الأسلوب الخطأ في التعامل مع المعضلة الباكستانية مارفين وينبوم في حرصها على مجابهة التمرد الآخذ في التزايد في باكستان شرعت الولاياتالمتحدة في نهج سياسة من الممكن أن تلحق أشد الضرر بالشراكة الاستراتيجية الحيوية مع باكستان. فبالسماح للقوات الأميركية المقاتلة ان تقوم بشن غارات جوية فوق الأراضي الباكستانية وهي الخطوة التي أذن بها الرئيس بوش في يوليو تكون الولاياتالمتحدة قد عقدت العزم على الضغط على القادة الباكستانيين لتكثيف القتال الذي يخوضونه ضد المسلحين المنتشرين في المنطقة الحدودية. بيد أن هذه السياسة تهدد التعاون بين الدولتين وربما تنتهي إلى نقطة الانهيار. فالمسلحون الباكستانيون الذين تعثروا في البداية على إثر رد فعل الولاياتالمتحدة على هجمات 11 سبتمبر أعادوا بناء منظماتهم في المناطق الحدودية ، ومن تلك الملاذات أخذوا يشنون هجمات ضد القوات الأميركية وقوات التحالف في أفغانستان. وتقوم الولاياتالمتحدة بتمويل ما بين 80 إلى 120 ألفا من القوات الباكستانية المشاركة في القتال ضد المتمردين منذ 2003 بتكلفة مليار دولار سنويا. الا انه وحتى الآن سواء إذا كان السبب هو ما تعاني منه تلك القوات من سوء التجهيز أو نقص التدريب او الدوافع فالعمليات التي تقوم بها متضاربة وغير كاملة. وفي الوقت الذي أعادت فيه طالبان أفغانستان والقاعدة تنظيم صفوفهما تتساءل واشنطن عن مدى صدق الجهود التي تبذلها باكستان. والمسؤولون الأميركيون المدفوعون بحالة من القلق ان عناصر في قوات الأمن التابعة للحكومة الباكستانية متعاطفون مع المتمردين ويظهرون اهتماما أكبر في حمايتهم يريدون أن يتعاملوا مع ذلك التهديد سواء كانت باكستان لا تقوم بذلك أو لا تستطيع القيام به. بيد ان هناك الكثير على المحك بالنسبة للولايات المتحدة إذا سارت قدما في تلك السياسات الخطيرة والخاطئة. المؤكد أنه لا الاقتحام من قبل قوات خاصة أميركية ولا الهجمات الصاروخية التي تنفذها طائرات بدون طيار يمكن لأيهما في حذ ذاته أن ينتزع على نحو جوهري آلاف من المتمردين وحلفائهم على طول الحدود. كما انها لا يمكن أن تعرقل على نحو خطير شبكة الإرهاب العالمية. ولا أحد يقترح نشر عشرات الآلاف من القوات الأميركية وهو ما يمكن أن يحتاجه التعامل مع المناطق القبلية وللمحافظة على أية نجاحات. كما أن محاربة المناطق القبلية الموحدة من الممكن أن يتسبب في خسائر جسيمة بين المدنيين. وحتى إذا ما اختارت الولاياتالمتحدة نهجا أكثر سرية بهدف استعداء كل مجموعة قبلية ضد مجموعة اخرى من المحتمل أن يكشف عن ان كراهيتهم لأميركا أمر يتجاوز أي عداوات تاريخية أو شخصية. فماذا تبقى إذا ؟ ببساطة ليست هناك حلول سريعة. وتعاون الجيش الباكستاني والمخابرات والعمل مع حكومة مدنية امر لا غنى عنه. وفي اللحظة الراهنة فالشعب الباكستاني على أية حال لا يعرض أي دعم. ووفقا لاستطلاعات الرأي فنسبة من ينظر إلى الولاياتالمتحدة بصورة ايجابية من الباكستانيين لا تتجاوز 20%. فالغزو الأميركي للعراق قد كرس لديهم الاعتقاد كما هو الحال في أفغانستان بأن الحرب تهدف في المقام الأول إلى هزيمة المسلمين. بل إن الولاياتالمتحدة أثارت النفور حتى لدى اصدقائنا الباكستانيين عن طريق اتباع سياسات سابقة كان ينظر إليها على أنها محاولة لإنقاذ رئاسة برويز مشرف واحباط العملية الديموقراطية. وفيما قد يرى شعور بالارتياح في النظر إلى وجهات نظر الرئيس آصف زرداري بشأن مكافحة الإرهاب كبديل لمشرف للقيام بدور رجل الولاياتالمتحدة المعين لن يساعد في بناء اتفاق شعبي ضد التطرف. وقبل نحو أسبوع فقط صوت البرلمان بالإجماع على إدانة الهجوم الصاروخي الأميركي الأخير على الأراضي الباكستانية. وإذا حاول زرداري التخفيف من حدة الانتقادات الموجهة ضد الولاياتالمتحدة فإن بذلك يعرض تحالفه الحاكم للمخاطرة. أما نواز شريف فهو يستهجن بقوة تدخل الولاياتالمتحدة في الحدود وفي أفغانستان. ويجري حاليا النظر في الاقتراحات الخاصة بمساعدة الولاياتالمتحدة في استعادة ثقة الباكستانيين. ومعظم تلك الاقتراحات مثل مشروع قانون بايدن لوجار تعترف بأهمية المساعدة غير العسكرية في باكستان والدور الذي يمكن ان تقوم به معالجة المشكلات الإجتماعية المزمنة وعجز الهياكل الأساسية. وسيكون للإجراءات المتخذة لعلاج الأزمة الاقتصادية لباكستان تأثير وكذلك نهج سياسة تجارية أكثر ملاءمة وخاصة على المنسوجات. وأيضا يمكن أن تكون الولاياتالمتحدة اكثر اقناعا بالتزامها تجاه الحكم المدني والديموقراطية. وعلى النقيض فانتهاك الأراضي الباكستانية بمثل هذا الشكل العلني سوف يزيد الأمور سوءا. ومن الممكن بسهولة أن ترد باكستان. والمعروف ان معظم الإمدادات التي تصل إلى الجيش الأميركي وقوات التحالف في أفغانستان تصل أولا الى ميناء كراتشي ثم يتم شحنها برا إلى أفغانستان. وفي أوائل الشهر الماضي تم إيقاف شاحنات كانت في طريقها لعبور الحدود في إشارة تحذير لما يمكن ان يحدث إذا استمرت الغارات الأميركية. وقد ذكر الجنرال أشفق كياني أكبر ضابط في الجيش الباكستاني ان الجيش سوف يدافع عن سيادة باكستان مهما كانت التكاليف. والغارات التي تشن عبر الحدود تحمل خطر اثارة مواجهة مباشرة بين القوات الأميركية والباكستانية كما أنها قد تصاعد من حدة الشقاق في صفوف الجيش الباكستاني ازاء استمرار انحياز باكستان للولايات المتحدة. بالطبع فإن توفير ملاذات للإرهاب امر غير مقبول ولكن القضاء عليها يتطلب تعاونا من باكستان. وتفجير فندق ماريوت في اسلام أباد الذي وقع الشهر الماضي هو تذكير أننا أمام أوجه مختلفة في حرب واحدة. ومواصلة قيام الولاياتالمتحدة بهجمات غير ذات جدوى عبر الحدود سيجعل طلب المزيد من التعاون من باكستان أمرا بعيد المنال. نشر في صحف " لوس انجلوس تايمز وواشنطن بوست " ونقلته صحيفة " الوطن " العمانية 30/10/2008