجمع النقيضين في اطار مشترك وهو ما ثبت عدم امكانية تحقيقه حتى الان في ظل الظروف الراهنة. والمقترح المصري يتركز على تشكيل حكومة مشتركة مؤقتة لادارة المرحلة المقبلة التي ستشهد انتخابات تشريعية ورئاسية ومن الصعب القول ان الحكومة المشتركة المؤقتة حكومة وحدة وطنية بل حكومة مهمة مشتركة مرحلية، ويفترض ان تضع هذه الحكومة رؤية جديدة لاعادة تنظيم السلطة الفلسطينية واجهزتها الامنية لتكون محايدة وغير فصائلية وهذا امر في غاية الصعوبة لان من يسيطر على هذه الاجهزة يحكم السلطة الفلسطينية فعليا ولا يتوقع ان يترك الطرفان هذه الاجهزة لتدار من طرف ثالث مستقل او محايد. كما ان الانتخابات القادمة ستأتي بفريق اغلبية في المجلس التشريعي والحكومة يكون على رأسه احد الفريقين مما يفاقم الحساسيات الفصائلية مرة اخرى والقوى الفلسطينية الاخرى اضعف من ان تشكل توازنا حقيقيا بين الفريقين المتنازعين. والحل يكمن اساسا في النوايا ان صلحت وفي التوافق لايجاد معادلة متوازنة لتوزيع المسؤوليات بين الفريقين والاتفاق على برنامج نضالي وسياسي للمرحلة المقبلة تحدد فيه الخطوط الحمراء التي لا يجوز لاي فصيل ان يتجاوزها وعلى رأسها رفض الانقسام في الموقف الفلسطيني مرة اخرى مع ايجاد مرجعية وطنية يحتكم اليها الجميع في حالة الخلاف وقد تكون منظمة التحرير بعد اصلاحها المظلة المنشودة ويساعد في ذلك. ان محصلة جهود كل من حماس وفتح حتى الان متقاربة فكلا الفريقين خاض تجربة مرة وصعبة وفاشلة كل بالاتجاه الذي اختاره وامامهم تغيير محتمل نحو التطرف ورفض التسوية في الساحة الاسرائيلية اذا نجح الليكود في الانتخابات القادمة مما يحتم عليهم توحيد جهودهم لمواجهة المرحلة المقبلة. ومن حق الشعب الفلسطيني ان يطالب جميع الفصائل بانهاء المعاناة الناشئة عن تصارع الفلسطينيين وانقسامهم. فالوفاق الوطني يحتاج الى مناخ للحوار يساعد في بناء الثقة والتخلي عن اجراءات الاعتقال والمطاردات المتبادلة والاتهامات التي تقطع الطريق على الحوار. فتناحر الفصائل يزيد من تمزيق الشعب الواحد ومن اضعاف الموقف الوطني الفلسطيني كما يوفر عامل قوة اضافي للاحتلال دون ان يحقق أي مكسب للشعب الفلسطيني. عن صحيفة الرأي الاردنية 30/10/2008