العلماء المهاجرون والمشاركة في البرنامج النووي مصطفي سامي تصورت قبل أن نبحث عن أحد بيوت الخبرة العالمية لبناء محطات نووية لتوليد الكهرباء, أن ننظر حولنا الي علمائنا المصريين المهاجرين في الخارج والذين كان لهم الفضل بعقولهم وعلمهم وخبراتهم في تطوير الصناعات التي تعتمد علي الطاقة النووية, لقد أتاحت لهم دول المهجر المناخ لتطوير أبحاثهم وتحديث الصناعة في أوطانهم الجديدة, وقدمت لهم الدعم المادي الذي يعوضهم غيابهم عن أوطانهم وعائلاتهم. أعرف أن لدينا كفاءات وخبرات مصرية من أساتذة وباحثين في هيئة الطاقة النووية وفي كليات الهندسة والعلوم بجامعاتنا المصرية, سوف يعتمد عليها مشروع بناء المحطات النووية, وكان من الواجب دعوة العلماء المصريين المهاجرين في الخارج لينضموا الي زملائهم في جامعات مصر ومراكزها البحثية في مؤتمر لبحث وتبادل الرأي حول أفضل الوسائل والأكثر ملاءمة لظروف مصر لبناء محطات نووية, وهل بعد مرور هذه السنوات لاتزال الطاقة النووية هي الأنسب لمصر لتوليد الكهرباء, أم أن هناك وسائل أخري لتوليد الطاقة هي الأفضل بالنسبة لظروفنا؟ لقد سبق بالإجابة عن هذا السؤال الخبير العالمي في الطاقة النووية المقيم في ألمانيا د. هاني النقراشي[ ابن الزعيم السياسي محمود فهمي النقراشي الذي اغتيل عام1947 بعد أن أطلق عليه الرصاص طالب الطب عبدالمجيد أحمد حسن]. حذر العالم المصري هاني النقراشي في حديث لجريدة المصري اليوم من التكلفة العالية التي سوف تتحملها مصر من إنشاء المحطات النووية فالطاقة النووية مقدر لها أن تنتهي خلال64 عاما, والأفضل لمصر والأكثر أمانا استخدام الطاقة الشمسية. وهاني النقراشي واحد من عشرات العلماء المصريين المهاجرين في جامعات ومراكز أبحاث دول أوروبا والولايات المتحدةوكندا, وعلي سبيل المثال هناك أكثر من خمسين عالما مصريا في الجامعات وشركات الطاقة العملاقة الكندية ممن يعملون في مجال الطاقة النووية وتوليد الكهرباء, فالنائب السابق لرئيس مجلس إدارة شركة هيدروكيبيك ورئيس مركز أبحاثها العلمية كان مهندسا مصري أحيل منذ سنوات قليلة الي التقاعد, قال لي الدكتور عبدالمنعم أبوالعزم رئيس أكاديمية البحث العلمي السابق خلال زيارة لمونتريال في أول التسعينيات إن العالم المصري المهاجر يعد واحدا من أهم أربعة علماء في العالم من المختصين في الجهد العالي. هذه مجرد أمثلة, وهناك عشرات من العلماء المصريين الذين تفخر كندا بإنتاجهم وإنجازاتهم العلمية ومن بينهم رؤساء جامعات وعمداء لكليات الهندسة ورؤساء لأكبر شركات الصناعة, ومعروف عن كندا أنها واحدة من أكثر دول العالم تقدما في مجال بناء المحطات النووية, والسؤال هو: لماذا لا يستفاد بهذه العقول والخبرات المصرية؟ لقد التقيت خلال عملي في كندا بعشرات العلماء المصريين الذين هم علي استعداد للحضور الي القاهرة دون مقابل وتقديم المشورة, بل والمشاركة في أي مشاريع مصرية للتنمية والبناء. كان من المفروض أن يضم المجلس الأعلي للطاقة بين أعضائه عددا من هؤلاء العلماء المهاجرين من الذين يقودون البحث العلمي ويسهمون في تطوير الصناعة والذين يفخر العالم المتقدم بانتاجهم العلمي ولا نعرف عنهم شيئا. هذه العقول والثروات التي هاجرت من مصر والتي لا نقدر ثمنها لأننا قطعنا كل وسائل الاتصال بها, يجب أن نعمل الآن علي استعادتها, وأن نبادر بدعوة هؤلاء العلماء الكبار في أوطانهم الجديدة للمشاركة في هذا المشروع القومي العملاق, هذه الدعوة من شأنها أن تشعرهم بأنهم لايزالون مصريين وأن وطنهم الأم الذي هاجروا منه, لم ينسهم بل جاء الوقت ليطالبهم برد الجميل. الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء الذي حصل علي الدكتوراه في هندسة الاتصالات من جامعة ماكجيل الكندية, يعلم جيدا حقيقة المستوي العلمي الممتاز للتعليم الجامعي في كندا, واذا كان يعد واحدا من القلائل الذين عادوا الي مصر بعد انتهاء بعثتهم الدراسية مع د. علي الدين هلال في أوائل السبعينيات, فهو يعرف عشرات من زملائه وتلاميذه ممن فضلوا البقاء في كندا لمواصلة البحث العلمي وطموح الوصول الي أعلي المناصب الأكاديمية وفي شركات الصناعة. هؤلاء العلماء المصريون الذين التقيت بهم في عدة مناسبات فضلوا الهجرة والبقاء في كندا ولم يستخدموا تذكرة العودة بعد انتهاء دراساتهم, وقد هيأت لهم كندا كل الظروف ليواصلوا أبحاثهم العلمية التي نقلت كندا الي قائمة أهم دول العالم في الصناعة والي نادي الدول الصناعية الثماني, انهم الآن علي استعداد لاستخدام تذكرة العودة الي القاهرة التي احتفظ بها غالبيتهم في قلوبهم للمشاركة في المشروع الوطني, وهم لا يحتاجون من مصر سوي دعوة.. مجرد دعوة أو رسالة تبلغهم أن وطنهم في حاجة الي عقولهم لأنهم لايزالون مصريين. عن صحيفة الاهرام المصرية 12/11/2007